عشرون عاماً تكتمل على حادث هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001.
وكما أن أمريكا لم تغادرها الضربات الموجعة برغم كل سنوات الحروب الطويلة، طاردت فيها عناصر تنظيم القاعدة من كهوف "تورا بورا" في أفغانستان إلى الصحراء الكبرى في وسط أفريقيا وحتى في ليبيا والعراق وسوريا، صنع الأمريكيون آلاف الأفخاخ للإيقاع بعناصر "القاعدة" وحبستهم في غوانتنامو، ثم عادوا إلى كابول ليحكموا بلاد الأفغان.
وحتى مع حلول الذكرى المائة والألف، لن تتغير حقيقة واحدة، أن ضالة أمريكا لم تكن في قندهار ولم يكن الملا محمد عمر هو الرأس الذي خطط ودبر لهجمات الحادي عشر من سبتمبر، فهو مجرد متعصب راديكالي قرر في لحظة ما الدفاع عن إرهابي قام بالعملية الإرهابية، التي غيرت العالم.. أسامة بن لادن هو الرأس الذي قرر القيام بالعملية، وهذا المؤكد باعترافه وبكل الشواهد والإثباتات، ولا خلاف حول ذلك، لكن أين ولدت الفكرة ونشأت؟، هذا هو السؤال الأهم، الذي يجب أن يكون.
أنتجت حقبة "الصحوة الإسلامية" جيلاً من إنتاج أخطر المعامل على هذه الأرض، فلقد شكلت حرب أفغانستان في ثمانينيات القرن العشرين، المعمل التاريخي الذي تقاطرت عليه أفكار حسن البنا تحت درجة الغليان القصوى، في حرب ممتدة أنتجت مزيجاً شكل انبعاث ولادة تنظيم القاعدة، وأنتجت مدن قندهار وغزني مقاتلين حملوا عقيدة متطرفة واحدة وصفة واحدة هي الأفغان العرب.
في سردية التاريخ أن الأفغان العرب الذين كانوا قد توزعوا على كل أرض فيها حرب، من البلقان إلى الشيشان والصومال والسودان، فقد كان لسقوط جدار برلين ارتدادات كبيرة، وكان هؤلاء الأفغان العرب، الذين يحبون أن يطلق عليهم لقب "المجاهدين"، كانوا يحاربون بعقيدتهم، التي صنعت في كهوف أفغانستان، وكانوا يشعرون أن الملائكة تساندهم، فكل حروبهم مقدسة كما علمهم كبيرهم عبد الله عزام، تلك الحروب لم تكن كحرب صيف عام 1994، حيث كانت الحرب الأقدس في تصفية المعقل الأخير للشيوعي العربي الأخير في حرب اليمن.
هناك في غفلة أخرى، وجد أسامة بن لادن وأتباعه الفرصة المواتية لتحقيق كل شيء ممكن، فإن القادمين من كل حروب الأرض يحصلون على جوازات سفر ورتب عسكرية، فعلاقة التنظيم الدولي للإخوان المسلمين مع النظام السياسي اليمني مكنت "بن لادن" ومجموعته من إطلاق النسخة الأكثر وحشية في تاريخ الجماعات الراديكالية، بعد أن أعلن عن إنشاء "تنظيم القاعدة في جزيرة العرب" وأعلن حرباً دينية بدأت باستهداف الولايات المتحدة في السعودية عام 1995، أي بعد عام واحد على احتلال اليمن الشمالي للجنوب العربي.
وجد تنظيم القاعدة في معسكرات الجيش والأمن داخل الاراضي اليمنية كل مستلزمات التدريب والتأهيل وإنتاج المقاتلين، فكل شيء متاح في الدولة الفاشلة سياسياً، والتي وجدت في الأفغان العرب مادة تستخدمها في الابتزاز السياسي للجوار والعالم، وبرغم أن تفجير المدمرة الأمريكية "يو إس إس كول" في خليج عدن في شهر أكتوبر من عام 2000، كان إشارة واضحة لمدى ما وصلت إليه عناصر تنظيم القاعدة من تدريب عسكري، نجحت من خلاله في توجيه ضربة إرهابية مباشرة للولايات المتحدة، مع تزايد عمليات التفجير في العالم العربي.
لم يتدارك أحد ما كان يحدث في اليمن، الذي كان فيه فرع جماعة الإخوان المسلمين يمتلك جزءا من السلطة السياسية، عبر حزب التجمع اليمني للإصلاح والشخصيات القبلية الموالية للجماعة.. ظلت الأمور كما هي وظلت اليمن هي الحديقة الخلفية التي يستطيع فيه تنظيم القاعدة إنضاج أفكاره وتصوراته ومخططاته، فهذه البلاد أرضية كان يمتلك فيها المؤسسات والاتصالات، ويوازيها نظام "البشير" في السودان على الضفة الأخرى من البحر الأحمر.
لم يكن مفاجئاً، ولن يكون، ارتباط أسماء منفذي هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 باليمن، فهذه هي الحقيقة، التي سجلتها محاضر تحقيقات المؤسسات الأمنية والعسكرية الأمريكية كافة، فما شكله القبض على رمزي بن الشيبة من مفتاح لمعلومات، لم ينته، حتى وإن أظهرت الوثائق الأخيرة لمؤسس التنظيم، "بن لادن"، ارتباطاته بتشكيلات باطنية، مكنت له كل الأدوات حتى يرسل تسعة عشر متطرفاً ليهاجموا الولايات المتحدة في عقر دارها، بينما كان كثير من الانغماسيين يفجِّرون أنفسهم في عمليات انتحارية امتدت إلى كل الدنيا.
غادرت أمريكا أفغانستان وتركت خلفها حقائق، أن تنظيم "القاعدة" يمتلك منتجات متعددة كـ"داعش" و"أنصار الشريعة" و"أنصار بيت المقدس" و"جبهة النصرة" و"بوكو حرام"، كلها مجرد منتجات من مصنع واحد، فكرة واحدة تفرعت منها مخالب القتل والتوحش، الإسلام السياسي جذر المشكلة، فالإسلام دين اختُطف من جماعات تعيش في الكهوف والسراديب تتخفى عن النور في الظلام، تصنع الأوهام وتختزل الأوطان، ويتم إنتاج المفخخات والأحزمة الناسفة، فهل بعد ألف عام سيبقى السؤال من أين بدأ طريق هجمات 11 سبتمبر أم أن هناك استدراكا للحقيقة الكاملة وإن كانت مريرة؟
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة