معاناة سودانية في الهند.. "العين الإخبارية" مع مرضى "عالقين ويائسين"
تتجاوز معاناة السودانيين وأزمتهم حدود الوطن، وتصل هذه المرة على بعد آلاف الكيلومترات من الخرطوم، فهناك في الهند أعداد من السودانيين العالقين الذين يعانون إنسانياً ربما أكثر ممن هم تحت القصف.
مغتربون تجمّعت عليهم آلام الغربة والمرض ونقص الأموال وغياب الدعم الرسمي.
إشراقة رمضان، امرأة سودانية، تحمل قسمات الطيبة والسماحة التي تميّز مواطني غرب السودان، أصيبت بمرض عضال وهو سرطان الثدي، الذي أوهن جسدها وأطفأ بهجتها.
لم يتحمَّل ابنها الأكبر "علي" أن يراها تعاني، ولأنه يعمل في شركة وله دخل ثابت جيّد قرر أن ينفق كل ما يملك لعلاجها.
لا بنوك.. لا مال
استشار الابن أقاربه، واتفق الجميع على ضرورة سفرها رفقة شقيقتها إلى الهند للحصول على العلاج المناسب. وبلغت التكلفة العلاجية ما بين 10 و15 ألف دولار.
وصلت إشراقة وشقيقتها إلى الهند في مطلع شهر رمضان الماضي تسبقها أحلام الشفاء من المرض العضال، وبعد أسبوع أجرت عملية الاستئصال، ثم حصلت على الجرعة الأولى من العلاج الكيميائي المناسب، إلا أن الحرب التي اندلعت في بلادها ألقت بظلالها السيئة عليها، وبسبب نهب البنوك واقتحامها لغياب الأمن، توقفت تلك البنوك عن العمل، ولم يستطع أحد أن يحوّل إليها المال اللازم لإعاشتها، وأرادت العودة لتكون بين أهلها، لكن السلطات أغلقت المطارات فلا أحد يدخل أو يخرج، وأسقط في يدها كيف تستكمل علاجها أو حتى كيف تعود إلى وطنها، بل وكيف تعيش في بلاد لا تعرف فيها أحداً؟.
الأزمة تتفاقم
تفاقمت الأزمة بفقد ابنها عمله، فالقصف العشوائي دمَّر الكثير من المنشآت والشركات والمصانع والمنازل، فنجا بنفسه مثل آلاف السودانيين وانتقل إلى مدينة أخرى أكثر أماناً.
وهكذا وجدت إشراقة نفسها عالقة في الهند مع شقيقتها، فلا مال تدفع به ثمن علاجها أو إيجار شقتها، ولم يتحمل صاحب الشقة تأخير الإيجار، وقبل طردها علم بعض الطلاب السودانيين المقيمين للدراسة هناك بأمرها، فتركوا لها شقتهم وارتحلوا للمبيت عند زملائهم.
تكافل رائع وشهامة معهودة عن السودانيين، لكن هذا الحل يصلح لمواجهة المواقف الطارئة لمدة يوم أو يومين أو على الأكثر أسبوع، أما وأن الحرب دخلت شهرها الثالث ولا أمل لوقفها، فهذا يعني أن الأزمة مرشّحة للاستمرار والتفاقم، ولم تجد إشراقة إلا "العين الإخبارية" لتنقل للعالم مأساتها ومأساة آلاف من المرضى السودانيين العالقين في الهند.
"إشراقة" وشقيقتها، ليستا سوى نموذج لمعاناة السودانيين العالقين في الخارج، الذين لا يجدون الدواء ولا يملكون العودة ولا يعرفون إلي أين تصل بهم تلك الحرب.
وحول طبيعة أزمة السودانيين في الهند، تقول الصيدلانية السودانية نجلاء نورين: "نحن السودانيين العالقين في الهند لا أحد يسمع أصواتنا، فجميعنا عالقون، حتى مَن استطاع توفير نفقاته بطريقة أو أخرى، انتهت رحلة علاجه، لكنه لا يستطيع العودة إلى السودان بسبب توقف حركة الطيران، وآجلاً أو عاجلاً سنتفد نقوده، وستتفاقم الأزمة".
وتضيف: "أنا أيضاً عالقة، فقد حضرت للعمل والعودة مرة أخرى إلى السودان، قد يكون وضعي أحسن حالاً، لكن المرضي هنا يتألمون وأصواتهم ضعيفة والحكومة غائبة، والمؤسسات السودانية أسقطتنا من حساباتها، حتى المؤسسات الإغاثية العالمية لم نجد مَن يتعاون منها معنا في حل أزمة المرضى العالقين".
لماذا الهند؟
وحول سبب ارتفاع أعداد السودانيين في الهند تقول نورين: "الرعاية الطبية في السودان أقل جودة من تلك التي تقدم في الهند وتايلاند، فكثير من الخبراء والمتخصصين من كبار وأمهر الأطباء السودانيين غادروا السودان خلال العقود الماضية إما إلى الدول العربية الشقيقة وإما إلى أوروبا وألمانيا تحديدًا، لهذا انهار القطاع الطبي، ولم يجد المواطن السوداني إلا الهند لتلقي العلاج بها".
وتتابع: "كما أن الخدمة الطبية في الهند تعتمد على الأجهزة والمعدات الحديثة والمتطورة غير الموجودة في السودان، ومعظم المرضى السودانيين هم مرضى قلب وكبد وكلى، وبعضهم يحتاج إلى عمليات جراحية معقدة وإزالة الأورام وإجراء عمليات المخ والأعصاب، وهذه الأجهزة تقدم لهم خدمة طبية فائقة فضلًا عن انخفاض التكلفة بالمقارنة بدول أخرى".