لم يكد الرأي العام الخليجي يفرغ من صدمة التمثيل السياسي القطري بقمة الرياض حتى فاجأنا الإعلام القطري باستضافة محللين إيرانيين.
لوم نظام الحمدين في قطر ونقده خليجياً في أنه سبب رئيسي في إحداث شق في المنظومة الخليجية والاستقرار العربي لم يعد نوعاً من التحامل أو "التبلي" عليه، فهناك ما يبرر الغضب الخليجي من نظام الحمدين، إذ بعد كل الفرص التي أعطيت له للعودة إلى الكتلة السياسية الخليجية ومنها دعوة خادم الحرمين الشرفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ملك المملكة العربية السعودية لحضور القمة الخليجية الـ39 التي اختتمت أعمالها يوم الأحد الماضي، إلا أن حجم التمثيل السياسي القطري يحمل رسالة فحواها أنه يؤكد أن قطر لم تخرج بعد عن العبث السياسي في اللحظات الحاسمة من تاريخ المنطقة، فالذي لم يخطر على بال كل الخليجيين أن تقوم بتصرف لا يناسب الطقس السياسي العربي والخليجي والقطري أيضاً.
ما جرى من تصرف قطري في قمة الرياض لم يكن تفريطا في محاولة خليجية جديدة وتضييعها ولكنه كان تفسيراً دقيقاً عن ضياع البوصلة السياسية لنظام الحمدين، والشيء الذي ينبغي أن يدركه أبناء الخليج أن ما يهدد قطر والقطريين أكبر من التهديدات على الخليجيين وهذا له رسالته بالغة الوضوح
الموضوع لم يعد خلافا سياسيا ولا هو اختلاف حول وجهات نظر كما يروج النظام القطري، وإنما محاولة لتدمير الكيان الخليجي لإعادة تخطيط المنطقة وفق الحلف الخماسي الذي يروج له الحمدين (إيران، وتركيا، والعراق، وسوريا، بالإضافة إلى الحمدين) فمع كل محاولة لتخفيف حدة التوتر من الدول الخليجية من خلال تشجيع النظام القطري على إيقاف الحملات الإعلامية الداعمة للمتطرفين ومن يمثلون تهديداً للمنطقة، إلا أنهم يبتكرون أساليب جديدة وغريبة في ازدراء كل الجهود الخليجية في إصرار وتقصد كامل لإضاعة كل الفرص التي تبدو أنها سانحة.
لقد صدم النظام القطري الخليجيين والعرب في أكثر من موقف، وكان آخرها التمثيل السياسي في القمة الخليجية بالرياض التي تعد واحدة من أهم القمم نتيجة لحجم التحديات ونوعيتها التي تهدد المنطقة، وقبلها استضافتها القوات التركية التي تعد فتح ثغرة تخدم تمدد نظام أردوغان في الإقليم العربي.
لم يكد الرأي العام الخليجي يفرغ من صدمة التمثيل السياسي القطري بقمة الرياض حتى فاجأنا الإعلام القطري إما باستضافة محللين إيرانيين يوجهون اتهامات وانتقادات للقمة والدول الخليجية وإما بحملة إعلامية في الحسابات الرسمية القطرية، فإذا كان التصرف الأول لم يخطر على بال أي خليجي فإن التصرف الآخر سابقة خليجية على اعتبار أن أبناء الخليج دائماً لهم "عاطفتهم السياسية" تجاه هذه المنظومة، فالأمر هو وصمة عار في سجل السياسة القطرية ذكرتنا بصدمة دعمها التخريب في الدول العربية.
قيام نظام الحمدين بهذا العبث القذر في كل مراحله من عام 1995 الذي يستهدف نشر الفوضى في المجتمعات العربية وتخريب العمل العربي المشترك لنصرة الطموحات الإيرانية والتركية لم يعد يشعرها بالخجل والحياء، بل صار أمراً عادياً لا يستنكره أحد ولا يجده غريباً، لكن المؤسف أنه صار عملا يفتخر به النظام القطري، لأن أي إغلاق قطري أو تقفيل سياسي مع العرب والخليجيين يعني في المقابل اختراقاً إيرانياً وتركياً للعرب، كما يعني فتح باب للتنازلات لهما للإضرار بالأمن الخليجي والسعودي بالدرجة الأولى وبعدها الدول العربية، وعلى المدى البعيد هو مؤشر على الانكسار القطري أمام الطموحات الإيرانية والتركية، لكن الخوف أن تضيع قطر كلها حتى بعد أن تفكر في الاستدارة والعودة.
ما ينبغي أن نعرفه ونؤمن به أن المواقف الخليجية والرسائل التي يبثها قادة الخليج تجاه النظام القطري هي أحد مؤشرات رغبة هذه الدول في عودة النظام القطري إلى رشده وإلى المنظومة الخليجية، ولكن ما تكشفه تصرفات نظام الحمدين أنه يعمل على تدهور العمل الخليجي والعربي، ولكن إصرار قادة الخليج وتمسك أبنائه بالوحدة الخليجية واستمرارها لن يحقق للحمدين مرادهم وتمنياتهم.
ما جرى من تصرف قطري في قمة الرياض لم يكن تفريطا في محاولة خليجية جديدة وتضييعها ولكنه كان تفسيراً دقيقاً عن ضياع البوصلة السياسية لنظام الحمدين، والشيء الذي ينبغي أن يدركه أبناء الخليج أن ما يهدد قطر والقطريين أكبر من التهديدات على الخليجيين وهذا له رسالته بالغة الوضوح، وعلى عقلاء قطر قراءته جيداً قبل فوات الأوان.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة