تونس في 2019.. خارطة سياسية متحولة وزيادة عزلة الإخوان
فشل حكومة التحالف بين يوسف الشاهد والإخوان سنة 2019 عزز ظهور تيارات سياسية مستقلة لا تحمل انتماءات حزبية سابقة.
عام من التحولات السياسية في تونس وتبعثر الخارطة السياسية بعد انتخابات 6 أكتوبر/تشرين الأول التشريعية التي ما زالت تبحث نتائجها عن مسالك واضحة لتثبيت الاستقرار بالبلاد.
2019 شهدت كذلك وفاة الرئيس السابق، الباجي قايد السبسي، وانتخاب قيس سعيد رئيسا جديدا للبلاد، وانقسام وانشقاق كبير في صفوف الإخوان رغم الأغلبية البرلمانية التي حققتها في الانتخابات الأخيرة.
فحركة النهضة الإخوانية التي فازت سنة 2011 بالانتخابات التشريعية بأغلبية مليون و400 ألف ناخب تجد نفسها منهارة في الاستحقاق التشريعي بالاكتفاء بـ400 ألف صوت خلال هذه السنة.
واعتبر خبراء أن فشل حكومة التحالف بين يوسف الشاهد والإخوان سنة 2019 عزز ظهور تيارات سياسية مستقلة لا تحمل انتماءات حزبية سابقة وصعود قيس سعيد إلى رئاسة الجمهورية.
فشل في إدارة الأزمة
كانت بداية 2019 فاتحة لإضراب عام خاضه الاتحاد العام التونسي للشغل ضد حكومة الإخوان نتيجة لما سمّته المنظمة النقابية انهيارا للقدرة الاستهلاكية وفشل الشاهد في معالجة الأزمات الاقتصادية.
سامي الطاهري، الأمين العام المساعد للاتحاد العام التونسي للشغل، قال إن حكومة يوسف الشاهد لم تستطِع تجاوز نسبة 1% من النمو الاقتصادي ولم تحقق طيلة سنة 2019 النجاعة الاقتصادية القادرة على استيعاب النسب العالية للبطالة.
وقد راوحت نسبة البطالة في تونس في الربع الأول لسنة 2019 نسبة 16% حسب المعهد التونسي للإحصاء (حكومي)، بمعدل 800 ألف عاطل عن العمل، 50% منهم من أصحاب الشهادات العليا.
وأضاف الطاهري، في تصريحات لـ"العين الإخبارية"، أن حكومة يوسف الشاهد لم تطرح الإصلاحات التي كانت قادرة على إنجاح المؤسسات العمومية واقتصرت الأطروحات الاقتصادية على مجرد الخطابات النظرية التي لا تحمل مضمونا جديا للإصلاح.
هذه العطالة الاقتصادية خلقت منسوبا عاليا من الخلافات السياسية بين حكومة يوسف الشاهد والإخوان ومعارضيها خاصة من الجبهات اليسارية طيلة عام 2019.
وفاة السبسي.. نهاية مرحلة
يوم 25 يوليو/تموز، رحل الرئيس الخامس للجمهورية التونسية الباجي قائد السبسي عن عمر يناهز 93 سنة بعد وعكة صحية بدأت منذ 27 يونيو/حزيران من العام ذاته.
وفاة قائد السبسي دفعت رئيس البرلمان محمد الناصر إلى خلافته وفق نص الدستور التونسي لسنة 2014 الذي ينص على ضرورة تولي رئيس مجلس نواب الشعب رئاسة الجمهورية في حال تسجيل شغور دائم في منصب رئيس الدولة وذلك لمدة 90 يوما.
ويصف الرئيس السابق المؤقت محمد الناصر فترة توليه رئاسة الجمهورية بأنها استجابة لمؤسسات الدولة وأنه عمل على استمرارية الدولة والإشراف على الانتخابات الرئاسية والتشريعية بشكل محايد من كل الأطراف السياسية.
وقال في تصريحات لـ"العين الإخبارية" إن الباجي قائد السبسي قدّم من الجهد الكبير لتونس للمحافظة على سلامة علاقتها الدبلوماسية خاصة مع شركائها التقليديين في العالم العربي وفي إرادته القوية على دعم الدولة في حربها على الإرهاب والتطرف.
وكان الباجي قائد السبسي قد أكد خلال خطابه في القمة العربية التي انعقدت في تونس أواخر مارس/آذار 2019 على التزام الدولة التونسية بالوقوف وراء التحالف العربي ضد الإرهاب الذي تقوده المملكة العربية السعودية.
مسارات البناء الديمقراطي
وفاة الباجي قائد السبسي في النصف الثاني من سنة 2019 دفعت القوى السياسية وفق مضامين الدستور إلى الاستعداد لانتخابات رئاسية وقع تحديد جولتها الأولى في 15 سبتمبر/أيلول 2019.
وقد ترشح للسباق على المنصب 26 مترشحا؛ فاز منهم اثنان هما قيس سعيد بنسبة 18% ونبيل القروي رئيس حزب قلب تونس بـ15%.
عن هذه النتيجة، قال أستاذ علم الاجتماع السياسي جهاد العيدودي، إنها خلطت الأوراق السياسية أمام حركة النهضة الإخوانية التي قدمت أمينها العام المساعد عبدالفتاح مورو للانتخابات الرئاسية.
وأوضح العيدودي، في تصريحات لـ"العين الإخبارية"، أنها كانت ضربة موجعة في خاصرة حركة النهضة جعلتها تلتجئ إلى الخطاب المتطرف من جديد لتحفيز قواعدها ولاستعادة الخطاب العنيف ضد خصومها الداعي للتصفية.
وأشار إلى أنه رغم دعوات العنف في تفاصيل الخطاب الانتخابي للإخوان خلال الانتخابات التشريعية التي جرت 6 أكتوبر/تشرين الأول؛ فإنها عجزت عن تحقيق الأغلبية المطلقة التي تؤهلها لتشكيل الحكومة بكثير من الراحة.
واكتفى الإخوان بـ52 مقعدا (من إجمالي 217) بعجز يتجاوز النصف عن العدد المطلوب للمصادقة على الحكومة القادمة التي سيضع عناصرها الحبيب الجملي وسط عزوف حزبي عن المشاركة فيها.
مشهد برلماني مشتت
ولا زال يقف رئيس الحكومة المكلف الحبيب الجملي في نهايات 2019 عاجزا عن إيجاد التوليفة السياسية الضرورية لتشكيل حكومته وهو المقترح من قبل حركة النهضة الإخوانية باعتبارها تحوز الأغلبية البرلمانية.
والجملي أكاديمي في مجال الزراعة لم يسجل له التونسيون تاريخا سياسيا في أحد الأحزاب في زمن الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي وقد شغل فقط منصب كاتب دولة للزراعة سنة 2012.
هذا المنصب الذي شغله الجملي سابقا جعل منه محلا لعدم الثقة من قبل المعارضين السياسيين ومن قبل المنظمات النقابية التي حذرته من مغبة الارتماء في أحضان الإخوان وضرورة الاستجابة لمطالب التونسيين.
وقد رفض كل من حزب التيار الديمقراطي (22 نائبا) وحركة الشعب القومية (18 نائبا) وحركة تحيا تونس (14 نائبا) والحزب الدستوري الحر (18 نائبا) خلال بياناتهم المعلنة الانخراط في حكومة الجملي، وهو ما يجعله في مأزق جدي لتشكيل حكومته التي تشارف نهاية العام دون أن يحدد ملامحها الأساسية.
انتخابات 2019.. أغلبية المعارضة
سجلت نتائج الانتخابات التشريعية في تونس التي انتظمت في 6 أكتوبر/تشرين الأول فوزا محدودا لحركة النهضة مقابل إعلان 4 قوى رئيسية معارضتها للحركة الإخوانية؛ ما يجعل، حسب العديد من المراقبين، المعارضة في موقع الأغلبية.
وأمام 54 نائبا إخوانيا يوجد قرابة 150 نائبا معارضا لسياستها، يمثل حزب قلب تونس (38 نائبا) وحركة تحيا تونس وحركة الشعب والتيار الديمقراطي أبرز عناوينها.
وقالت الباحثة في العلوم السياسية، منجية حمدي، إن حركة النهضة تعيش فترة سقوطها الانتخابي ولم تعد تتحكم في المشهد السياسي خاصة بعد سلسلة الاستقالات التي عرفتها طيلة سنة 2019.
وقالت حمدي، في تصريحات لـ"العين الإخبارية"، إن هذه الاستقالات لها علاقة بالصراعات الداخلية في حركة النهضة التي ستؤثر في مستقبل الحركة خلال السنة المقبلة.
وقد شهدت الحركة الإخوانية استقالات مهمة خلال هذه السنة شملت في شهر يونيو/حزيران الماضي المكلف بالعلاقات الخارجية محمد غراد، وأمين سر مكتب راشد الغنوشي زبير الشهودي، وعضو مجلس الشورى حاتم بولبيار، والأمين العام للحركة زياد العذاري، مع توقع استقالة عبدالفتاح مورو من حركة النهضة بعد إعلانه اعتزال السياسة.
ضربات إرهابية
لم تندمل جراح التونسيين من الضربات الإرهابية وذلك ضمن سلسلة من الحرب المفتوحة على الإرهاب انطلقت منذ سنة 2011.
وكان شارع الحبيب بورقيبة قلب العاصمة مسرحا لتفجير شخصين لنفسيهما؛ ما أدى إلى وفاة شرطي وجرح عدد من قوات الأمن وذلك يوم 27 يونيو/حزيران 2019.
هذه الحادثة سبقتها أخرى نفذتها الطالبة "منى قبلة" في الشارع الرئيسي نفسه وأسفرت عن جرح العديد من قوات الأمن التونسي.
القيادي باتحاد الطلبة، رياض جراد، قال، في تصريحات لـ"العين الاخبارية"، إن الخطاب المتطرف للإخوان يمثل المدرسة الأولى لنشأة الإرهابيين.
وأوضح أن حركة النهضة تقوم بتجنيد طلابها من مختلف الجامعات التونسية لخدمة أجنداتها الإخوانية وخلق ورشة من المتطرفين.
aXA6IDMuMTQ3LjI3LjEyOSA= جزيرة ام اند امز