قبل 10 سنوات كانت لدى مملكة السويد حكومة من يمين الوسط تقول لسكان البلاد: «افتحوا قلوبكم للاجئين».
وللمفارقة لدى السويد الآن حكومة مشكلة من عدة أحزاب يمينية بدعم من حزب «ديمقراطيو السويد (SD)» (أقصى اليمين) المتهم بالعنصرية، تقول للعالم: «سندفع قرابة 34 ألف دولار لكل لاجئ يغادر السويد طوعاً نحو بلاده أو بلد آخر».
ولفهم ما يجري من خطوات متسارعة في البلد الإسكندنافي الأوربي الشهير بلقب (جنة اللاجئين) في السابق، لابد من توضيح دوافع ذلك و شرحها للقارئ الكريم، بعيداً عن الشائعات والمعلومات المغلوطة التي تضج بها منصات الإعلام الاجتماعي أحياناً.
أولاً: «بالفعل هناك مقترح حكومي سويدي يدعمه حزب ديمقراطيو السويد (SD) حول زيادة المبلغ المالي الممنوح الآن لأي لاجئ يود ترك السويد، وهو مبلغ زهيد بالمفهوم العام، يعتزم ساسة السويد لتجاوزه حتى يصل لأكثر من ربع مليون كرونا سويدية (عملة البلاد)، لكن في طور الإقرار والإصرار من قبل الأحزاب الحاكمة والمعارضة، هناك الكثير من التفاصيل المهمة.
ثانياً: "تحول هذا المقترح إلى مادة سياسية وقانونية متداولة بشدة، بعد أن تم الحديث عن اتساع رقعة هذه الشريحة المستهدفة من هكذا توجه حكومي لتشمل حتى حاملي الجنسية السويدية، وهو أمر تترتب عليه العديد من الإجراءات الخيالية، بما فيها تخلي الموافق على تسلم المبلغ عن الجنسية السويدية التي يمنع القانون سحبها من أي مواطن، مهما كان السبب.
ثالثاً: مع وجود معارضة واسعة لهذا المقترح الغريب، تفتخر حكومة التجمع المعتدل (حزب المودرات) بزعامة رئيس الحكومة السويدية الحالية أولف كريسترشون بتقليل أعداد طالبي اللجوء في البلاد، وتشديد قوانين الهجرة، وتشريع قوانين جديدة تحول دون الحصول على الجنسية السويدية بسهولة كما هو معروف الآن.
رابعاً: مسائل من قبيل الاندماج في المجتمع ودعم سوق العمل السويدي بنسب كبيرة من اللاجئين الحاملين لشهادات عليا، تجعل الأمر معقداً، في بلد تنخفض فيه معدلات الإنجاب، ويسهم المهاجرون فيه بشكل أو بآخر برفد اقتصاد السويد بكثير من الوظائف المتوفرة والفاعلة، بغية جعل هذه الدولة الصناعية الأوروبية المهمة، في مكانتها الطبيعية التي تتمتع بها منذ عقود.
خامساً: لا يمكن بطبيعة الحال تمرير هكذا مقترح حكومي بسهولة، لاسيما وأن استطلاعات الرأي المعتمدة في السويد، تجعل من ذلك أضحوكة ومادة إعلامية للتندر أحياناً، وهذا أمر يلقي بظلاله على أجواء الانتخابات البرلمانية المقبلة، والتي من المفترض أن تفرز مفاجآت كبيرة، ربما تطيح بتحالف الأحزاب السياسية الحاكمة، إلى جانب حزب ديمقراطيو السويد الداعم ، لاسيما وأن محدودية الأصوات المشكلة للحكومة في البرلمان الحالي جاءت بفارق صوتين وأقل ربما.
سادساً: المعروف عن السويد على مدى سنوات طويلة مضت أنها دولة أوروبية هادئة تمتلك قدراً كبيراً من التسامح والمساواة واستقبال اللاجئين وعدم إغلاق الأبواب في وجوههم، ولاشك أن ارتفاع معدلات الجريمة وانتشار بعض العصابات المتاجرة بالمخدرات وغيرها، مسائل مهمة تقض مضاجع الجميع، لكن معالجتها بحسب مراقبين منصفين لا تكون بصب زيت العنصرية على نار التقلبات المجتمعية.
أخيراً.. قد يكون اليمين في السويد وغيرها من الدول الأوروبية في حالة صعود متزايد، وهذا أمر ملحوظ في ألمانيا وفرنسا وغيرها، بعيد الانتخابات والتجاذبات الأخيرة، لكن لا يمكن بالضرورة صيرورة القوانين نحو توجهات معينة تسقط البلاد في أتون صراعات حزبية لا تبشر بخير، بل تنذر بمزيد من المشكلات التي لا يمكن حلها، والأيام حبلى بالمفاجآت كما يقولون.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة