وحيثما ذُكر دعم وتمويل الإرهاب ذُكرت قطر،
يُعتبر المال "شريان الحياة" للمنظمات الإرهابية، فمن خلاله يمكنها تجنيد وتدريب ودفع رواتب منتسبيها والحصول على التسليح المناسب لها والدعم اللوجستي، ودفع الرشاوى وتزوير المستندات وغير ذلك من المهام التي لا يمكن لها أن تتم بدون المال.
ولقد لجأت الحكومات والوكالات المعنية بمكافحة الإرهاب إلى تقصّي مصادر تمويل المنظمات الإرهابية والجماعات المتطرفة ومن ثم العمل على تجفيف هذه الموارد لإنهاك المنظمات الإرهابية والحيلولة دون استمرارية أنشطتها، إلا أن إمكانيات وقدرات بعض المنظمات الإرهابية على التكيف حالت دون انقطاع مواردها المالية بتبنيها أساليب تمويل جديدة تطيل من العمر الافتراضي للإرهاب.
لا يمكن تصور قيام الإخونجية بالتحريض على قطر، ومَن منّا لا يتذكر تحريض القيادي الليبي في جماعة الإخوان عبدالعزيز السيوي في خطبة الجمعة على تنفيذ عمليات إرهابية في كل من الإمارات والسعودية ومصر، ومثل هذا التحريض يعكس مدى تطابق أجندة المتطرف مع الدولة الراعية له ولتنظيمه الإرهابي.
"تمويل الإرهاب"، وعلى الرغم من قِدم طرح فكرته فإنه شدّ الانتباه بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وما تلته هذه الأحداث من تساؤلات عن كمية الأموال التي يديرها تنظيم القاعدة وما خصص منها لهذه الهجمة، ومصادر هذه الأموال وكيفية حفظها وتحويلها واستخدامها.
تمول الجماعات الإرهابية عملياتها من خلال أساليب متنوعة بسيطة في بعضها ومعقدة في أخرى معتمدة على مصدر واحد أو عدة مصادر متنوعة، تختار من هذه المصادر ما يتناسب مع متطلباتها وإيديولوجيتها، كما أنها تتجنب بعض مصادر التمويل في أحيانٍ أخرى لأسباب متعلقة بالسمعة أو رقابة الدولة على مصدر التمويل، هذه المصادر تقع في إطار يبدأ من وجود دول داعمة وراعية للإرهاب كما هو الحال مع إيران وحزب الله وجماعة أنصار الله (الحوثيين)، وينتهي بعمليات سرقة وتهريب للمخدرات أو اللجوء إلى استخدام الجمعيات الخيرية للأسف الشديد كواجهة لتمويل أعمال العنف، أو جمع الأموال من الأقليّات المتعاطفين مع الجماعات الإرهابية في الشتات.
والنظرة العامة على الأرقام التقديرية لميزانيات الجماعات الإرهابية في الوقت الراهن تثير الرعب؛ فحزب الله اللبناني يحصل على دخل سنوي يصل إلى 1.1 مليار دولار، حيث قفز الدعم الإيراني من 200 مليون دولار سنوياً إلى 800 مليون دولار في السنوات الأخيرة، حيث استفاد النظام الإيراني من السيولة المالية التي قدمها له الاتفاق النووي لتمويل أذرعه في الشرق الأوسط، إلا أن رعاية إيران ليست المصدر الأوحد لحزب الله، فلا بد من ذكر "محافظها الاستثمارية" فما تنتجه مصانع الكبتاجون في الجنوب اللبناني جعل من تجارة المخدرات رافدا أساسيا لمدخول الحزب، وقد توصلت تحقيقات الوكالة الأمريكية لمكافحة المخدرات DEA إلى ضلوع حزب الله في تجارة المخدرات في المثلث الحدودي (الأرجنتين - البرازيل - باراجواي) من ثمانينيات القرن الماضي، وشبكة تجارة السيارات وتهريب الماس وغيرها، جعلت حزب الله يتربع على عرش الجماعات الإرهابية الأكثر تمويلاً وتنظيماً.
ولا يقف الأمر على حزب الله وحده، فهنالك تقارير تتحدث عن دخل سنوي يضاهي 800 مليون دولار لحركة طالبان و700 مليون دولار لحركة حماس، وقد تسببت الخسائر العسكرية التي مُني بها تنظيم داعش إلى هبوط دخله السنوي من 2 مليار إلى 200 مليون، على الرغم من الارتياح الذي يتبادر إلى الذهن نتيجة هذا الخسارة فإن فكرة وجود 200 مليون يتم تسخيرها للعنف والقتل لا تزال تبعث على النفس القلق.
وحيثما ذُكر دعم وتمويل الإرهاب ذُكرت قطر، إذ قطعت الحكومة العراقية الطريق على النظام القطري في إحدى عمليات التمويل لإحدى الجماعات الشيعية المتطرفة، ووفقاً لرواية رئيس الحكومة العراقي كانت الحقائب التي حملها السفير القطري تحوي مئات الملايين من الدولارات كانت في طريقها للوصول إلى الجماعات الإرهابية تحت غطاء دفع "فدية" لتحرير رهائن قطريين دخلوا العراق في رحلة صيد!
ومع إمعان النظر لك أن تتخيل ما تشكله عملية تمويل واحدة –بمئات الملايين- من النظام القطري من إجمالي الدخل السنوي لهذه الجماعات الإرهابية والمتطرفة، ذلك غير الدعم الإعلامي المُعلن الذي تقدمه قطر لجبهة النصرة في سوريا التي غيّرت اسمها لجبهة فتح الشام لتجنب وصمة الإرهاب وقائدها الجولاني المدرج في قائمة الخزانة الأمريكية للإرهاب، وما تحاوله قناة الجزيرة بنسختها العربية من تلميع لهذا الإرهابي المتطرف ودوره في الحرب الأهلية السورية، وما تشكله قطر من حاضنة لجماعة الإخوان المسلمين وما يتفرع منها من جماعات تكفيرية وجهادية في ليبيا والصومال وفلسطين وغيرها، هذه الأسباب التي دعت كلا من الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ومصر ومملكة البحرين إلى مقاطعة النظام القطري.
مع تتبع طريقة عمل مختلف المنظمات الإرهابية وأساليب تمويلها، وضع الباحثون معايير ستة تنظر إليها الجماعات الإرهابية لتمويل أنشطتها؛ وهي: "كمية المال، شرعية المال، اعتمادية التمويل، بساطة أسلوب التمويل، درجة الأمان وأخيراً التحكم"، ويمكن من خلال هذه المعايير معرفة أولويات التنظيمات الإرهابية وديناميكية عملها، الأمر الذي يساعد أجهزة مكافحة الإرهاب على تحليلها ورسم استراتيجية مكافحة تمويلها.
وبما أن الجماعات الإرهابية تعمل في إطار سري بعيد عن أعين أجهزة الدولة، فهي تحرص على أساليب التمويل الأكثر أماناً والتي لا تثير الشك، وهو المعيار الخامس، أما المعيار السادس وهو التحكم وهو يعبر عن سلطة المال، فهناك جماعات إرهابية لا تفضل الحصول على رعاية من أي دولة لأن ذلك يفقدها سلطة اتخاذ القرار.
فالمنظمات الإرهابية التي تعتمد على رعاية الدول الداعمة للإرهاب لا يمكن لها مخالفة توجيهات الدول الممولة لها، فهذه الرعاية تسلب القدر الكبير من التحكم والسيطرة من قبل زعامات التنظيم لينتهي بهم المطاف إلى أن يكونوا مجرد أدوات للدول الراعية، فلا يمكن تصور قيام المتطرفين من الإخونجية بالتحريض على قطر، ومَن منّا لا يتذكر تحريض القيادي الليبي في جماعة الإخوان عبدالعزيز السيوي في خطبة الجمعة على تنفيذ عمليات إرهابية في كل من الإمارات والسعودية ومصر، ومثل هذا التحريض يعكس مدى تطابق أجندة المتطرف مع الدولة الراعية له ولتنظيمه الإرهابي.
هذا التنوع في مصادر التمويل يدفعنا للسؤال: ما مصدر التمويل "المُفضّل" للجماعات الإرهابية؟ وحتى هذه اللحظة لن نجد إجابة واحدة على هذا السؤال، فلكل مصدر من هذه المصادر مميزاته وسلبياته ولكل جماعة إرهابية ظروفها السياسية والجغرافية والاقتصادية وأولوياتها الاستراتيجية وخططها التي تسخِّر من خلالها هذا المال للقتل والعنف، وعلى الرغم من ذلك فإن المعايير الستة سابقة الذكر شكلت أداة فعّالة لفهم طبيعة عمل الجماعات الإرهابية ورسم الخطط لتجفيف مصادر التمويل.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة