سودانيات في معسكرات تدريب.. من يحرك خيوط اللعبة؟
هل يخشى جيش السودان حمم شائعات تفككه لدرجة أنه وجه الأنظار نحو ملف جديد، يدرك جيدا أنه قادر على استقطاب الاهتمام بشكل كلي؟
أم أن الأمور تشابكت بصفوف الجيش لدرجة بات معها غير قادر على تبين المخالب الممسكة بخيوط إخوانية تحركه من وراء الستار، وتحاول توجيه دفته والبلاد نحو وجهة تخدم مصالح تلك الأطراف؟
المؤكد أن سيلا من الاستفهامات يتدفق في عقول متابعي الشأن السوداني على خلفية معسكرات تدريب تفتح أبوابها للنساء، بدعوة من قائد الجيش عبدالفتاح البرهان.
مجموعات من النساء السودانيات تتجمع في معسكرات مخصصة للتدريب على استخدام الأسلحة، يفجر الجدل حول ما وراء تطورات يعتقد الكثير من الخبراء أنها قد تكون واجهة ملغومة لتفاصيل خطيرة ومخططات أكثر خطورة.
بداية التدريب
شهدت ولاية نهر النيل الواقعة شمالي السودان، في أغسطس/آب الماضي، ضربة البداية لمعسكرات تدريب النساء والفتيات على الفنون القتالية.
ولاحقا، انضمت إليها ولايتا البحر الأحمر وكسلا، شرقا، وكذلك ولاية النيل الأزرق في الجنوب الشرقي، بالإضافة إلى الولاية الشمالية، وذلك بعد اجتياح قوات الدعم السريع ولاية الجزيرة وسط السودان في ديسمبر/كانون الأول الماضي، والتي تعتبر مفتاحا لدخول كل الولايات السابقة.
وتصاعدت معدلات إقبال النساء على تلك المعسكرات بعد دخول قوات الدعم السريع تلك الولاية، والتحقت بها فتيات سودانيات في أعمار متفاوتة، ونساء في أعمار متقدمة تصل إلى الخمسين عاما.
"خطر كبير"
وترى الناشطة والباحثة الاجتماعية السودانية الدكتورة سارة أبو أنه "من الضروري أن تشارك النساء في الحرب للدفاع عن نفسها، لكن شرط أن يكون ذلك ضمن كادر نظامي في الجيش من قبل الحرب".
وتقول أبو، في حديث لـ"العين الإخبارية، إن "تجنيد النساء في هذا التوقيت وهذه الظروف يمثل خطرا كبيرا"، معتبرة أنه "لا بد أن تتدرب المرأة في الظروف العادية في الخدمة الوطنية".
ولفتت إلى وجود فرق بين الخدمة الوطنية والإلزامية، متابعة: "أنا ضد هذا التدريب في هذا التوقيت، فالحرب لها أصول وقوانين عطلتها المعارك الدائرة".
وبحسب الخبيرة، فإن "الخدمة الوطنية تجعل المرأة جاهزة تماما للحرب، لكن أن تؤخذ عنوة بشكل إجباري فهذا سلوك غير إنساني"، لافتة إلى أن الدخول في مثل هذه التدريبات وظيفة اختيارية، ويجب أن تكون في إطار خدمة وطنية.
وأشارت إلى أنه "لا يمكن أن نعرض أي شخص للخطر سواء كانوا رجالا أم نساء"، متسائلة: "لماذا ندرب النساء وللدفاع عن من؟، فالجيش نفسه لم يستطع المواجهة، وما زالت الأمور غير واضحة في الحرب".
واعتبرت أن مسؤولية الحماية تقع على عاتق الجيش وعدم تعريض النساء للخطر، وأن تدريب النساء في الوقت الراهن يعرضهن لخطورة كبيرة.
"كوزات"؟
البعض ربط استنفار النساء في حرب السودان بعهد "الحركة الإسلامية" إبان حرب الجنوب، بما كان يعرف وقتها بـ"الدفاع الشعبي".
وفي تصريح لـ"العين الإخبارية"، قالت ناشطة سودانية في مجال حقوق المرأة، فضلت عدم نشر هويتها، إن التجنيد في زمن النظام السابق خلال الحرب مع الجنوب كان إجباريا لكل الموظفات العاملات بالدولة.
وأضافت أنه حينها، خضعت نساء لتدريب عسكري، وكن يرتدين زي الجيش وكان وقتها يسمى بـ"لبس خمسة"، لافتة إلى أن مريم الصادق، نائبة رئيس حزب الأمة القومي السوداني كانت تقاتل في صفوف قوات جيش حزبها "تهتدون" زمن التجمع الوطني الديمقراطي المعارض للرئيس المعزول عمر البشير.
وشددت على أن الحماية مسؤولية الجيش ولا يمكن أن تقع على عاتق المدنيين، خصوصا النساء، متهمة المؤسسة العسكرية "بارتكاب انتهاكات".
مستدركة في الوقت نفسه أن هؤلاء النساء قد يكون خيارهم التدريب لحماية أنفسهن، "وأنا لا أستطيع أن أحكم على هذه الطريقة التي يرونها مناسبة".
من جانبها، أشارت إيمان فضل السيد مسؤولة الحريات بنقابة الصحفيين السودانيين، إلى "ابتكار الحركة الإسلامية فكرة أخوات نسيبة في حرب الجنوب".
وقالت إنه "تم تدريب النساء الكوزات -لقب نساء الإخوان- وكانوا يذهبون إلى مواقع الحرب ويقمن بأدوار فيها، بينها كسب عاطفة الشعب السوداني مع موقف الحركة الإسلامية في هذه الحرب، ليجعلوا منها حربا دينية".
وأكدت أن "ذلك أسلوب إخوان السودان، وأن هذه صنائعهم".
عسكرة المجتمع
وفي حديثها لـ"العين الإخبارية"، اعتبرت فضل السيد أن "أي محاولات لعسكرة المجتمع مرفوضة تماما".
وقالت: "ندين ذلك بشدة ونطالب المجتمع الدولي بإدانته كونه مخالفا لكل الأعراف والمواثيق الدولية"، مضيفة: "عموما نحن ضد تسليح المجتمع وعسكرته وإقحام المجتمع في هذه الحرب وأن يكون وقودا لاستمرارها".
وتابعت: "كان هناك تدريب للشباب والأطفال، يتم اختطافهم وتدريبهم داخل المعسكرات وهذا مرفوض تماما"، مستدركة أنه "إذا كان هناك نساء يردن هذا التدريب فهذا شأنهن، وهذا الأمر يرجع لخياراتهن الشخصية".
ومستدركة: "لكن أن يتم استدراجهن إلى هذه الحرب وتدريبهن عسكريا، ويخوضن مع طرفي الصراع في الحرب، وأن يتم شحنهن عاطفيا وأن يقمن بهذا الدور فهذه جريمة، وأن يتم أخذهن عنوة جريمة أكبر".
ودعت الجيش وقوات "الدعم السريع" إلى "وقف هذه الحرب والوصول إلى اتفاق لإنقاذ البلاد"، لافتة أن فكرة تجنيد النساء في الحرب هي فكرة الحركة الإسلامية، وأنها ليست جديدة عليهم، خصوصا في حربهم ضد الجنوب في فترة التسعينيات تحديدا".
دوافع
وترى إشراقة سيد محمود، رئيسة الحزب الاتحادي الديمقراطي السوداني، أن معسكرات النساء للتدريب العسكري سببها التفكير أساسا في الدفاع عن النفس.
وتقول لـ"العين الإخبارية" إن السبب في تدريب النساء عسكريا جاء نتيجة تعرضهن للعنف الكبير في هذه الحرب خاصة العنف الجنسي.
فيما تقول إحدى المشرفات على عمليات حصر النساء وحثهن على المشاركة في التدريب، إن الجرعات التدريبية في معسكرات التدريب لا تقتصر على الفنون القتالية فحسب، بل تتعداها إلى تدريب الفتيات والنساء على رفع الوعي وسط المواطنين بأهمية دعم الجيش الرسمي للبلاد في حربه على الدعم السريع.
وتضيف في تصريحات إعلامية أن النساء والفتيات يحصلن أيضا على تدريبات عن مجالات تقديم الإسناد لمقاتلي الجيش السوداني، سواء بالمشاركة في تجهيز الطعام أو علاج الجرحى والمصابين وما إلى ذلك.
وتابعت: "نحن نطمح إلى مشاركة النساء فعليا في عمليات القتال بالصفوف الأمامية، وليس الاكتفاء بتقديم الإسناد للجيش، أو الدفاع عن النفس عن أي تعديات أو انتهاكات محتملة".
أما سارة إبراهيم، واحدة ممن دخلن معسكرات التدريب في السودان، فتعتقد أن الحديث عن سيطرة قادة النظام السابق على هذه المعسكرات يفتقر إلى الصحة.
وقالت سارة لـ"العين الإخبارية" إن "الفكرة جاءت استجابة لنداء أطلقه البرهان الذي يملك موقفا واضحا ضد النظام السابق".
وتابعت أنه "حتى اللواتي ينتمين للنظام السابق فهن يشاركن ضمن الأخريات"، وتابعت "أنا لست سياسية ولا أنتمي لأي حزب، وما نقوم به الهدف منه حماية الفتيات من التعديات والانتهاكات".
aXA6IDUyLjE1LjY4Ljk3IA== جزيرة ام اند امز