لا يمكن الحديث عن الرؤى والأهداف المشتركة لتنظيمي الإخوان المسلمين والقاعدة، دون التطرق لظروف نشأة تنظيم القاعدة، والذي يُعد جزءا لا يتجزأ من تنظيم الإخوان، بل هو أحد إفرازاته.
فزعيمه السابق أسامة بن لادن كان منتميا لتنظيم الإخوان باعتراف زعيمه الحالي أيمن الظواهري، والذي اعترف هو الآخر بأنه سافر إلى أفغانستان بدعم من تنظيم الإخوان، الذي كان يعمل معه في القاهرة.
يمكن قراءة علاقة الإخوان بتنظيم القاعدة من زاويتين، إحداهما ترتبط باعتراف زعيمه الحالي أيمن الظواهري بأن مؤسس التنظيم، بن لادن، كان من الإخوان غير أنه انشق عن التنظيم مكونا تنظيم القاعدة، والذي يعد ذراعا للحركة الأم التي أنجبت "بن لادن"، حسب اعترافات "الظواهري"، التي نسبها إلى زعيمه السابق، وموجودة على موقع "يوتيوب".
الزاوية الثانية ترتبط بترشيح الإخوان لأيمن الظواهري للسفر إلى أفغانستان ضمن المجموعات الإرهابية المنسوبة للإخوان، والتي سافرت إلى هناك، وقد أثبت "الظواهري" ذلك ضمن كتابه "فرسان تحت راية النبي"، حتى بات الرجل الأول في تنظيم القاعدة بعد رحيل مؤسسه الأول.
اعترف "الظواهري" بأنه ما كان له أن يسافر إلى أفغانستان إلا من خلال الإخوان، وتحديدا من خلال الجمعية الطبية الإسلامية التي كان يديرها الإخوان، خاصة نائب المرشد آنذاك، الدكتور أحمد الملط، وبالفعل تمت المهمة حسب تعبير "الظواهري" بترشيح أو تكليف من الإخوان.
عرضت جماعة الإخوان من خلال إحدى الجمعيات الطبية المملوكة لهم، على زعيم تنظيم القاعدة، أيمن الظواهري، السفر إلى باكستان.
ويقول زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري في ذلك: "بدأت صلتي بأفغانستان في صيف 1980، بترتيب قدري حينما كنت أعمل بصفة مؤقتة مكان أحد زملائي في مستوصف بالسيدة زينب، تابع للجمعية الطبيّة الإسلامية، بأحد أحياء القاهرة، وهي أحد أنشطة الإخوان المسلمين، ففي إحدى الليالي كلمني مدير المستوصف، وهو من الإخوان المسلمين، عن رأيي في السفر إلى باكستان للعمل في المساعدة الجراحية للمهاجرين الأفغان، فوافقت على الفور، إذ وجدت في هذا العرض فرصة ذهبية للتعرف على ميادين يمكن أن تكون رافدا وقاعدة لهم في مصر والعالم العربي، قلب العالم الإسلامي، حيث تدور معركة الإسلام السياسي بين المسلمين ورؤوس الحملة الصليبية الجديدة، أمريكا واليهود والمنفذين لسياساتهما".
هنا يمكن القول إن الإخوان كانوا بمثابة القاطرة التي دفعت بزعيم القاعدة للسفر إلى أفغانستان، حتى بات زعيما للتنظيم بعد "بن لادن"، والذي تربى في أحضانهم وترجم هذه الأفكار في مشروعه، الذي أفرز "داعش" فيما بعد، رغم أن "أبو بكر البغدادي"، كان له نسب سابق بالإخوان المسلمين، أكده يوسف القرضاوي في تسجيل صوتي على موقع "يوتيوب"، كان يتفاخر من خلاله بالرحم التي أنجبت "داعش".
العلاقة التي رصدناها بين "الإخوان" و"القاعدة" لم تكن أسيرة التاريخ والماضي، فالرئيس المعزول محمد مرسي عندما وصل إلى السلطة في مصر، تواصل عبر الهاتف مع زعيم القاعدة، أيمن الظواهري، من خلال المستشار محمد رفاعة الطهطاوي، رئيس ديوان رئاسة الجمهورية في ذلك الوقت، وكان خال الظواهري في النسب العائلي.
رحب الإخوان المسلمين بكل قيادات "القاعدة" عندما وصلوا إلى السلطة في مصر عام 2012، وكان هؤلاء سفراء لهم في التواصل مع قيادات "داعش" في سيناء، وكانت تتم دعوتهم في كل اللقاءات الرسمية للدولة في هذا الوقت، وهنا تجمعت الرؤى والأهداف المشتركة بين "الإخوان" و"القاعدة"، وهو ما توضحه التسجيلات المرئية للظواهري، والتي دافع فيها عن "الإخوان" و"مرسي".
رحم الإخوان كانت ولادة، فهي التي أنجبت "القاعدة"، ومنها خرج "داعش" وغيره من التنظيمات الإرهابية المحلية والإقليمية في منطقتنا العربية وفي أفريقيا وباقي دول العالم، هذه الرحم لم تنجب هذه التنظيمات فقط، وإنما قامت على رعايتها والاعتناء بها حتى تكون سندا لها، وهو ما لاحظناه عند سقوط الإخوان في مصر بعد ثورة شعبية في عام 2013، حيث حاولت هذه التنظيمات حماية التنظيم الأم.
ويمكن تأكيد أن "الإخوان" هي من وفرت بيئة العنف التي خرجت منها كل جماعات العنف والتطرف فيما بعد، ليس "القاعدة" و"داعش" فقط، كما يجب تأكيد خطر الفكرة الملهمة للعنف وضرورة العمل على تفكيكها، بصورة لا تقل أهمية عن تفكيك التنظيم نفسه، بل لا بد أن يسير كل منهما بصورة متوازية ومتوازنة.
قد يكون قِدم "الإخوان" في النشأة وراء صور الدعم التي قدمتها لبقية التنظيمات المتطرفة التي ظهرت بعدها، وبالتالي وفرت الحركة الأقدم، والتي تمثل حاضنة لبقية التيارات الأخرى، المناخ الذي ساعد على تكاثر أفكار العنف واستنساخها، حتى بات العنف هو العلامة المميزة لكل هذه التنظيمات أو لغالبيتها.
الصلات بين "الإخوان" و"القاعدة" لم تكن صلات تنظيمية على مستوى قيادات "القاعدة" وأتباعها، ولكنها كانت فكرية، وهي الأخطر، وذلك ما يؤكده "الظواهري" في كتابه المشار إليه سابقا، حيث يقول: "العمليات المسلحة هي انعكاس حقيقي لأفكار سيد قطب، زعيم الإخوان وعضو مكتب إرشاده السابق".
"القاعدة" و"داعش" جزء من "الإخوان المسلمين" وتعبير حقيقي عنهم، يتفقون في الأهداف والرؤى ويضاف إلى ذلك النشأة، فنشأة كل منهما ارتبطت بالتنظيم الأم، لذلك لا قيمة لأي جهود تواجه كلا التنظيمين بينما تستثني "الإخوان" من هذه المواجهة، فقطع الرأس أحرى من مداعبة الجسد بمواجهات لا أثر ولا نتيجة لها.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة