بعد اندحار النظام الفاشي وسقوط العنصرية النازية، ولدت هيئة الأمم المتحدة لتنظيم علاقات المجتمع الدولي وإنهاء الحروب الدامية.
بعد اندحار النظام الفاشي وسقوط العنصرية النازية، ولدت هيئة الأمم المتحدة لتنظيم علاقات المجتمع الدولي وإنهاء الحروب الدامية، وقد انضمت الدول الفتية المتحررة من الاستعمار إلى المنظمة الدولية وازداد عدد أعضاء الهيئة كثيراً نتيجة لتحرر دول فتية في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية. ورفضت الدول المنضمة إلى هيئة الأمم الاسترشاد في سياساتها الخارجية بتعليمات الولايات المتحدة، ولم تقبل بما تمليه عليها الإدارة الأمريكية، وظلت هذه الدول المتحررة تدعم مواقفها بقوة وتدافع عن قراراتها التي تخدم الأمن والسلام الدوليين.
إن الولايات المتحدة لا تمتلك أي حق بالبت بمصير الجولان السوري أو أي أرض سورية أخرى، ولا البت بمستقبل الشعب السوري. وترامب ليس مخولاً ولا صاحب صلاحية تؤهله لأن يصدر مثل هذا القرار الذي يشكل تهديداً وعدواناً سافراً على الحقوق العربية، وما عمد إليه يدمر القانون الدولي
وفي هذا السياق، يعكس القرار الأمريكي الذي اتخذه ترامب بخصوص الجولان السوري أعلى درجات الازدراء للشرعية الدولية وصفعة مهينة للمجتمع الدولي، حيث طغى على مكانة هيئة الأمم المتحدة ومصداقيتها من خلال انتهاكه السافر لقرارات المنظمة الدولية وبخاصة القرار 497 لعام 1981 التي أيدت بموجبه الوضع القانوني للجولان ورفضت قرار الضم لكيان الاحتلال الإسرائيلي واعتبرته باطلاً ولا أثر له قانونياً.
ويأتي التوقيع على وثيقة الاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان عشية المؤتمر السنوي لمنظمة إيباك أو ما يسمى لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية أو ما يعرف باللوبي الصهيوني صاحب النفوذ الكبير في الولايات المتحدة. وقد وجهت الدعوة لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لحضوره وأن يكون في حفل توقيع ترامب على اعترافه المشين بضم الجولان إلى كيانه، وبهذه المناسبة فإن ترامب يحتاج لدعم هذا اللوبي للتغلب على محاولات عزله داخلياً ولضمان فوزه بولاية رئاسية ثانية عام 2020، مقابل خدمة نتنياهو في مواجهة اتهامات الفساد الموجهة له من القضاء.
وما أقدم عليه ترامب من شأنه أن يشعل الشرق الأوسط من جديد باتخاذه هذا القرار المخالف للقانون الدولي. فبعد خمسة عشر شهراً على قرار الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل فهو يسلم بنفس الطريقة واحدة من أغلى أمنيات نتنياهو له على طبق من ذهب، وموقفه الجديد يُفرغ عملية السلام أصلاً من أية مفاوضات ذات مضمون، لأنه لا معنى لمفاوضات بدون الجولان، كما أنه لا أهمية لأية مفاوضات بدون القدس. ولذا فإنه يدمر فرص السلام ويتصرف بتطرف وكأنه زعيم عصابة يأخذ ما يريد ليعطيه حلفاءه دون اهتمام بالقانون الدولي، ويتخذ قراره بغوغائية دون أن يعلم ما يخبئه المستقبل حيال اعترافه السافر الذي أوضح أنه لم يفعلها أي رئيس قبله. وكأنه يؤسس لمعايير جديدة، وفعل شيئاً مناسباً أو أنه قدم رأياً سديداً لهذا الشرق، كل هذا في الوقت الذي يقدم حجة أمن إسرائيل قبل كل شيء لتبرير الاستخفاف بالحدود الدولية المرسومة منذ العام 1923 وقبل قيام الكيان الصهيوني.
في الساعات الأولى من حرب تشرين عام 1973م كان التقدم السوري صدمة للجيش الإسرائيلي ما دفع بقادته إلى التفكير بشأن استخدام أسلحة إسرائيل النووية بغية الحد مما اعتبرته تل أبيب تهديداً لوجودها، وفي نهاية الحرب حرر الجيش السوري مدينة القنيطرة ودحر إسرائيل، لكنها بقيت تستولي على أجزاء من الجولان. حينها أكدت الأمم المتحدة بقرار صادر عن مجلس الأمن رقم 338 عدم مشروعية الاستيلاء على الأرض بالقوة. وعملاً بهذا القرار طرح وزير الخارجية الأمريكي آنذاك هنري كيسنجر فكرة إبرام اتفاقية فصل القوات التي بقيت محافظة على السلام الهش طيلة أربعة عقود. وبذلك فإن الاتفاقية التي أبرمت عام 1974 أوقفت إطلاق النار بين الجانبين وأفضت إلى إنشاء منطقة آمنة بإشراف الأمم المتحدة وما زالت قوات الأندوف تدير مراكز للمراقبة على طول الحدود.
وبالأساس، فإن الولايات المتحدة لا تمتلك أي حق بالبت بمصير الجولان السوري أو أي أرض سورية أخرى، ولا البت بمستقبل الشعب السوري. وترامب ليس مخولاً ولا صاحب صلاحية تؤهله لأن يصدر مثل هذا القرار الذي يشكل تهديداً وعدواناً سافراً على الحقوق العربية، وما عمد إليه يدمر القانون الدولي الذي يحمي سكان الجولان ويفتح كثيراً من الثغرات في جدار الشرعية الدولية بتجاوزه كل القرارات المتعلقة بالجولان، بل يشجع دولاً أخرى محتلة على تصعيد ضم الأراضي وإنشاء المستوطنات ونهب الموارد.
حتى أردوغان في هذا الموقف أيضاً أكثرَ من هذيان تصريحاته باعتراف واشنطن بالسيادة الإسرائيلية على الجولان، ملمحاً إلى ما يشبه ذلك الاعتراف في لواء إسكندرون السليب وبعض الأجزاء في الشمال السوري لتظل تحت هيمنته وسيطرته لكن أوهامه، إلى جانب تصريحات ترامب من قرارات بائدة، ستظل حبراً على ورق، على اعتبار أن الاستيلاء على أراضي الغير هو أمر مرفوض، ولن يكتب له البقاء مهما طال الزمن.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة