تسير العلاقات بين المملكة العربية السعودية وجمهورية الصين الشعبية بوتيرة متسارعة ومتطورة نحو مزيد من التعاون والتفاهم المشترك في مختلف المجالات، بما يعود بالنفع على البلدين والشعبين الصديقين.
وتمتد جذور هذه العلاقات لأكثر من 75 عامًا، بدأت بشكل علاقات تجارية بسيطة واستقبال الحجاج الصينيين، وصولًا إلى إقامة علاقات دبلوماسية كاملة عام 1990، وتبادل السفراء وتنظيم الاجتماعات على المستويات السياسية والاقتصادية والشبابية وغيرها.
وفقًا لمصادر تاريخية صينية، عُقد أول لقاء رسمي بين مسؤولين رفيعي المستوى من البلدين في أبريل/نيسان عام 1955 خلال مؤتمر دول عدم الانحياز في باندونغ. جمع اللقاء ولي العهد السعودي آنذاك، الأمير فيصل بن عبدالعزيز (الملك لاحقًا)، ورئيس مجلس الدولة الصيني شو إين لاي، بطلب من الأخير. أسهم هذا اللقاء في فتح الباب أمام الصين للتفاعل مع دول الشرق الأوسط.
شهدت العلاقات السعودية الصينية تميزًا كبيرًا انعكس إيجابًا على تعزيز التعاون بين البلدين، واتسمت بالتماشي مع التطورات العالمية، سواء من حيث تنفيذ بنود الاتفاقيات القائمة أو تطويرها لتوائم متغيرات العصر.
زار خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه الله- الصين مرتين؛ الأولى عام 1999 عندما كان أميرًا لمنطقة الرياض، والثانية عام 2014 عندما كان وليًا للعهد. أُجري له حفل استقبال كبير في قاعة الشعب الكبرى في بكين.
وأكد الملك سلمان خلال زيارته عام 2014 أن هدف الزيارة هو توثيق أواصر التعاون وتعميق الحوار وتنمية العلاقات الثنائية في المجالات السياسية والاقتصادية والتجارية والصناعية والثقافية والاستثمار والطاقة والتعاون الأمني. وقال: "إن من شأن ترسيخ هذه العلاقة الاستراتيجية بين بلدينا على هذه المبادئ الخيرة أن يسهم على نحو كبير في معالجة المشاكل والاضطرابات الإقليمية والدولية".
وخلال الزيارة، تم توقيع عدد من مذكرات التفاهم في مجالات الاستثمار والتعاون في علوم وتقنية الفضاء، وبرنامج التعاون الفني في المجال التجاري، ومذكرة تفاهم بشأن إسهام الصندوق السعودي للتنمية في تمويل مشروع إنشاء مبانٍ جامعية في إقليم شانشي.
في يناير/كانون الثاني 2016، زار الرئيس شي جين بينغ رئيس جمهورية الصين الشعبية المملكة العربية السعودية، وعقد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز جلسة مباحثات معه في قصر اليمامة بالرياض. وأكد الملك سلمان أن علاقات الصداقة بين المملكة والصين شهدت نموًا مطردًا على مدى أكثر من 25 عامًا، وأن البلدين يسعيان معًا للاستقرار وتعزيز السلم والأمن في العالم.
وأكد الرئيس الصيني على تعزيز الشراكة بين البلدين ومواصلة تطوير علاقات الصداقة المشتركة مع المملكة، مشيدًا بالإجراءات التي اتخذها الملك سلمان لتحفيز التنمية في المملكة منذ توليه مقاليد الحكم. وتم خلال الزيارة توقيع 14 اتفاقية ومذكرة تفاهم بين حكومتي البلدين، منها مذكرة تعزيز التعاون المشترك بشأن الحزام الاقتصادي لطريق الحرير ومبادرة طريق الحرير البحري للقرن الحادي والعشرين والتعاون في الطاقة الإنتاجية، وقعها من الجانب السعودي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد رئيس مجلس الوزراء.
في عام 2024، استقبل الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، لي تشيانغ رئيس مجلس الدولة بجمهورية الصين الشعبية في الديوان الملكي بالرياض. عُقدت جلسة مباحثات رسمية تم خلالها بحث أوجه التعاون المشترك بين البلدين، خاصة في مجالات التنسيق السياسي والأمني والفرص التجارية ومجالات الطاقة والاستثمار والثقافة والتقنية، بالإضافة إلى المستجدات الإقليمية والدولية.
عقب ذلك، ترأس ولي العهد ورئيس مجلس الدولة الصيني اجتماع الدورة الرابعة للجنة السعودية الصينية المشتركة رفيعة المستوى. تم خلال الاجتماع توقيع محضر أعمال الدورة الرابعة للجنة، مما يعكس التزام البلدين بتعزيز التعاون في جميع المجالات بما فيها السياسية والأمنية والعسكرية والاقتصادية والثقافية والسياحية.
صدر بيان في ختام اجتماع الدورة الرابعة للجنة السعودية الصينية المشتركة، أكد فيه الجانبان على مستوى العلاقات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية المتميزة بين البلدين. وتُعد المملكة الشريك التجاري الأول للصين في منطقة الشرق الأوسط، والصين الشريك التجاري الأول للمملكة. بلغ حجم التبادل التجاري حتى يونيو/حزيران 2024 نحو 48 مليار دولار، بلغت منها صادرات المملكة إلى الصين 24 مليار دولار، وصادرات الصين إلى المملكة 24 مليار دولار.
حقيقة، هذه العلاقات ستؤتي ثمارها على منطقة الشرق الأوسط، حيث انعكست إيجابًا على تعزيز التعاون بين البلدين، وتتماشى مع التطورات العالمية من حيث تنفيذ بنود الاتفاقيات القائمة أو تطويرها لتوائم متغيرات العصر.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة