انتبهت دول الخليج منذ فترة مبكرة لمسؤوليتها تجاه إدارة الخطاب الديني وصيانته من أيدي العابثين.
بعد عقود من كونه متحفاً، خلّف قرار إعادة آيا صوفيا في مدينة إسطنبول في تركيا إلى مسجد ردود فعل كبيرة في العالم، سياسية ودينية وشعبية، فالمتحف الذي كان يوماً ما أكبر كنيسة في العالم في العصر البيزنطي، تعتبره منظمة اليونسكو من الآثار التاريخية المنتمية إلى الثروة الثقافية الإنسانية، وقد رفض كثيرون الخطوة التي تنم عن استغلال واضح للمشاعر لأغراض توسعية.
وبعيداً عن فكرة المتحف التي أشبعت تحليلاً، فقد ظهرت أصوات غريبة في وسائل التواصل الاجتماعي، التي لربما كانت تحاول أن ترد على السياسات الهوجاء التي تقدم عليها الحكومة التركية- من خلال اتهام الطوائف الإسلامية في تركيا بالبدع والضلالة ووصمهم بالقبوريين، متخذين من أفعال الساسة الأتراك ذريعة للنيل من هذا المكون في الجسد الإسلامي كرد على سلوكيات تركيا السياسية، لينشروا بذلك الآراء المتعصبة تجاه التصوف الإسلامي تحديداً.
انتبهت دول الخليج منذ فترة مبكرة لمسؤوليتها تجاه إدارة الخطاب الديني وصيانته من أيدي العابثين، وقد استثمرت في نشر الوعي الروحي وتثبيت قيم الوسطية ونبذ التطرف.
ومن الغريب أن ترى قدرا من التفاعل المؤيد لمثل تلك الدعوات العمياء التي تقوض أساسات الوحدة الإنسانية ومبادئ ديننا الحنيف، والحقيقة أن الخطأ لا يعالج بالخطأ، ثم إن الرد على التعصب الديني لا يكون بذات الأسلوب والأدوات الحزبية، التي لم تنتج خلال عشرات السنين، إلا خربا وتشرذما وتفككا.
انتبهت دول الخليج منذ فترة مبكرة لمسؤوليتها تجاه إدارة الخطاب الديني وصيانته من أيدي العابثين، وقد استثمرت في نشر الوعي الروحي وتثبيت قيم الوسطية ونبذ التطرف، وسخرت كل إمكاناتها إلى أن تمكنت من ضبط الإيقاع، ليكون منسجماً في المجتمع، بمختلف أطيافه فكان ذلك مكتسباً وطنياً لا يمكن التفريط فيه بسهولة.
تشهد دول الخليج العربية تسامحاً دينياً ومذهبياً وقبولاً للآخر في مرحلة عنوانها المواطنة ولفظ التطرف والتشدد الديني والفكري، وهذا ما يجب أن يعيه الذين يسعون إلى إقحام العقيدة في الخلافات، فقد بذلت دول الخليج جهوداً كبيرة خلال السنوات الأخيرة لتعزيز الانفتاح والتعايش والتسامح ولترسيخ مبدأ الإنسانية وقبول الآخر انطلاقاً من إيمانها بأنها أركان أساسية لاستقرار المجتمعات، وأن التشدد يمثل إحدى أكثر القضايا التي تؤثر على تلك المجتمعات، وتشكل تهديداً لنمائها وتطورها؛ حيث يمكن أن يؤدي الغلو الديني إلى تمزيق النسيج الاجتماعي وإلى العنف.
إن الخلاف مع إيران ليس خلافاً مع الشيعة والخلاف مع تركيا ليس خلافاً مع نهج التصوف الروحي، بل هو خلاف سياسي يسعى فيه الآخر إلى اللعب على وتر العاطفة الدينية، في حين تسعى دول الخليج دائماً إلى نبذ الطائفية والحزبية صونا لقدسية الرسالة السماوية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة