على ما يبدو انتهى ملف الجنوب السوري بما لا يتناسب وطموح المعارضة المعتدلة التي كانت تسيطر على هذه المنطقة.
انتهى على ما يبدو ملف الجنوب السوري بما لا يتناسب وطموح المعارضة المعتدلة التي كانت تسيطر على هذه المنطقة، عقب سيطرة القوات الحكومية على معظم قرى ومدن درعا ذات الرمزية بالنسبة لـ"الثورة السورية" ضد النظام، لذلك باتت الأصوات المؤيدة لها تطلق شعارات أن ما سموه الفتنة انطلقت من درعا وستنتهي فيها.
واقع الحال يقول بأنه لا يمكن التسليم بأن النظام انتصر في الجنوب، وأنه قادر على استثمار ذلك بمواصلة الزحف عسكريا إلى إدلب والرقة، ليكمل بسط سيطرته على معظم مناطق البلاد من دون الدعم الروسي.
في الواقع ثمة كثير من الأمور تبقى غامضة تحتاج إلى الإيضاح، ومنها عدم تحرك واشنطن باتجاه الجنوب الذي بقي تحت وصايتها إلى ما قبل الحملة العسكرية عليه، حين بعثت واشنطن رسالة إلى الفصائل المعارضة، تدعوها فيها إلى تقرير مصيرها بنفسها، وبما يحفظ حقها من دون الاعتماد على الولايات المتحدة التي قالتها علانية إنها لن تتدخل عسكريا ولن تفكر بذلك.
ما الذي غيّر الموقف الأمريكي إلى هذا الحد من التراجع؟!
الموقف الأمريكي من الجنوب هو الحقيقة التي لا تريد الأطراف السورية المعارضة سماعها، فإدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، ورغم عدم تقديمها ما يلزم من الدعم لهذه الفصائل كانت صاحبة مواقف شبه ثابتة لا تقارن مع موقف الإدارة الجديدة برئاسة دونالد ترامب، الذي وضع نصب عينيه ملف الإرهاب، ويعتقد في قرارة نفسه أن جميع الفصائل السورية المعارضة تنحدر من عقلية أيديولوجية متطرفة، وهذا لا يعني بالضرورة محبته للنظام الحاكم، على العكس تماما، فهو وجه له ضربتين عسكريتين وصفتا بالمسح على الزجاج دون كسره.
كذلك التقدمات العسكرية الكبيرة على مساحة سوريا للقوات النظامية، وسيطرتها على كثير من المدن التي كانت بحوزة المعارضة فرضت واقعا جديدا لا يمكن لإدارة ترامب تجاهله، فهم الآن أمام حركة عسكرية لجيش، وإن كان مدعوما بمليشيات لبنانية وعراقية، إلا أنه تمكن من إعادة ما تبقى من هيبة الدولة لكثير من المحافظات السورية، وهذا ما تريده الولايات المتحدة بعدم سيطرة المتطرفين على الدولة السورية مع ضمان تقليم أظافر المليشيات الطائفية المتطرفة كذلك والمساندة للقوات الحكومية عبر موسكو الداعم الرئيسي لدمشق.
هذه حقيقة الموقف الأمريكي الذي ما عاد يولي أهمية كبيرة للملف السوري، مع احتفاظه ببقعة قد تكون أكثر أهمية من الجنوب، وهي المنطقة الشرقية الغنية بالنفط، مع ضمان أمن إسرائيل من قِبل الروس، لذلك ما عادت المنطقة تحتل أهمية كبرى له.
كذلك يجب عدم تغافل الموقف الأردني الذي ما عاد يرحب كثيرا بوجود عناصر متناحرة على حدوده، وبات ينظر إلى معبر نصيب الحدودي، للاستفادة من هذه البوابة كمنفذ اقتصادي قد يسهم إلى حد ما في تحريك عجلة الاستيراد والتصدير من سوريا ولبنان، ووصول منتجات هذين البلدين إلى السوق الخليجية، وهذا حتما سيكون له عائد اقتصادي على الأردن الذي يمر بظروف معيشية صعبة.
يُضاف إلى ذلك قدرة الجانب السوري الحكومي على ضبط حركة الدخول، ومراقبة الحدود بشكل أفضل، وهذا ما تبحث عنه الحكومة الأردنية التي يهمها أمن واستقرار الأردن، وتقديم ذلك على كل اعتبار.
مع كل ما تقدم يبقى السؤال؛ هل سيقرر الحسم العسكري في الجنوب مصير سوريا برمتها أم سيضع روزنامة الحل السياسي في إطارها الدولي الراعي لها المتمثل بالولايات المتحدة وروسيا؟
واقع الحال يقول بأنه لا يمكن التسليم بأن النظام انتصر في الجنوب، وأنه قادر على استثمار ذلك بمواصلة الزحف عسكريا إلى إدلب والرقة، ليكمل بسط سيطرته على معظم مناطق البلاد من دون الدعم الروسي، الرئيسي والمهم في هذا الشأن، ولذلك سيكون لزعيم الكرملين فلاديمير بوتين كلام كبير في تقرير شكل الحل، وستضطر دمشق إلى الاستجابة للحليف الروسي، والقبول بما يقدمه للمجتمع الدولي في هذا الشأن وعلى رأسه واشنطن.
بالطبع لن يكون الحل الروسي على مقاس النظام السوري، ولكنه لن يمس بجوهره، ولن يتخطى إعطاء المعارضة حصة هنا وأخرى هناك، مع التسليم بدور الولايات المتحدة في الشرق السوري، وإعطاء ملف الإعمار للدول الأوروبية المهتمة بهذا، للمساهمة بتخليصها من عبء اللجوء الذي أثقل كاهلها، ليبقى الغطاء العربي، الذي قد يرضى مبدئيا بطرد إيران من سوريا، والحفاظ على الدولة السورية موحدة، بعيدة عن التدخلات التركية الإيرانية معا، وهذا ما تنشط بعض العواصم العربية لترسيخه.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة