المظاهرات ضد النظام الطائفي في لبنان لن تتوقف أيضا. وهذا يعني أن الأزمة، بمعناها الداخلي، سوف تظل قائمة
يقود حزب الله لبنان إلى الهاوية بعينين مفتوحتين، وهو يعرف لماذا. ويندفع إلى الأمام لأنه لا يملك إلا هذا الخيار، وله في ذلك أسباب.
ليس عن عبث على الإطلاق أنه واجه المظاهرات بالقوة، ودفع مليشياته للاعتداء على المتظاهرين، وهددهم حسن نصر الله بنفسه قائلا إنهم لن يتمكنوا من إسقاط عهد الرئيس ميشال عون. وعندما قرر سعد الحريري الاستقالة من رئاسة الحكومة، اختار حزب الله رئيسا جديدا على مقاسه.
حسان دياب المكلف بتشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة يحاول، من دون جدوى، أن يظهر كأنه مستقل، وأنه لا تأثير لحزب الله عليه، وأنه سوف يشكل حكومة تكنوقراط.
ولكن لو كان خيار حكومة التكنوقراط مقبولا، بمعناه الحقيقي، فلماذا لم يبقَ عليها رفيق الحريري، وكانت أحد أهم شروطه؟
الجواب يعرفه اللبنانيون، وهو أن حكومة تكنوقراط يقودها الحريري، كانت ستكون حكومة مستقلة بالفعل، لا مجرد حكومة دمى يقودها حسن نصر الله وجبران باسيل من وراء الستار.
السؤال الأهم، ربما، هو: هل يقدر دياب أن يقنع العالم بأنه قادر على الإنقاذ؟
لبنان، بهذا المعنى، يقف أمام خيارين، لا ثالث لهما: إما التغيير، لكي يمكن للإنقاذ أن يكون إنقاذا حقيقيا، وإما الانهيار تحت وطأة التشرذم والإفلاس.
الجواب الأرجح، لا، وهو ما يعني أنه حتى إذا حاول طلب الدعم لإخراج الاقتصاد اللبناني من الورطة، فإنه سيُواجه بشروط لا يقدر عليها، وأنه قد لا يحصل على شيء.
المظاهرات ضد حكومته، وضد النظام الطائفي، لن تتوقف أيضا. وهذا يعني أن الأزمة، بمعناها الداخلي، سوف تظل قائمة، وأن نيرانها يمكن أن تزداد اندلاعا كلما ترافق الفشل السياسي مع المزيد من الشلل الاقتصادي.
في الخيار بين التغيير الذي يطلبه اللبنانيون لوضع نهاية للنظام الطائفي، وبين انهيار لبنان، فإن حزب الله سوف يختار الانهيار:
1ـ لأنه يملك موارد من أعمال التهريب وتبييض الأموال وتجارة المخدرات يستطيع العيش عليها.
2ـ لأنه لن يسمح بظهور دولة قانون وعدالة ومساواة فوق دولته الموازية.
3ـ لأن التجارة بشعار "المقاومة" سوف تبور.
4ـ لأن سقوط النظام الطائفي في لبنان يؤذن بسقوط نظام الملالي في إيران.
5ـ لأنه يملك السلاح الذي يستطيع أن يقمع به من يشاء.
6ـ لأنه يملك أن يثير ذعر ممثلي الطوائف الأخرى عن ضياع مصالحهم.
حيال هذه الأسباب، هل يحاول حزب الله أن يبتز اللبنانيين بسياسة حافة الهاوية؟ أم أن وقوع الكارثة هو الشيء المطلوب؟
جملة من الحقائق الاقتصادية التي يعرفها حزب الله تقول إن البلاد حتى وإن حصلت على الدعم الخارجي المطلوب، فإنها من دون تغيير آليات عمل النظام، بل من دون تغيير جذري في طبيعته الطائفية، سوف تغرق في الدوامة ذاتها التي أغرقت من قبل الكثير من المساعدات. والحال الراهن يقول:
1ـ معدلات البطالة البالغة 25% (36% بين الشباب) لن تتراجع.
2ـ مستويات الفقر عالية جدا، 30% من اللبنانيين، بحسب البنك الدولي، يعيشون بأقل من دولارين في اليوم.
3ـ إجمالي الدين العام بلغ 83.8 مليار دولار في نهاية سبتمبر/أيلول 2018، أي بزيادة 5.4% عن المستوى الذي سجله عام 2017. وهذا الدين يساوي 150% من إجمالي الناتج المحلي، وهو من أعلى المعدلات في العالم.
4ـ لبنان يعيش في أزمة كهرباء تطحن المواطن الذي يدفع رسوما أعلى من المألوف، فضلا عن أزمات مماثلة في جل الخدمات العامة الأخرى.
5ـ صندوق الضمان الاجتماعي والصحي الذي يستفيد منه نحو مليون ونصف المليون يكلف الدولة 2300 مليار ليرة، وهذه لم تدفعها الدولة حتى عام 2017.
6ـ عمليات التهريب التي يسيطر عليها حزب الله تكلف خزينة الدولة ملياري دولار سنويا. وهناك مليار ونصف أخرى من عمليات التهرب الضريبي.
7ـ المصرف المركزي لا يملك أكثر من 28 مليار دولار في احتياطياته، وهو يعجز حتى عن تسديد الودائع بالدولار لكي لا تفرغ خزانته في غضون ساعات.
8ـ بحسب أرقام الحكومة فإنها أنفقت في عام 2018 مبلغ 17.6 مليار دولار، منها 16.2 مليار دولار كإنفاق جارٍ، و1.4 مليار دولار للخدمات الأساسية والصيانة والتجهيزات.
وهذا وضع كارثي، ويتطلب إصلاحا جذريا. والدعم بالمال لا يسد الثغرات فيه. بمعنى أنه حتى ولو حصل لبنان على 10 مليارات دولار من المساعدات غدا، فإنها لن تفعل سوى أن تؤجل الانهيار عاما واحدا، أو أقل.
العالم بدوره، لا يستطيع أن يضخ أموالا في نظام قائم على الفساد. المال سوف يضيع، والنتيجة سوف تعود هي نفسها ولو بعد حين.
لبنان، بهذا المعنى، يقف أمام خيارين، لا ثالث لهما: إما التغيير، لكي يمكن للإنقاذ أن يكون إنقاذا حقيقيا، وإما الانهيار تحت وطأة التشرذم والإفلاس.
والانهيار أنفع لحزب الله من التغيير. فعندما تسقط الدولة العلية، تبقى دولته السفلية، لتمارس سلطتها ضد الناس. التغيير يعني أيضا، إفلاسه بل إفلاس نظام الولي الفقيه الذي يعمل حزب الله من لبنان كواجهة للدفاع عنه، وهذا خط أحمر أقوى بكثير من كل الخطوط الحمر المحلية.
ما لا يعرفه حزب الله:
1ـ الانهيار سوف يأتي عليه، لأنه باحتكاره السلطة في لبنان، استعدى عليه الجميع.
2ـ سلاحه نقطة ضعف لا قوة. بينما قوة الآخرين تكمن في رفضهم رفع السلاح.
3ـ سيل اللبنانيين بلغ الزبى، حتى لم يعد بوسعهم الانخداع بأي أحد من طاقم النظام الطائفي.
4ـ انهيار الاقتصاد، ليس هو الأول، ولن يدفع اللبنانيين إلى الاستسلام، وهم اليوم يعرفون أسسه وأسبابه، ويريدون وضع حد لها.
5ـ التغيير قادم لا محالة، لأنه أصبح شرطا وحيدا من شروط النجاة. وكل الذين يقفون في وجه التغيير، سوف يكونون قيد النسيان وغير مأسوف عليهم.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة