لا يمكن استبعاد التحركات الأمريكية المراوغة في هذا التوقيت، سواء قبلنا بالصمت الأمريكي المريب بعد فشل مهمة وزير الخارجية الأمريكي ريكي تيليرسون، أو تعاملنا معها من منطق أن الجانب الأمريكي ما زال يتكشف الموقف ويقوم بدراسته ويقيم رؤيته بعد أن تيقنت الإدارة
لا يمكن استبعاد التحركات الأمريكية المراوغة في هذا التوقيت، سواء قبلنا بالصمت الأمريكي المريب بعد فشل مهمة وزير الخارجية الأمريكي ريكي تيليرسون، أو تعاملنا معها من منطق أن الجانب الأمريكي ما زال يتكشف الموقف ويقوم بدراسته ويقيم رؤيته بعد أن تيقنت الإدارة الامريكية أن الأمر جاد وأن موقف الدول العربية المقاطعة متماسك وقوي ولم يتغير، ومن ثم فإن الرهان علي إحداث اختراق سياسي حقيقي لن يتم، والإدارة الأمريكية التي تابعت جولة وزير الخارجية الفرنسية ومن قبله البريطاني والألماني لم يعد لديها سوي الانتظار عن بعد والتفكير في الخطوة التالية، خاصة مع تمسك دول المقاطعة العربية بأن يكون هناك مرجعية دولية ورقابة علي التصرفات والتدابير الأمنية والاستراتيجية، وهو مطلب مشروع من دولة الإمارات العربية المتحدة، وبالتالي فإن الجانب الأمريكي سيعمل علي عدة مسارات، نوضحها فيما يلي:
الأول؛ الاستمرار في قلب الأزمة مع تنسيق المواقف والتوجهات الأمريكية، فقد عاد الرئيس الأمريكي محذرا ومنذرا الجانب القطري بعد عدة أيام صمت فيها تاركا الفرصة لوزير الخارجية الأمريكي تليرسون، وهو يدرك أن الوزير ليس لديه خبرات لكي يقوم بمهامه، وقد فشل في أول جولة حقيقية، وبالتالي فإن وزير الخارجية الأمريكي العائد بخفي حنين سيعيد التفكير في البديل السياسي والاستراتيجي المطروح في ظل تتالي الوساطات والتحركات الفاشلة التي ثبت عدم جدواها، وبالتالي لم يعد سوي إعادة ترتيب الحسابات والتقييمات علي اعتبار أن الجانب الأمريكي ما زال يملك فعليا مفتاح حل الأزمة بالضغط علي الجانب القطري مباشرة، وإيقاف ما يجري من مهاترات، وليس السعي لإدارة أزمة دخلت أسبوعها السابع ومرشحة في الاستمرار في إطار سيناريو مفتوح علي كل الاحتمالات.
الثاني: التفكير في الانتقال بمستوي التعامل مع إدارة الأزمة من وزير الخارجية قليل الخبرة بالشرق الأوسط إلي تصعيد مستوي الوساطة من جديد عبر تكرار الجولة، بحيث يعود وزير الخارجية الأمريكي إلي الخليج مرة أخري من خلال طرح محدد ومبادرة مباشرة ببنود محددة وليس مجرد الإنصات والاستماع بدون التدخل في حل الأزمة، وهو ما قد يفكك عناصر الأزمة من مراحل أعلي الي أسفل، وهو ما يمكن أيضا أن يكشف مسارا جديدا للأزمة ولو من خلال توسيع دائرة الوساطة، وفي هذه الحالة يمكن لوزير الخارجية الأمريكي تعمد الاستعانة بعدد من خبراء الشرق الأوسط في إدارات سابقة، وهو ما جري طوال الأيام الأخيرة، حيث التقي الوزير بعدد من الخبراء بقضايا الخليج والمنطقة العربية من أجل تفهم حدود الأزمة وكيفية التعامل معها في ظل بقاء الوضع الراهن علي ما هو عليه، وبالتالي فإن هذا المسار سيكرر الحضور المباشر للخارجية في إدارة الأزمة، ومن المحتمل أن يدخل مستشار الأمن القومي ورئيس الاستخبارات المركزية اللذان فضلا التعامل مع الأزمة عن بعد علي الأقل في الوقت الراهن، وفي حال دخول هؤلاء الأطراف فإن الإدارة الأمريكية سيكون عليها حل الأزمة والتعامل معها مباشرة مع إقناع الجانبين بأن هناك تنازلات يجب أن تقدم وتطرح، وأن الجانب القطري عليه أن يبدأ سلم التنازلات، وليس التصعيد أو التعايش مع الأزمة، وهو ما تدركه الدول الأربع المقاطعة التي تدرك جيدا أن منطقها قوي وواضح وينفتح علي كل الخيارات السياسية والاستراتيجية حيث لا يوجد خيار مستبعد.
الجانب الأمريكي ما زال يتكشف الموقف ويقوم بدراسته ويقيم رؤيته، بعد أن تيقنت الإدارة الأمريكية أن الأمر جاد وأن موقف الدول العربية المقاطعة متماسك وقوي ولم يتغير، ومن ثم فإن الرهان على إحداث اختراق سياسي حقيقي لن يتم
الثالث: وهو مسار مطروح في حال تفضيل الرئيس ترامب حل الأزمة مباشرة والخروج للعالم بمنظر الرئيس القوي المباشر الذي يملك القدرة علي الحل وإدارة الأزمة والتحول من رجل البيزنس والمال والأعمال ليكون رئيسا قويا، عبر التحرك الدبلوماسي والسياسي معا، موظفا كل الإمكانيات والقدرات المتاحة من وزارة الخارجية والدفاع والاستخبارات والكف عن التجاذب والتباين في الرؤي حماية للمصالح الأمريكية في منطقة الخليج، وليس مجرد الدفاع عن قاعدة -مهما كانت أهميتها في الاستراتيجية الأمريكية- وإمارة مقابل العلاقات الاقتصادية والاستراتيجية مع دول كبري وهامة مثل السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، وبالتالي فإن التحرك الأمريكي قد يطرح في إطار الدعوة لمؤتمر يعقد في واشنطن بدعوة من قبل الرئيس الأمريكي لحل الأزمة من أعلي ومن خلال دعوة وزراء الخارجية بحضور الكويت وربما الجانب البريطاني والفرنسي والألماني.. هكذا يفكر الرئيس الأمريكي، وقد كشفت شخصيات أكاديمية أمريكية أن الإدارة ما تزال تبحث إدارة المشهد من أعلي وأن تكلفة ما سيتم التوصل إليه سيكون محور للحركة المقبلة في ظل ترقب كامل للطرفين وخشية انفراط عقد التحالف الأمريكي مع دول الخليج العربي وهي التي تمثل الأهمية القصوى للولايات المتحدة وليس لوزارة أو بيت أو إدارة، وفي إطار مراجعات أمريكية تجري في الوقت الراهن تشارك فيها الاستخبارات المركزية ووزارة الخزانة وإدارات التقييمات الاستراتيجية في الخارجية الأمريكية، ومن ثم فان الإدارة الامريكية ستتدخل لحسم الأزمة التي ستمس هيبة ونفوذ الإدارة الامريكية والرئيس الأمريكي في أول اختبار سياسي حقيقي، كما تم تحذير الرئيس من خلال عدد من خبراء الشرق الأوسط في بروكينجز وسابان والشرق الأدني واطلانطا من أن المصالح الأمريكية بأكملها سوف تكون في مهب الريح، ليس في الشرق الأوسط وفي الخليج وإنما في أقاليم أخري، وهو ما لم تجرؤ الولايات المتحدة علي منعه أو تحجيمه في ظل تصاعد الأزمة وتمسك كل طرف بموقفه.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة