الإخواني التونسي الحبيب اللوز.. منبر ورصاص
"لو كنت شابا لذهبت إلى سوريا للجهاد"، كانت تلك جملته المسمومة التي زجت بالعديد من شباب تونس بأتون التطرف والإرهاب.
الحبيب اللوز، الإخواني الذي يصنفه خبراء التنظيمات الإرهابية بالأخطر في تونس، فهو الأشد تطرفا فكريا والمقرب من التيار السلفي، وهذا ما يفسر تماهي مواقفه تقريبا مع تنظيم "أنصار الشريعة" المحظور محليا.
وقال عبارته تلك في عام 2013، وكانت بمثابة كلمة السر التي فتحت الحدود، زمن حكم الإخوان، أمام عدد كبير من الشباب ممن وقعوا بفخ التطرف، وتحولوا إلى صادرات للإرهاب.
يبلغ من العمر 70 عاما، وسبق أن حصل على مقعد بالبرلمان الانتقالي في 2011، وكان أداة استقطاب رئيسية للإرهاب ومغذياً لآلة الدعاية التي تعتمد على إقناع الشباب بأنهم في مواجهة دولة معادية للإسلام والدين.
والخميس، يعود اسم اللوز للواجهة باستجوابه من قبل قاضي التحقيق الأول بالقطب القضائي لمكافحة الإرهاب (محكمة مختصة) على خلفية قضية متعلقة بشكوى تقدمت بها هيئة الدفاع عن شكري بلعيد ومحمد البراهمي ضد وكيل الجمهورية السابق للمحكمة الابتدائية بتونس (المدعي العام المعزول المتستر على جرائم الإخوان) البشير العكرمي.
ظهور جديد ينبش سيرة تطرف تعود عليها "العين الإخبارية" ضمن سلسلة تقارير تتناول السجل الأسود لقيادات حركة النهضة الإخوانية في تونس.
اغتيالات
يعتبر اللوز من صقور التيار الإخواني المتزمت دينيا والأكثر تشددا وعرف بقرب مواقفه من تنظيم "أنصار الشريعة" المتهم باغتيال السياسيين التونسيين شكري بلعيد ومحمد البراهمي في 2013، بإيعاز من حركة النهضة الإخوانية.
وبعد تفكك خيوط جريمة اغتيال بلعيد بعد عشر سنوات كاملة، صدرت بحق اللوز، في مارس/ أذار الماضي، مذكرة إيداع بالسجن، وذلك على إثر شكوى تقدمت بها ضده هيئة الدفاع في قضية اغتيال القياديين بلعيد والبراهمي.
وسبق أن حفظ القضاء القضية التي أحيل من أجلها اللوز حين كان الجهاز تحت سيطرة الإخوان، قبل أن يتم إعادة فتحها مؤخرا.
وأواخر 2012، حرض اللوز على القيادي اليساري شكري بلعيد، ونشر مزاعم لا أساس لها في محاولة لتأليب الرأي العام ضده، بعد تكفيره.
وفي تصريحات سابقة لـ"العين الإخبارية"، قال عبد الناصر العويني عضو هيئة الدفاع عن بلعيد والبراهمي، إن "النواة الصلبة لتنظيم أنصار الشريعة (المحظور) وعلى رأسهم المدعو أبو عياض، خاضوا تجربة السجن في التسعينيات من القرن الماضي مع قيادات حركة النهضة الإخوانية بنفس التهمة وهي الانتماء لتنظيم إرهابي".
وأشار إلى أن "تحضير عملية اغتيال بلعيد تمت بين مسجدين (منطقتي ديبوزفيل والرحمة بالعاصمة) واللذين كانا منذ 2011 تحت إشراف تنظيم أنصار الشريعة ولعل أبرزهم القيادي وإمام جامع الرحمة شكري بن عثمان (المكنى أبو مهند) وسجن العام 2006 وكان عضو قيادة الجناح الدعوي لتنظيم أنصار الشريعة".
وأكد أنه "في الأبحاث المتعلقة بملف تسفير الإرهابيين إلى بؤر التوتر، اكتشفنا أن البرلماني السابق والقيادي بحركة النهضة الحبيب اللوز تدخل لشكري بن عثمان الذي تم إلقاء القبض عليه، عند علي العريض حينها عندما كان وزيرا للداخلية من أجل إطلاق سراحه، وهذا كله موثق في المكالمات الهاتفية، وتم تمكينه من السفر خارج البلاد".
زمن الإخوان
في قراءة للموضوع، يرى الصحبي الصديق، المحلل السياسي التونسي، أنه بعد عام 2011، افتكت حركة النهضة المساجد ولعبت على الوازع الديني والادعاء بأنّ من سيصوّت لهم فإنه "سيختار حرّاس الله في الأرض"، ومكنت المتطرّفين مثل اللوز من اعتلاء المنابر وتكفير معارضيهم.
ويقول الصديق في حديث لـ"العين الإخبارية، إن الحبيب اللوز طلب من مسؤول بوزارة الداخلية أن يمدّه بملف شكري بلعيد قبل اغتياله حتى يكشف مدى تواطئه مع نظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي، مضيفا أن الملف أظهر أن الفقيد شكري بلعيد كان معارضا شرسا للنظام السابق.
وأكد أنه بعد انتخابات أكتوبر/ تشرين الأول 2011، كان شكري من أشرس المتصدّين لمخطط الإخوان الذي كانت تعدّه حركة النهضة لتونس وعلا صوته وواجه رموز الإسلام السياسي في مختلف وسائل الإعلام.
وتابع: "كان بلعيد من أوائل من تفطنوا إلى أنّ المتطرّفين الإسلاميين هم أيادي الإخوان وأدوات تنفيذهم ما دفع باللوز إلى تكفيره واستباحة دمه بتعلة أنه يساري كافر".
الأخطر
يعد اللوز من أول الداعين إلى وجوب تضمين الدستور التونسي فصلا يقرّ بضرورة تطبيق الشريعة واعتبارها مصدرا أساسيا للتشريع في تونس، وقد استهجن كثيرون موقفه واعتبروه محاولة لزج البلاد إلى آتون الفتنة وإقصاء الآخر والعبث بمدنية الدولة.
كما اعتبر اللوز في أحد تصريحاته الشهيرة ختان البنات "عملية تجميل للمرأة"، ما فجر استنكارا واسعا، وانتقد بشدة قرار الحكومة غلق الجمعيات الراعية للإرهاب.
وفي عام 2012، توجه بخطاب للسلفيين يقول فيه "لو ينتهي حكم النهضة فسنعود كلنا للسجون"، وهذا ما حدث معه حين دخل مقصلة المحاسبة مع غيره من المتهمين بالإرهاب والفساد والمس بأمن تونس.
وقاد اللوز حملات دعوية في المساجد بصفته برلمانيا فاز بانتخابات 2011، وحرض على الاغتيالات وقام بتكفير قيادات اليسار.
وفي 2014، وبعد صعود حزب الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي "نداء تونس" إلى الحكم، وإبرام اتفاق شهير في باريس بين السبسي وزعيم الإخوان راشد الغنوشي، قررت حركة النهضة استبعاد الحبيب اللوز والصادق شورو من الترشح للانتخابات التشريعية للعام نفسه.
موقف تمويهي حاولت النهضة حينها تغطيته بالقول إنه جاء لكثرة مواقفهما التحريضية في الأعوام التي سبقتها والتي تدين الحركة بعد أن سعت إلى تسويق نفسها كحزب إسلامي معتدل، فيما يؤكد مطلعون أنه كان لأسباب حزبية تتعلق بالتناحر السياسي والحسابات الداخلية.
من هو اللوز؟
يعتبر الحبيب اللوز من المؤسسين لحركة "الاتجاه الإسلامي" التي أصبحت حركة النهضة لاحقا، حيث ترأس هيئة مجلس الشورى بين 1980 و1991، وبعد ذلك ترأس الحركة نفسها من يونيو/ حزيران 1991 إلى سبتمبر/ أيلول من العام نفسه، تاريخ اعتقاله.
وبعد 2011، أصبح الحبيب اللوز نائبا في المجلس الوطني التأسيسي (برلمان انتقالي) الذي انتخب في 23 أكتوبر/ تشرين أول 2011، عن حركة النهضة في دائرة صفاقس جنوب شرقي تونس.
وفي 14 سبتمبر/ أيلول 2022، قامت السلطات الأمنية المختصة بالبحث في جرائم الإرهاب بمحافظة صفاقس بتوقيف اللوز على ذمة التحقيق في قضية شبكات تسفير تونسيين إلى بؤر الإرهاب وتم إطلاق سراحه بعد تدهور حالته الصحية.
ويحقق القضاء التونسي حاليا في ملفات قضايا تسفير الشباب إلى بؤر التوتر والإرهاب خلال عامي 2012 و2013، وطالت تحقيقاته الموسعة مسؤولين أمنيين ووزراء سابقين ورجال أعمال وسياسيين مقربين من حركة النهضة الإخوانية.
وشملت قائمة المتهمين أكثر من 100 شخص تورطوا في تسفير الشباب للقتال ضمن المجموعات الإرهابية في سوريا.
وكانت التحقيقات في الملف الإرهابي قد انطلقت على خلفية شكوى تقدمت بها النائبة السابقة بالبرلمان، عضوة لجنة التحقيق في شبكات التسفير، فاطمة المسدي، منذ ديسمبر/ كانون أول 2021.
وفي تصريحات سابقة، أكدت المسدي أن "ما قدمته في الشكاية يثبت تورط حركة النهضة في أنشطة دعوية، ساهمت في قولبة عقول الشباب قبل تسفيرهم إلى سوريا، وتورط فيها القياديان الإخوانيان رضا الجوادي، والحبيب اللوز، وبعض الجمعيات المقربة من الإخوان".
كما أشارت لـ"العين الإخبارية"، إلى أن "قيادات أمنية سهلت عملية التسفير عبر تدليس جوازات السفر، وضلوع جمعيات وأحزاب سياسية وشركات في تمويل عملية التسفير".
المسدي تحدثت أيضا عن تقديمها لمبادرة لنواب البرلمان، لافتة إلى أنها الآن قيد الدراسة، واقترحت إنشاء هيكلة مشتركة مع الدول المتضررة من الإرهاب والتسفير للتحقيق وملاحقة وتسليم المتورطين الفارين وتعزيز التعاون الأمني والعسكري والقضائي في الغرض.
وتقبع قيادات بارزة من الإخوان في السجون في هذه قضية التسفير أبرزهم وزير الداخلية الأسبق علي العريض، وفتحي البلدي المكلف بمهمة سابقا بديوان وزير الداخلية والمشرف على الأمن الموازي للإخوان.
وأيضا محرز الزواري، المدير العام الأسبق للمصالح المختصة بوزارة الداخلية، والإخواني عبدالكريم العبيدي، رئيس فرقة حماية أمن الطائرات بوزارة الداخلية.
aXA6IDE4LjE5MS44Ny4xNTcg جزيرة ام اند امز