قرار طالبان بعدم المشاركة في الاجتماع المزمع لدول جنوب آسيا وممثليها لشؤون أفغانستان في إيران، بالإضافة إلى انعكاسات الاجتماعات الأخيرة للأمم المتحدة حول أفغانستان، يمثل مؤشرًا مهمًا على السياسة الخارجية والاقتصادية الأفغانية الحالية.
هذا القرار، رغم أنه قد يُفسر من الخارج كخطوة متشددة أو غير دبلوماسية، إلا أنه يحمل دلالات استراتيجية عميقة تعكس قراءة طالبان للوضع الإقليمي والدولي.
قراءة الموقف الحالي
1. حذر استراتيجي
عدم اطلاع كابول على الأجندة الرسمية للاجتماع جعل من المشاركة محفوفة بالمخاطر. فالانخراط في اجتماع دون وضوح الأهداف قد يؤدي إلى استغلال سياسي أو فرض شروط غير عادلة على أفغانستان.
2. الشكوك تجاه باكستان وإيران
تصريحات بعض المسؤولين الإقليميين، مثل رئيس الوزراء الباكستاني في كازاخستان، التي وصفت أفغانستان بالتهديد، رغم دعم باكستان لتنظيمات مسلحة متطرفة كثيرة وما اتهمت بها موخرا مثل داعش في عقر دارها، عززت قناعة طالبان بعدم وجود نوايا صادقة من بعض الدول المجاورة.
3. اجتماعات الأمم المتحدة وانقسام المجتمع الدولي
كشف الاجتماع الأخير للأمم المتحدة عن انقسام المجمع الدولي حيال أفغانستان، حيث لم تتجاوز التصريحات مرحلة الكلام إلى أفعال ملموسة تخفف من معاناة الشعب الأفغاني. المساعدات الإنسانية لا تزال مستغلة سياسيًا، ما يزيد من الأزمة الاقتصادية والاجتماعية في البلاد.
4. سياسة طالبان الاقتصادية المستقلة والمتوازنة ورسالة للعالم الخليجي أنها مستعدة لشراكات اقتصادية
أعلنت كابول أن سياستها تعتمد على التوازن الاقتصادي والاستقلالية المبنية على المصالح الوطنية الأفغانية، دون أن تكون طرفًا في صراعات إقليمية أو دولية.
• هذه السياسة ترسل رسالة واضحة للعالم الخليجي والدول المجاورة: أفغانستان لن تكون طرفًا في أي صراع إقليمي أو دولي، وأن التعاون مع كابول سيكون مبنيًا على المصالح الاقتصادية والتنموية المشتركة فقط
• الأولوية الحالية لطالبان هي التنمية الداخلية والاستقرار الاقتصادي، وليس الانخراط في أزمات أو صراعات خارجية
• يعكس هذا الموقف نضجًا سياسيًا محدودًا ولكنه عملي، إذ يوازن بين حماية مصالح الدولة والالتزامات الإقليمية.
• يشير إلى تحديات كبيرة أمام طالبان في بناء علاقات ثقة مع جيرانها، خصوصًا باكستان وإيران، حيث لا تزال هناك خلافات تاريخية واستراتيجيات متناقضة بشأن التنظيمات المسلحة.
• بالنسبة للغرب والدول الخليجية، هذه الخطوة تؤكد قدرة طالبان على صياغة أولوياتها الوطنية وفق مصالحها الاقتصادية والسياسية، مع التأكيد على الحياد وعدم الانخراط في الصراعات الإقليمية اوتهيد مصالح الغربية .
سيناريوهات مستقبلية محتملة
1. سيناريو الهدوء النسبي
• طالبان تواصل التركيز على الاقتصاد الداخلي والمساعدات الإنسانية، مع تواصل محدود مع دول الجوار عبر وسطاء.
• يقلل هذا السيناريو من التوتر الإقليمي مؤقتًا، لكنه لا يحل النزاعات العميقة مع الجيران لابد من الوصول لحلول مرضية لكافة الأطراف
2. سيناريو التوتر المتصاعد
• استمرار الخلافات حول التنظيمات المسلحة والتهديدات الإقليمية قد يؤدي إلى تصعيد دبلوماسي أو أمني محدود على طول الحدود.
• قد يزيد هذا السيناريو من عزلة كابول المؤقتة ويضغط على طالبان لتقديم تنازلات في المستقبل وهذا ما تريده الجيران ولكن من الصعوبة تحقيقها حسب قراءة سيكولوجية أفغانية
3. سيناريو إعادة الانخراط المشروط
• طالبان قد تقرر الانخراط في اجتماعات مستقبلية شريطة وضوح الأجندة وضمان مصالح أفغانستان.
• يعزز هذا السيناريو قدرة كابول على التفاوض بذكاء ودون التنازل عن سيادتها، مع بناء صورة إيجابية للغرب والمجتمع الدولي.
4. سيناريو طويل الأمد: التحول الاقتصادي محور العلاقات
• إذا ركزت طالبان على بناء استقرار اقتصادي داخلي قوي، فإن العلاقات مع الجيران قد تتجه نحو التعاون التجاري والاقتصادي بدل الملفات الأمنية.
• هذا يعزز استقلالية أفغانستان نسبيًا ويقلل من النفوذ الإقليمي المباشر على سياساتها الداخلية.
خلاصة واستنتاج
عدم مشاركة طالبان في اجتماع طهران والاجتماعات الدولية لم يكن مجرد موقف متصلب، بل خطوة مدروسة لحماية مصالح الدولة وتوجيه رسالة واضحة إلى المجتمع الدولي والجوار الإقليمي.
سياستها الاقتصادية المستقلة والمتوازنة تعكس التركيز على الأولويات الوطنية وتأكيد أن أفغانستان ليست طرفًا في صراعات إقليمية أو دولية. كما أنها ترسل رسالة مباشرة للعالم الخليجي بأن التعاون سيكون اقتصاديًا وتنمويًا فقط، مع الحفاظ على الحياد السياسي. السيناريوهات المستقبلية تعتمد بشكل كبير على وضوح الأجندات الإقليمية، قدرة طالبان على التفاوض، وأولوياتها الاقتصادية الداخلية، والتي قد تمنح كابل مساحة استراتيجية أكبر للتعامل مع الضغوط الإقليمية والدولية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة