تكرونة.. قرية أمازيغية شامخة تروي تاريخ تونس
تكرونة هي قرية أمازيغية جبلية تقع في محافظة سوسة الساحلية التونسية، على بعد حوالي 100 كيلومتر من العاصمة تونس.
تتميز القرية بطابعها الفريد الذي يعكس حضارة الأمازيغ في شمال أفريقيا، كما أنها تشهد على حقبة مهمة من تاريخ البلاد.
تقع تكرونة فوق تلة صخرية صلبة، مما جعلها حصناً حصيناً على مر العصور.
حافظت القرية على تماسكها وصمدت أمام العوامل الطبيعية المختلفة، مما يعكس قوة وصلابة سكانها الأمازيغ.
يعد صمود تكرونة إلى اليوم دليلاً على تشبث الإنسان الأمازيغي بأرضه وثقافته وحضارته، فحتى يومنا هذا، مازال التونسيون يحتفظون بمخزونهم التراثي منذ العهد الأمازيغي.
يمكن الوصول إلى تكرونة سيراً على الأقدام فقط، حيث لا يمكن للحافلات أو السيارات أن تصل إليها. تحيط بالقرية أدراج منحوتة في الجبل، بناها سكانها الأمازيغ منذ قرون. كما توجد مسالك أخرى تشكل مداخل ومخارج للقرية، يعرفها سكانها جيداً.
وتضم تكرونة العديد من المعالم التاريخية والثقافية، منها: منازل قديمة مبنية من الحجارة والطين، ذات طابع أمازيغي مميز، مسجد تكرونة التاريخي، الذي يعود إلى القرن السادس الهجري، ومتحف تكرونة، الذي يضم مجموعة من الآثار والتحف التي تعكس تاريخ وحضارة المنطقة.
وتعد تكرونة من الوجهات السياحية المهمة في تونس، فهي وجهة مثالية للراغبين في اكتشاف تاريخ وثقافة الأمازيغ في شمال أفريقيا.
تحيط بتكرونة غابات الزيتون والأراضي الزراعية الواسعة، مما يمنحها مناظر خلابة. كما توفر القرية إطلالات رائعة على التلال المجاورة، والبحر الأبيض المتوسط الأزرق من بعيد.
ويعتقد بعض المؤرخين أن سكان تكرونة ينحدرون من قبيلة أمازيغية تحمل نفس الاسم.
وقد تم تشييد مباني تكرونة بالحجارة الجبلية على الطريقة الأمازيغية، حيث الغرف ذات السقف النصف دائري التي تحيط بفناء في شكل ساحة صغيرة.
وانعكس ضيق المساحة التي بنيت عليها تكرونة في أعلى الجبل على المنازل، فتم إنشاؤها ضيقة حتى يتسع المكان إلى الجميع.
ولا تزال العائلات التي تقطن القرية تحافظ على العادات الأمازيغيّة، وعلى خصائص المطبخ الأمازيغيّ من خلال المواظبة على إعداد خبز الطّابونة (التنور) وطهي الأكلات الأمازيغيّة كالمحمّصة والكسكسي.
ويوجد بهذه القرية أماكن يرتادها السياح من أجل قضاء يوم كامل، حيث تقدم لمحة على التراث الأمازيغي في تونس، حيث يوجد مطاعم تقليدية عتيقة لتذوق أطباق أمازيغية مثل الكسكسي والبسيسة والحبار المحشي والعصيدة.
وقال المؤرخ التونسي عبدالقادر السيليني إن الحضارة الأمازيغية من أقدم الحضارات في شمال أفريقيا، حيث تمتد إلى أكثر من 3000 سنة. ويمتلك الأمازيغ تقويمًا زمنيًا خاصًا بهم، حيث يعتقدون أنهم الآن في عام 2973.
وأوضح السيليني لـ"العين الإخبارية" أن الأمازيغ هم السكان الأصليون لشمال أفريقيا، وكانوا يختارون السكن إما في الكهوف السفلية، مثل بلدة مطماطة الواقعة في محافظة قابس جنوب شرقي البلاد، أو في أعالي الجبال، مثل قرية تكرونة.
وأضاف أن قرى الأمازيغ، مثل تكرونة، كانت تُبنى على هضاب مرتفعة كعنصر من عناصر الدفاع عن السكان، حيث كانت توفر لهم رؤية واضحة للعدو.
ورغم التطور الحضاري الذي شهدته المنطقة، إلا أن أهالي تكرونة ظلوا متمسكين بجبلهم الذي شهد على تاريخهم الأمازيغي البربري، وعلى حقبات هامة في تاريخ تونس.
وأوضح السيليني أن من أبرز القرى الأمازيغية التي مازالت صامدة في تونس، بالإضافة إلى تكرونة، قرية مطماطة، وقرية تمغزة الجنوبية، وقرية كسرى.