لا يملك إذن نائب الرئيس الأمريكي بينس عصا سحرية في التعامل مع الموقف الراهن
قبل أن تعلن الإدارة الأمريكية أن نائب الرئيس مايك بينس سيزور المنطقة في 20 يناير الجاري، حيث سيحلُّ ضيفاً على مصر وإسرائيل والأردن، كان التساؤل في الأوساط الأمريكية قبل العربية، ماذا سيفعل في الشرق الأوسط في ظل واقع عربي مرتبك وفلسطيني منقسم، حول الخطوة التالية التي يمكن طرحها إزاء القرار الأمريكي الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل؟.
تسعى الإدارة الأمريكية، من خلال زيارة بينس، إلى تفويت الفرصة بصورة مباشرة على الأطراف الدولية، وإحباط مخطط الجانب الفلسطيني لإدخال روسيا وفرنسا والأمم المتحدة إلى دائرة التفاوض بجوار الولايات المتحدة، وعدم ترك الجانب الأمريكي وحده مهيمناً على قرار التفاوض بعد أن أثبت أنه وسيط غير نزيه.
لا يُعدُّ نائب الرئيس الأمريكي بنس من الشخصيات البارزة، أو أنه مركز قوة قادر على حسم الأمور، خاصة أنه لم يتولَ إدارة الملفات الحيوية المهمة التي تُرِكت لمبعوثين آخرين في ملف كوريا وسوريا والاتحاد الأوروبي، بل ومع اليابان والصين، وذلك بالرغم من مرور عام وعدة شهور من وجوده في موقعه، وهو ما يشير إلى أن للنائب وظيفة محددة ومباشرة لا تتجاوز النطاق المعروف والمحدد والتي يمكن البناء عليها في ظل عدم وجود دور مؤثر لوزير الخارجية الأمريكي ريكس تريلسون تحديداً وهو المنوط به التدخل في إدارة الأزمات المعقّدة، سواء بنفسه أم من خلال مبعوثين له مثلما درج العمل به داخل الإدارات السالفة.
وبالتالي فإن التأكيد على أن مايك بينس مُنِح من قبل الرئيس بعض التكليفات في إدارة ملف الصراع العربي الإسرائيلي سابق لموعده، ومن المبكر التأكيد على أنه سينجح في مهمة تبدو للجميع عصيّة، وتحتاج إلى ترتيبات واستعدادات غير مسبوقة، وتعمل في سياق متعدد المسارات والاتجاهات؛ التي قد تجهل تفاصيلها الإدارة الأمريكية التي تتصور أنها قادرة على الحل والحسم، وممارسة نفوذها على الجميع، وهو تصور واهم لا يستند على أسس أو مرجعيات في مثل هذه الأجواء الغامضة من توقف الاتصالات واللقاءات الفلسطينية الأمريكية، وتصلّب الموقف الفلسطيني في إعطاء فرصة للجانب الأمريكي، الذي بات متهماً بتصفية القضية الفلسطينية، ولا أمل في أن يعود وسيطاً محايداً وقادراً على الاستمرار في موقعه في ظل الوضع الراهن، وتصاعد أجواء الرفض لكل معطيات الحركة الأمريكية الحالية، والتي قد تتخذ ساتراً دبلوماسياً أو سياسياً بهدف عدم الصدام المتوقع بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وهو ما قد يحدث في أي لحظة، خاصة مع حالة التربص الإسرائيلي بالجانب الفلسطيني، خصوصاً في قطاع غزة، واستمرار توجيه الضربات المركزة على مواقع تتبع حركتَيْ حماس والجهاد ..
لا يملك إذن نائب الرئيس الأمريكي بنس عصا سحرية في التعامل مع الموقف الراهن، حيث لم يحصل على أي تفويض سياسي من الرئيس ترامب من أي نوع، بل هي أول مرة سيتدخل في قلب مشكلة الصراع العربي الإسرائيلي، على عكس مبعوثَيْ السلام سواء كان جارد كوشنر أم جيسون جرنبلات، واللذين انخرطا في التفاصيل، وسبق وأن طرحا بعض الأفكار الخاصة بالتسوية دون أن يقدما تصوراً مكتوباً يمكن أن يتم البدء به في مسار أي استئناف للاتصالات المقترحة في الفترة المقبلة، ويذكّر بالجولات المكوكية التي قام بها جون كيري وزير الخارجية الأمريكية السابق في إدارة الرئيس أوباما دون أن يتم التوصل لأي صيغة توافق .
يمكن اعتبار زيارة مايك بينس زيارة استطلاعية استكشافية أكثر منها سياسية، فالنائب يريد أن يعرف ما هي المواقف السياسية المُستجدة لمصر والأردن، وهما بطبيعة الحال معنيتان بمسار التفاوض بصرف النظر عن شكله، أو إطاره المقترح عربياً وإسرائيلياً.
كما أن بينس سيقوم بزيارة إسرائيل، وسيلقي كلمة في الكنيست؛ مؤكداً على طبيعة التحالف السياسي والأمني بين البلدين، وسيبعث برسائل التطمينات والضمانات لإسرائيل بأن الولايات المتحدة ستبني جسوراً من التحالف الهيكلي الجديد، والذي تجاوز كل الإدارات السابقة مع إسرائيل بعد قرارها بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل .
لا تريد الولايات المتحدة من زيارة مايك بينس أن تقطع شعرة معاوية مع الدول العربية الرئيسية، خاصة أن السلطة الفلسطينية جمّدت كافة الاتصالات الأمنية والسياسية مع الإدارة الأمريكية، وأخذت منحى جديداً بعد صدور قرارات المجلس المركزي مؤخراً بتوصياته المباشرة، والتي أقرّت استراتيجية حركة حقيقية تحتاج إلى آليات تنفيذ، ومسارات يُبنى عليها، إضافة إلى تفعيل ما يتم الاتفاق بشأنه، بصرف النظر عن عدم حضور حركتي حماس والجهاد فعاليات المجلس، ومن ثم فإن الإدارة الأمريكية ستكون ساعية للتواصل مع أطراف عربية مؤثرة، وفي هذا الإطار سيكون الجانب الأردني، ولو لبعض الوقت، بديلاً عن الجانب الفلسطيني .
تسعى الإدارة الأمريكية، من خلال زيارة بينس، لتفويت الفرصة بصورة مباشرة على الأطراف الدولية، وإحباط مخطط الجانب الفلسطيني لإدخال روسيا وفرنسا والأمم المتحدة إلى دائرة التفاوض بجوار الولايات المتحدة، وعدم ترك الجانب الأمريكي وحده مهيمناً على قرار التفاوض؛ بعد أن أثبت أنه وسيط غير نزيه وغير منصف ومنحاز إلى الجانب الإسرائيلي، وهو ما يتطلب التفكير في صيغة مشابهة للمفاوضات مع إيران، ومحاولة محاكاة النموذج على الصراع العربي الإسرائيلي، حيث تراهن الإدارة الأمريكية على ضرورة تنحية الدورين الفرنسي وإفشال ما قد تخطط فيه فرنسياً بالدعوة إلي مؤتمر باريس 2، أو ترك الجانب الروسي لإعادة تكرار ما دعا إليه منذ سنوات باسم مؤتمر موسكو لسلام الشرق الأوسط.
التأكيد الأمريكي لسائر الأطراف العربية الأخرى، وللدول التي لن يزورها نائب ترامب، أن الإدارة الأمريكية تبقى وحدها صاحبة القرار في تحريك المشهد الفلسطيني الدولي، مع العمل على إبقاء العلاقات مع إسرائيل خارج دائرة التصنيف، وأنها علاقات راسخة لا يمكن أن تتأثر برئيس أو إدارة، خاصة أن الرئيس الأمريكي الحالي حقق ما لم يحققه رئيس أمريكي آخر للجانب الإسرائيلي، وهو ما يجب أن يُؤخَذ في الاعتبار، وفي ظل رهانات بأن الإدارة الأمريكية لن تتراجع عن نهجها الراهن، أو تعمل على تجميده في ظل منحها الضوء الأخضر لإسرائيل في الاستمرار في إدارة واستثمار ما يجري داخل القدس تحديداً، ومن خلال مخطط استيطاني متنامٍ مع البدء في التعامل مع سائر الملفات الأخرى؛ بما في ذلك ملف حق العودة (تقابل دعم وكالة أونروا)، وتقنين وضع المستوطنات وضمها إلى إسرائيل بالكامل، وتطبيق القانون الإسرائيلي على الأراضي المحتلة، مما يعني تنفيذ مخطط الضم والاستيعاب برغم تحذيرات المعارضة الإسرائيلية، وأجهزة المعلومات الإسرائيلية، والتي تخشى من انهيار الوضع الراهن والصدام مع الفلسطينيين في نهاية المطاف.
إن زيارة بينس إلى المنطقة يجب النظر إليها على أنها خطة إشغال سياسي من الطراز الأول، إلى حين يُرتّب الإسرائيليون والأمريكيون أوراقهم في التعامل مع المشهد الفلسطيني، والبدء في التعامل مع كل ملف من ملفات المفاوضات في إطارها النهائي كل على حدة، ولهذا فإن نائب الرئيس الأمريكي لن يطرح جديداً، وإنما سيسمع وينصت، وسيتكشّف المواقف والاتجاهات من منطلق أمريكي بالأساس، قبل أن يحسم الجانب الأمريكي مظلته الكاملة لإسرائيل، والتي ستنقل ومن داخل الكنيست رسائل الدعم والمساندة الكاملة، ليس فيما يجري في القدس، وإنما في سائر الملفات الأخرى، وصولاً لمخطط أمريكي في إفشال الخطوات الفلسطينية التي يُرتَّب لها الآن في الدوائر الفلسطينية؛ بالسعي للحصول على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، والعمل على تنفيذ مخطط وضع الأراضي العربية تحت صيغة الأراضي المشمولة بالرعاية والائتمان الدولي باعتبارها أراضي محتلة ..
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة