طارق اليمني.. ملحمة انتصار على التوحد رغم ظروف الحرب
خطا الطفل اليمني طارق ياسر شيخ، من مدينة عدن، خطواته الأولى في الحياة كأي طفلٍ عادي، قبل أن تكتشف عائلته معاناته من "اضطراب التوحد".
غير أن هذه المفاجأة المكتشفة في وقت مبكر من عمر طارق، لم تحل دون أن يشق طريقه نحو العبقرية والتميز، في سنٍ مبكر أيضًا.
وكواحد من المتميزين في عالم "طيف التوحد" فرض طارق عبقريته على كل من حوله، بمعاونةٍ ومساندة أقرب الناس إليه، والدته.
لم يظهر أي اختلاف في حياة طارق، المولود عام 2003، إلا بعد أن بلغ عامًا ونصف العام من عمره، وحتى سن الثالثة؛ عندها بدأت سلوكيات فرط الحركة الشديدة وغيرها من علامات "التوحد" تظهر عليه.
تقول والدة طارق لـ"العين الإخبارية": "كان طفلاً عاديًا حتى ذلك العمر، حينها كنا نلحظ عليه الحركة الشديدة، والوقوع في الأخطاء، وتكرارها دون التعلم منها".
وتؤكد: "لاحظنا اختلافات كثيرة، مثل أنه كان يمسك الأشياء الساخنة أكثر من مرة، ويحترق بها، دون أن يكترث".
مثل هذه السلوكيات، دفعت والدة طارق إلى اللجوء للأطباء، لأنه حينها لم يكن مرض التوحد عُرف في عدن كثيرًا، كان معظم الأطباء يشخصون حالة طارق بـ(شقاوة أطفال)".
إلا أن أم طارق، لم تكن تُسلّم بهذه التشخيصات، لأنها ببساطة تدرك طبيعة اختلاف سلوكيات ولدها، مقارنةً بسلوكيات الأطفال الآخرين، وحتى مقارنةً مع تصرفات إخوانه.
"ألحقته بمدارس ذوي الاحتياجات الخاصة، التابعة لإحدى الجمعيات المختصة بهذه الفئات، وتقبلوا طارق وشرحوا لنا طبيعة مرضه، وأكدوا أن حالته يطلق عليها التوحد"، تقول أم طارق، مضيفة: "لم أكن أعلم طبيعة هذا المرض.. لكن بحثت وسألت وقرأت وبدأت اشتغل على ابني".
عبقرية مبكرة
كان طارق يدرس في مدارس جمعيات ذوي الهمم مع أطفال يعانون من متلازمة داون والشلل الدماغي، وكان هو الوحيد الذي يعاني من التوحد، وكان كبيرًا في السن، وهذا تسبب في عدم تكيفه مع هذا الوضع، فاضطرت والدته لإلحاقه بمدرسة خاصة.
وتشير أم طارق أن ابنها "درس المراحل الأولى في المدارس الخاصة، وكان متفوقًا ولماحًا"، ربما بحكم الخدمات النوعية التي تقدمها تلك المدارس.
وتتابع: "تعلم القراءة وهو في سن الرابعة، من خلال حفظ الكلمات، لم يكن يقرأ الأحرف ولكن يحفظ الكلمات، وكلما يحفظ كلمة كان يربطها بجمل وعبارات، وكان يعشق قراءة اللافتات في الشوارع".
ولم تقف هذه العبقرية المبكرة عند الكلمات العربية، بل تجاوزتها لتشمل اللغة الإنجليزية.
تقول والدة طارق: "كان من هواة الألعاب الإلكترونية، ومتفوقا فيها، ومنها تعلم الإنجليزية، فكان يقرأ الكلمات التي تظهر في الألعاب الإلكترونية ويفهمها ويتحدث بها حتى مع الآخرين".
"ومن هنا، وفي سن مبكرة، أحب طارق الإنجليزية، لأنه رآها سهلةً وكتابتها بحروف متفرقة أسهل بالنسبة له، على العكس من اللغة العربية"، تؤكد والدته.
تعليم الذات
اللغة لم تكن الوحيدة التي برع فيها طارق، فقد تفوق أيضاً في عالم التعامل مع أجهزة الكمبيوتر بسهولة، حيث أظهر اهتماماً مبكرًا بجوانب البرمجة والصيانة الإلكترونية، وغيرها وطوّر نفسه بنفسه.
وتشير والدته إلى أن طارق علّم ذاته، وتعلم اللغة الإنجليزية، ويستطيع أن يفرق بين الإنجليزية الرسمية ولهجة العامية الأمريكية.
تقول: "عند مشاهدتنا لبرامج أجنبية على التلفاز، تعرض نصوص بالانجليزية، فيقوم طارق على الفور بترجمتها بشكل صحيح".
وهو يحتاج الآن إلى دعم ومساندة لتنمية مهارة البرمجة الإلكترونية لديه، وإرشاد وتوضيح بعض الأشياء على شبكة الإنترنت، وهو ما تسعى والدته إلى تلافيه.
طارق.. الشخص الآخر
تكشف والدة طارق لـ "العين الإخبارية" أنها أخذت على عاتقها تعليمه التعبير عن نفسه والبوح عن مشاعره، وما يحب وما يكره.
لافتةً إلى أنها درست علم النفس حتى يتسنى لها التعامل مع طارق، وتغيير سلوكياته إلى الأفضل، وهو ما تم بالفعل.
وتضيف: "طارق الآن أقرب للشخص الطبيعي.. له مهام في البيت يقوم بتنفيذها من حاجيات وغيرها، ونشجعه على الخروج إلى الشارع والقيام بمسؤوليات معينة للاعتماد على نفسه".
كما تكشف أن ابنها طارق هو الآن عضوا عن فئة التوحد في شبكة مناصرة ذوي الهمم، ويعتبر أصغر عضو ممثل لفئات ذوي الهمم في الشبكة المدعومة حكومياً.
وتستدرك قائلةً: "تغيرت أشياء كثيرة في سلوكيات طارق، لكن تبقى جزئية التعامل الاجتماعي مع الآخرين، والذي لا يتناسب مع نفس التفاعل لمن هو في سنه".
ما حققه طارق، بفضل عائلته، والدته تحديدًا، لم يمر بطريق مفروش بالورود، بل إن هناك العديد من الصعوبات التي واجهها، لعل أبرزها حالة الحرب وعدم الاستقرار التي تعاني منها البلاد.
غير أن هناك صعوبات ذكرتها والدته، لا يعاني منها طارق وحده فقط، ولكن كل فئة التوحد في اليمن، والتي تحتاج إلى جهود حكومية جادة.
ومن تلك الصعوبات عدم وجود معاهد لذوي الاحتياجات الخاصة في مدينة عدن لتنمية مهاراتهم وتعليمهم، ومراعاة خصوصيتهم.
وهو ما دعت والدة طارق لتوفيره، حتى تنعم هذه الفئة بالانتصار على الظروف التي تواجهها، وتشق طريقها نحو العبقرية والنجاح.