التبريد المستدام.. بين ضرورة التكيّف وتحديات التنفيذ
يحتاج العالم اليوم إلى تعزيز أنظمة التبريد المستدامة، لكن التحديات كثيرة!
قبل نحو عامين، وبينما كانت تُقام فعاليات "مؤتمر الأطراف المعني بالتغير المناخي في دورته الثامنة والعشرين" (COP28) في إكسبو دبي بدولة الإمارات العربية المتحدة، وتحديدًا يوم 5 ديسمبر/كانون الأول لعام 2023، خرج "التعهد العالمي للتبريد" (Global Cooling Pledge)، ووقع عليه وقتها ما يزيد على 70 دولة من دول الأطراف.
يهدف التعهد إلى دعم الفئات الأكثر ضعفًا؛ خاصة النساء للحصول على وسائل وأدوات التبريد الفعالة المستدامة التي تساعدهم في التكيف مع ارتفاع درجات الحرارة المستمر وموجات الحر الشديدة، التي تضرب العديد من المناطق الهشة.
يلتزم الموقعون على التعهد العالمي للتبريد بخفض الانبعاثات الدفيئة المرتبطة بأنظمة التبريد في جميع القطاعات (مثل الغذاء والدواء وتكييفات الهواء وغيرهم)، بنسبة 68% على أقل تقدير مقارنة بمستويات عام 2022 بحلول العام 2050. وبذلك رأت الأطراف أنّ دعم أنظمة التبريد من شأنه أن يعزز وسائل التخفيف من آثار التغيرات المناخية، وتحقيق أحد أهداف اتفاق باريس الرئيسية وهي الحد من درجات الحرارة عند 1.5 درجة مئوية، مقارنة بمستويات عصر ما قبل الصناعة. ولقى التعهد ترحيبًا من أطراف كثيرة.
وفي أثناء فعاليات COP29 في باكو بأذربيجان عام 2024، اجتمع الوزراء في أول اجتماع مائدة مستديرة وزارية سنوية للتبريد لتقييم التقدم المحرز في إطار التعهد العالمي للتبريد. واعتمدوا تقرير التقدم السنوي لعام 2024، وأقرّوا استراتيجية التنفيذ لعام 2030.
ما علاقته ببروتوكول مونتريال؟
حسنًا، ربما تعود القصة إلى سبعينيات القرن الماضي، عندما بدأ العلماء يرصدون تآكلًا في طبقة الأوزون التي تحمي الأرض من الأشعة فوق البنفسجية والأشعة الكونية الأخرى الضارة، ووجدوا أنّ المسببات الرئيسية في تلك الظاهرة، هي مركبات الكلوروفلوروكربون (CFCs) المستخدمة في صناعة الثلاجات وتكييفات الهواء وأنظمة التبريد بصفة عامة. ومن هنا ظهرت الحاجة إلى بروتوكول دولي تُشرف عليه الأمم المتحدة، وخرج "بروتوكول مونتريال بشأن المواد المستنفذة لطبقة الأوزون"، والمعروف ببروتوكول مونتريال؛ لتنظيم إنتاج واستهلاك المواد المستنفذة للأوزون (ODS). وفي عام 2018، رُصدت علامات التعافي لثقب الأوزون، ما نشر حالة من التفاؤل بشأن اقتراب تحقيق التعافي التام بحلول منتصف القرن الحادي والعشرين.
في الوقت الذي ترتفع فيه درجات الحرارة العالمية وتتزايد وتيرة موجات الحرارة الشديدة، تزداد حاجة البشر إلى أنظمة التبريد التي تساعدهم على التأقلم والتكيف مع تلك الظروف التي صارت واقعًا لا مفر منه؛ إذ أشارت "المنظمة العالمية للأرصاد الجوية" (WMO) إلى أنّ عام 2024 قد بلغ فيه متوسط درجات الحرارة العالمية 1.55 درجة مئوية أعلى من مستويات عصر ما قبل الصناعة، وهذا يُنذر بالخطر، ويُقلص فرص تحقيق هدف اتفاق باريس.
ومن هذا المنطلق، لدينا حاجة لدعم الناس بأنظمة التبريد، وفي الوقت نفسه، يجب أن تتوافق مع بروتوكول مونتريال للحفاظ على وتيرة تعافي طبقة الأوزون. وهذا ما تدعمه تعهدات التبريد المستدامة، التي تعزز نشر أنظمة التبريد المستدامة الصديقة للبيئة.
ويجدر بالذكر أنّ أندريه كوريا دو لاغو، رئيس COP30، ذكر في كلمته الافتتاحية للمؤتمر إلى نجاح بروتوكول مونتريال في تعافي طبقة الأوزون، متفائلًا بتحقيق تعاون دولي لعلاج أزمة المناخ مثلما حدث مع بروتوكول مونتريال.
في COP30
في يوم 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2025، وفي COP30، صدر تقرير "مراقبة التبريد العالمي 2025" عن "برنامج الأمم المتحدة للبيئة"، والذي أشار إلى أنّ سعة التبريد العالمية قد تزيد بمعدل أعلى 3 مرات بحلول 2050، الأمر الذي قد يُسبب ضغطًا على شبكات الكهرباء؛ فتزداد انبعاثات غازات الدفيئة، لذلك، ازدادت الحاجة إلى اتباع نهج مستدام في التبريد، يمكنه أن يُقلل من الانبعاثات المرتبطة بالتبريد بنسبة تصل إلى 64% بحلول العام 2050، ما يساهم في حماية نحو 3 مليار شخص حول العالم من الارتفاع المستمر في درجات الحرارة، ويُوفر ما قد يصل إلى 43 تريليون دولار أمريكي من تكاليف الكهرباء والبنية التحتية.
وفي نفس اليوم، أعلنت رئاسة COP30 إطلاق مبادرة "حملة تنفيذ التغلّب على الحر" (Beat the Heat Implementation Drive)، وقد أُطلقت بالتعاون بين تحالف التبريد (Cool Coalition) التابع لـ"برنامج الأمم المتحدة للبيئة" (UNEP) ورئاسة COP30، والهدف منها دعم تنفيذ مشاريع التبريد خاصة في المدن لمواجهة موجات الحر الشديدة، لذلك يُطلق عليها في بعض الأحيان "التغلب على الحرارة في المدن" (Beat the Heat in Cities)، وقد انضم للمبادرة نحو 185 مدينة حول العالم.
وقد أُطلقت هذه المبادرة كآلية تنفيذية رئيسية للتعهد العالمي للتبريد الذي أُطلق في COP28. وهنا يجدر بالذكر أنّ رئاسة آخر 3 مؤتمرات للأطراف المعنية بتغير المناخ: COP28 وCOP29 وCOP30، شكلت ما يُعرف بـ"ترويكا"؛ لدعم تنفيذ مخرجات تلك المؤتمرات. وبذلك؛ جاءت مبادرة حملة تنفيذ التغلّب على الحر لدعم تعهد التبريد العالمي.
يقول "كواسي أماني" (Kouassi Amani)، متخصص التمويل والتكيف المناخي في "مركز الزراعة الحراجية العالمي" (World Agroforest Center) لـ"العين الإخبارية" أنّ "مبادرة "التغلب على الحرارة" هي جوهر التكيف. تهدف هذه المبادرة إلى تمكين المجتمعات من التكيف مع تغير المناخ ومنع ارتفاع درجات الحرارة القصوى من خلال الترويج لحلول التبريد المستدامة، والحلول والتخطيط المستمدة من الطبيعة، وتبادل المعرفة".
ضرورة للتكيف؟
في أثناء إطلاق المبادرة، قالت وزيرة البيئة وتغير المناخ البرازيلية، مارينا سيلفا، في كلمتها، إنّ هناك "نحو 20 مليون طفل ومراهق في البرازيل يدرسون في مدارس غير مُجهزة ولا مُكيفة".
من جانبها، أشارت إنجر أندرسن، المديرة التنفيذية لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، إلى أنّ "الحرارة الشديدة قاتلة بالفعل، إذ تُسبب حوالي نصف مليون حالة وفاة سنويًا، وللأسف، من المتوقع أن يزداد الوضع سوءًا"، وأضافت: "يجب التعامل مع توفير خدمات التبريد كبنية تحتية أساسية - تمامًا مثل المياه والطاقة والصرف الصحي؛ لأن التبريد يُنقذ الأرواح ويُحافظ على استمرارية الاقتصادات والمدارس والمستشفيات".
تشمل المبادرة عدة أنشطة لدعم الانتقال إلى التبريد المستدام، من ضمنها: تنفيذ مشاريع التبريد الطبيعية مثل تصميم حضري يوفر مساحات خضراء للتظليل، ما يُقلل من وطأة موجات الحر، واعتماد قوانين للبناء تدعم التبريد المستدام، وإجراء تقييمات لدرجات الحرارة في المناطق الحضرية؛ لتحديد أي المناطق هي الأكثر عرضة للحر الشديد، إضافة إلى دعم القطاعات الحكومية بتكنولوجيا التبريد المستدام الفعالة.
وتواصلت "العين الإخبارية" مع الدكتور ميك سيباندا، خبير الحرارة الشديدة. وشرح ميك تأثيرات الحر الشديد على المجتمعات، قائلًا: "يمكن أن يكون للحر الشديد آثار مُدمّرة على المجتمعات، لا سيما في المناطق ذات البنية التحتية والموارد المحدودة. يُمكن أن يُؤدي التعرض المُطوّل لدرجات الحرارة المرتفعة إلى الإنهاك الحراري، وضربة الشمس، وحتى الوفاة. ويتأثر كبار السن والأطفال والأشخاص الذين يعانون من حالات طبية سابقة بشكل غير مُتناسب. علاوة على ذلك، يمكن للحرارة الشديدة أن تُفاقم المشاكل الصحية القائمة، مثل أمراض القلب والأوعية الدموية، وتؤثر على الإنتاجية الزراعية، وجودة المياه، والاستقرار الاقتصادي العام".
وعلق برأيه حول دور مبادرة "حملة تنفيذ التغلّب على الحر" ودورها في دعم المجتمعات للتكيف، قائلًا: "تُعد مبادرة "حملة تنفيذ التغلّب على الحر" أساسية في مساعدة المجتمعات على التكيف مع الآثار الصحية لتغير المناخ. فالحر الشديد قد يؤدي إلى أمراض مرتبطة بالحر، ويفاقم المشاكل الصحية القائمة، بل قد يؤدي إلى وفيات".
ويتابع: "تُفيد هذه المبادرة صحة المجتمع من خلال: رفع مستوى الوعي بالمخاطر المرتبطة بالحر الشديد وتعزيز التدابير الوقائية، وتوفير أماكن مُبرّدة، وإمدادات الترطيب، وخدمات الرعاية الصحية خلال موجات الحر، ودعم الفئات السكانية المُعرّضة للخطر، مثل كبار السن والأطفال والأشخاص الذين يعانون من حالات طبية سابقة".
لكن التحديات؟
بالطبع، لا يخلو الأمر من التحديات؛ إذ يقول هشام عيسى، المنسق المصري السابق لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (UNFCCC)، في تصريحات خاصة لـ"العين الإخبارية": "إنّ هناك العديد من المبادرات التي انطلقت في هذا الصدد من قبل، لكن التحدي الأكبر يكمن في التنفيذ الذي يحتاج إلى إرادة في توفير التمويل اللازم لتنفيذ تلك المبادرات".
ويتفق الدكتور ميك سيباندا؛ إذ يرى أنّ "محدودية الموارد والتمويل اللازمين لدعم التنفيذ على نطاق واسع" على رأس التحديات، ويُضيف بعض التحديات الأخرى منها وهي "الوصول إلى الفئات السكانية المُعرّضة للخطر والتفاعل معها، والتي قد لا تتمكن من الوصول إلى المعلومات أو الموارد"، بالإضافة إلى "التكيف مع تزايد وتيرة وشدة موجات الحر بسبب تغير المناخ".