تونس والانتخابات التشريعية الثانية.. صعود المستقلين
هاجس الهزيمة سيطر على حركة النهضة، ما دفعها إلى تغيير خطابها السياسي واستحضار منطق الثورة وتخويف الناخبين من المصير السياسي المظلم
يتوجه أكثر من 7 ملايين ناخب تونسي إلى صناديق الاقتراع يوم غد الأحد لاختيار 217 عضوا من بين 15 ألف مرشح ضمن 1503 قائمة انتخابية. في ثاني انتخابات تشريعية تجرى بعد إقرار الدستور في 2014.
ويتجاوز عدد المرشحين 15 ألف مرشح بمعدل 72 متنافسا على كل مقعد برلماني ما يلهب الصراع بين المرشحين.
وتعزز كثرة المرشحين خاصة كتلة المستقلين فرضية إفراز برلمان متنوع الكتل، كما أن هذه الانتخابات جاءت بعد ٣ أسابيع من الدورة الأولى للانتخابات الرئاسية التي كانت "زلزالا انتخابيا" ما يكسبها زخما خاصا.
و بلغت القوائم المقبولة لخوض الانتخابات نحو 1503 قائمة، موزعة بين 673 قائمة حزبية، و312 ائتلافية و518 مستقلة. وبلغ عدد القوائم المترشحة في الداخل 1340 قائمة و163 عن الخارج.
من كل هذه القوائم هنالك 10 أحزاب فقط، قدمت قوائم في كل الدوائر الانتخابية بالداخل، ونحو 175 حزبا قدموا ترشحا في دائرة واحدة فقط، إلى جانب 25 حزبا قدمت ترشيحات في أكثر من دائرة انتخابية، فيما لم تقدم 10 أحزاب أي قوائم. وستجرى الانتخابات التشريعية يوم 6 أكتوبر/تشرين الأول 2019 في الداخل وأيام 4 و5 و6 أكتوبر في الخارج.
وتتصدر المشهد الانتخابي التشريعي نحو 3 قوى رئيسية تتنافس على الفوز بالمقاعد الـ 217 لمجلس النواب التونسي يمكن بيانها على النحو التالي:
المستقلون:
يشارك المستقلون بـ518 قائمة موزعة على مختلف الدوائر الانتخابية، في الداخل والخارج، ما طرح تساؤلات حول مصيرها وقدرتها على إحداث مفاجأة، كما حدث العام الماضي في الانتخابات المحلية.
وعند قراءة هذه القوائم نلاحظ أنها جاءت في مرتبة متقدمة، متجاوزة عددا من القوائم والائتلافات.
ويرجع صعودها لعدد من العوامل أبرزها خبراتها 8 سنوات من الممارسة الديمقراطية، وبعد خوضها استحقاقات انتخابية سابقة بدأت معها النخب السياسية في فهم العملية الانتخابية ومتطلباتها، فضلا عن ذلك هروب بعض النخب السياسية من الترشح على القوائم الحزبية، لوجود انطباع عام لدى المواطنين التونسيين بأنها فشلت بتنفيذ وعودها الانتخابية السابقة.
فضلا عن دلالات التصويت خاصة في الانتخابات المحلية التي أجريت عام 2018 وحصلت القوائم المستقلة على أغلبية المقاعد، بواقع 32.9% متقدمة على أحزاب: النهضة 26.6% ونداء تونس 22.7% ثم الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية التي صعد فيها المرشح المستقل قيس سعيد للجولة الثانية في السباق الرئاسي على أكتاف المستقلين.
وبينت هذه المتغيرات أن هناك نفورا من الأحزاب السياسية خاصة تلك التي نالت فرصتها للحكم وكانت حصيلتها هزيلة. ومن ثمة فضلت بعض النخب السياسية خوض الانتخابات التشريعية بثوب جديد وضمن قائمات بتسميات جديدة.
حركة النهضة:
تمثل الانتخابات التشريعية لحركة النهضة الإخوانية فرصة مهمة لإيجاد موقع لها ضمن خريطة النظام السياسي التونسي والحفاظ على تمركزها فيه. خاصة بعد التراجع الذي شهدته خلال الاستحقاقات الانتخابية الماضية، ومنها انتخابات الرئاسة التي أجريت في عام 2014، حيث دعمت المنصف المرزوقي لكنه خسر السباق لصالح الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي.
كذلك كان الفشل ملازماً للنهضة في الانتخابات التشريعية التي أجريت في العام نفسه، وتراجعت للمرتبة الثانية لصالح حزب نداء تونس، وفي الانتخابات المحلية التي أجريت العام تراجعت حظوظها كذلك وحلت في المرتبة الثانية بعد المستقلين، وأخيرا خسارة مرشحها عبدالفتاح مور في الجولة الأولى من السباق الرئاسي التي أجريت منتصف سبتمبر/أيلول المنقضي.
وعلى ذلك قامت الحركة بالترشح في كل الدوائر بالداخل والخارج، وبلغ عدد مرشحيها للانتخابات التشريعية 793 مرشحا، منهم 491 من الرجال، و302 من النساء، بينهم 193 شابا. ومن بينهم أيضا 55 نائبا من الكتلة البرلمانية الحالية. ويأتي رئيس حركة النهضة "راشد الغنوشي" أبرز المرشحين على قوائمها في دائرة تونس 1.
من الملاحظ أن هاجس الهزيمة سيطر على حركة النهضة والخوف من تكرارها، ما دفعها إلى تغيير خطابها السياسي واستحضار منطق الثورة وتخويف الناخبين من المصير السياسي المظلم.
وهذا يطرح تساؤلات عدة، لعل أهمها: ما الذي تريده حركة النهضة ذات المرجعية الدينية خلال الفترة المقبلة؟ وهل المغالبة الواضحة في ترشيحاتها في الانتخابات التشريعية تعبّر عن رغبة في التغوّل السياسي؟
فمن الواضح أن حركة النهضة تريد أن تحتفظ بأغلبية برلمانية، واتخذت لتحقيق ذلك عددا من الأمور يأتي في مقدمتها، الترشح على مقاعد البرلمان كافة، ثانيا قيام رئيس حزب حركة النهضة راشد الغنوشي بمحاولات للتأثير على الناخبين عن طريق إيحائه بوقوع صدام بين رأسي السلطة في حال فوز حزب "قلب تونس"، برئاسة المرشح الرئاسي نبيل القروي، في الانتخابات التشريعية مقابل فوز قيس سعيد بالرئاسة.
وفي تصريح آخر قال الغنوشي إن دعم الحزب للمرشح المستقل قيس سعيد في الدور الثاني ضد منافسه نبيل القروي يصب في خدمة أهداف الثورة.
ويبدو أن خطاب زعيم النهضة يتمحور على تخويف الناخبين من نفق سياسي مظلم قد يحل بالبلاد، في حال إقبالهم على التصويت بكثرة لحزب قلب تونس الذي يترأسه القروي. فلجأ إلى حث التونسيين على انتخاب حزبه ليكون الحزب الذي يعدّل كفة الميزان السياسي، ويُنهي الصراع المحتمل بين قيس سعيد ونبيل القروي.
ثالثا: قيام رئيس الحركة بالترشح بدائرة تونس 1، يؤكد أطماع "الغنوشي" في منصبي رئاسة الوزراء ورئاسة البرلمان، وربما ما هو أكثر من ذلك، في حال فوز حزبه بالانتخابات التشريعية المقبلة.
قلب تونس:
يدخل حزب "قلب تونس" ومؤسسه نبيل القروي الانتخابات النيابية بحافز كبير مدعوما بترشح رئيسه للجولة الرئاسية الثانية في إطار ما عرف بتصويت "العقاب" ضد المنظومة الحاكمة وممثليها الذين لم يقدموا حلولا اقتصادية واجتماعية للتونسيين، تليه حركة النهضة ثم أحزاب أخرى، ما يشير إلى أن الانتخابات البرلمانية ستشهد هي الأخرى تحالفات سياسية وحزبية مهمة.
ارتباك المشهد الحزبي:
تتنافس الأحزاب التونسية في هذه الانتخابات بنحو 673 قائمة، ولا شك أن نتائج الجولة الأولى للسباق الرئاسي أربكت حسابات أغلبية الأحزاب التي سارعت إلى تغيير تكتيكاتها ومضامين شعاراتها السياسية في مسعى لاحتواء تلك الارتدادات.
وشمل الارتباك بجانب ما أصاب حزب حركة النهضة، حزب تحيا تونس، ونداء تونس، والأحزاب اليسارية وما أصابها جميعا من انشقاقات، حيث تبدل خطابها السياسي.
وتبقى الانتخابات التشريعية، كما كان الحال بالنسبة للدورة الرئاسية الأولى، مفتوحة على كافة الاحتمالات، ولكن من المتوقع أن تستفيد اللوائح المستقلة من التوجه العام للناخب التونسي الذي عبّر عن رفضه لسياسات الحكم الحالية.
وسيكون حزب "قلب تونس" المستفيد الأكبر من هذا التوجه العام وسيزيد من حظوظ نبيل القروي في الدورة الثانية أمام منافسه قيس سعيّد الذي أعلن حزب "النهضة" دعمه رسميا.
aXA6IDE4LjE4OC4yMjMuMTIwIA== جزيرة ام اند امز