6 جوائح أعنفها التضخم.. قائمة الرابحون من أزمات العالم
لا شك أن الأزمات المتتالية والعنيفة التي تضرب الاقتصاد العالمي هذه الفترة تؤثر على الجميع، والكل خاسر بلا استثناء من جراء هذه الصدمات.
لكن في نفس الوقت هناك عدد محدود من المستفيدين الذين لربما استطاعوا تحويل الفوضى إلى فرصة لصالحهم. رغم صدمات أسعار الطاقة والكهرباء والغذاء وتعطل سلاسل التوريد وتوقف العديد من المصانع وخروج كثير من الموانئ عن العمل.
تحويل هذه الفوضى والصدمات إلى مكاسب يكون إما على مستوى الأفراد أو الشركات أو الدول، ما يهم هنا هي الدول، ولكن قبل تحديد أي هذه الدول التي تستطيع تحويل الأزمات الحالية وخسائرها إلى أرباح ونمو وتوسع، علينا تحديد المنهجية التي على أساسها يمكن تصنيف هذه الدول، حيث يأتي على رأس هذه المعايير المنهجية: الميزان التجاري.
الدول التي تحقق فائضاً في ميزانها التجاري محدودة وقليلة، أكبر 20 دولة في قائمة الفوائض تحقق ما إجماليه 1572 مليار دولار من الفوائض في تجارتها الخارجية مع العالم حتى 2020، لكن جنوب شرق آسيا تستحوذ على ستة من العشرين- بدون احتساب الصين- حققت هذه الستة فوائض بنحو 226 مليار دولار في 2020.
ووفقاً لمركز معلومات "أرقام" جاءت الست دول على الترتيب تايوان وكوريا الجنوبية وماليزيا إلى جانب سنغافورة وتايلاند وإندونيسيا.
هذه الدول الست الصغيرة مقارنة بالعمالقة الآخرين في القائمة هي التي تستحق الدراسة والتأمل، وعلى رأسها تايوان تلك القوة الإلكترونية الرائدة التي نجحت في تحطيم كافة أرقامها القياسية السابقة وأرقام جيرانها بما فيها العملاق الصيني المجاور لها، وحققت زيادة في الصادرات خلال سبتمبر للشهر الـ 16 على التوالي.
- التضخم يجتاح العالم.. جنون الأسعار قنبلة عصية التفكيك
- التضخم في إيران خارج السيطرة.. الأسوأ في 40 عاما
أما كوريا الجنوبية- رابع أكبر اقتصاد آسيوي- فقد حققت في سبتمبر الماضي نمواً في صادراتها للشهر الـ 11 على التوالي، مقتربةً من منافسة تايوان التي تتصدر سباق تحطيم الأرقام القياسية، وماليزيا لا تختلف كثيراً عن الآخرين باقتصادها الذي يقدر حجمه بـ 337 مليار دولار، حيث حققت ارتفاعاً بـ 23% في أول تسعة أشهر من العام الجاري في صادراتها.
تستمر سنغافورة أصغر اقتصادات آسيا مساحة وأكثرها تقدمًا، في نجاحها التجاري الخارجي بتحقيق نمو في الصادرات للشهر الـ 10 على التوالي في سبتمبر، أما تايلاند فتجاوزت صادراتها التوقعات وحققت نمواً بمقدار 17% مقارنة بتوقعات بلغت 11%، بينما الدولة الأخيرة إندونيسيا قد سجلت نسب زيادة قياسية بـ 64% و47% في شهري أغسطس وسبتمبر على الترتيب على أساس سنوي.
تايوان وقصة الرقائق
تستمر تايوان وشركاتها المهيمنة على السوق العالمي لأشباه الموصلات في تحقيق الأرقام القياسية بالمبيعات وطلبيات التصدير، حيث تمثل مبيعات شركة TSMC بمفردها نحو 36% من إجمالي صادرات كامل الاقتصاد التايواني بشركاته الحكومية والخاصة.
كوريا الجنوبية.. مركز عالمي للإلكترونيات والسفن
قبل الجائحة، هيمنت كوريا الجنوبية على صادرات سفن الركاب والبضائع على مستوى العالم بإجمالي مبيعات بلغت 17 مليار دولار، تمتلك "سول" بنية تحتية عميقة وقوية للغاية في مجال صناعة السفن وترساناتها وتقنياتها، ومع الطلب الضخم في الشهور الأخيرة ارتفع الإقبال على طلبيات السفن من جميع الخطوط الملاحية وشركات الطاقة التي تحتاج إلى سفن ناقلات النفط والغاز المُسال.
إضافة إلى زخم الحاجة إلى الإلكترونيات وأجهزة التكنولوجيا تامة الصنع مثل الجوالات والتليفزيونات والشاشات والحواسب وغيرها من الأجهزة التي ارتفع الإقبال عليها أثناء الجائحة وحتى هذه اللحظة مع اختلاف درجة تطبيق أو تشديد قيود الحركة وحظر التجوال بسبب الجائحة ومتحوراتها.
ماليزيا وزيت النخيل
ماليزيا هي ثاني أكبر مُنتج في العالم من زيوت النخيل، في سبتمبر الماضي سجلت "كوالالمبور" زيادة حادة بصادرات هذا المنتج بمقدار 36.8% على أساس شهري، وكان أكبر المشترين الصين والهند في ظل فورة في الأسعار العالمية، لاحظ هنا أن الزيادة في قيمة المبيعات بالدولار الأمريكي وهنا لم يؤخذ في الاعتبار متغيرين اثنين: الكمية، وسعر الصرف، والمقصود من رصد قيمة المبيعات بالدولار هو رصد حجم الاستفادة من ارتفاعات الأسعار حتى ولو كانت المبيعات بكميات أقل مما سبق.
وبالفعل واجهت ماليزيا عوائق كثيرة للغاية بسبب الجائحة، فانخفض إنتاجها من الزيوت بسبب الإغلاقات وقيود كورونا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن قطاع الزيوت يعتمد على العمالة الرخيصة القادمة من دول الجوار، وهى أعداد تُقدر بحوالي 350 ألف عامل لم يستطيعوا التحرك والسفر بحرية وسلاسة بسبب تشديدات السفر خلال 2020 و2021، ومع ذلك فإن هذه العراقيل لم تمنع خزائن البلاد من الاستفادة من موجة التضخم العالمية التي تحدث حالياً حتى ولو باعت كميات أقل.
سنغافورة.. 728 كم2 كافية لتصدير المعجزات
مستفيدة من زخم الطلب العالمي، استفادت المدينة الصغيرة - التي لا تتجاوز مساحتها الألف كم2- من تحقيق أرباح كبيرة من مبيعات البتروكيماويات والآلات والأدوية للخارج، أما الصادرات غير النفطية فقد ارتفعت 12% في الشهر الأخير مقابل 2.7% الشهر السابق له، تركزت الصادرات غير النفطية في الحواسب الشخصية ومعدات الاتصالات بدافع من تزايد الطلب على أشباه الموصلات عالمياً.
ليس هذا فقط، بل شملت قائمة النجاحات السنغافورية قطاعات ومنتجات أخرى مثل الأدوية ومستحضرات التجميل.
تايلاند.. الحاصلات تقود قاطرة الصادرات
جاء الأداء القوي لتايلاند بدعم من ارتفاع كبير في شحنات الحاصلات الزراعية للخارج وكذلك كافة منتجات التصنيع الغذائي والزراعي المرتبطة بالحاصلات، لكن الدافع الأكبر كان سببه هو تراجع قيمة العملة المحلية (البات التايلاندي) وهو ما منح ميزة تنافسية أكبر لصالح الصادرات في السوق العالمي، الفاكهة التايلاندية بمفردها من المتوقع أن تحقق مبيعات بـ 5.4 مليار دولار العام الجاري.
إندونيسيا وعملاتها القوية
تعتقد وكالة "بلومبرج" أن العملة الإندونيسية (الروبية) في طريقها لتحقيق أفضل أداء بين العملات الآسيوية بفضل الانتعاش الذي يشهده ميزانها التجاري الشهور الأخيرة، فالدولة الآسيوية المشهورة بتصدير الفحم والزيوت تستغل أزمة الطاقة في الصين لمصلحتها، ونجحت "جاكرتا" في تحقيق فائض تجاري للشهر الـ 16 على التوالي مع إصدار بيانات التجارة الخارجية سبتمبر الماضي.
ومع تحسن فائض التجارة يتحسن بالتوازي خزائن البنك المركزي الإندونيسي بالاحتياطي من العملات الصعبة، ويرتفع المعروض من الدولار في الأسواق المحلية مما دفع بالروبية للارتفاع بـ 1.3% في الربع الثالث هذا العام مقابل الدولار، بينما باقي المنافسين الآسيويين تتراجع عملاتهم المحلية في نفس السياق الزمني.
صدرت إندونيسيا نحو 21 مليون طن من الفحم لموانئ الصين في سبتمبر، صعوداً من 17 مليون طن في أغسطس، وفي ظل حظر دخول الفحم الأسترالي إلى الصين كانت الفرصة سانحة لإندونيسيا والساحة فارغة لاستثمار نقص الطاقة الحاد في جارتها الصين أكبر اقتصاد آسيوي.