التونسي كمال العيادي لـ"العين الإخبارية": أكتب أعمالي بروح ماكرة
الروائي التونسي كمال العيادي يؤكد أنه ينسى في أحيان كثيرة أن شخصياته الروائية مجرد كائنات ورقية ويبكي لبُكائها ويفرح لفرحها
قال الروائي التونسي كمال العيادي إنه ليس مجرّد حكّاء يصف الواقع فحسب, وإنما يختلق شخوصه من العدم, ويبعثها في فضاء زمني ومكاني حقيقي.
وكمال العيادي من مواليد مدينة القيروان في 11 يونيو/حزيران 1967، وينشر إنتاجه منذ سنة 1983، ودرس المسرح بتونس ثم السينما بموسكو ثم الاقتصاد الدولي والتسويق بميونيخ بألمانيا، ويعيش بين ميونيخ والقاهرة التي وصفها بأنها مصدر إلهام لقصصه.
ومن أهم إنتاجاته الأدبية رواية "نادي العباقرة الأخيار" في 2015، والمجموعات القصصية "رحلة إلى الجحيم" في 2009، و"غابة الخبز" في 2010، و“أرواح هائمة" في 2014، وصدرت له مؤخرا مجموعة جديدة بعنوان: "حومة علي باي وضواحيها".
في حواره مع "العين الإخبارية" أكد العيادي أنه يكتب بروح ماكرة، وينسى في أحيان كثيرة أن شخصياته الروائية مجرّد كائنات ورقيّة ويبكي لبُكائها ويفرح لفرحها، ويتخيّلها في مناماته.. وإلى نص الحوار:
- سبق أن قلت إنك بكيت بمجرد تسلمك غلاف مجموعتك القصصية الجديدة "حومة علي باي وضواحيها"، لماذا؟
لقد أجهشتُ بالبكاء فعلا، ورغم أنّ إصداراتي الورقيّة تملأ رفين وأكثر, فأنا أبكي كلّما صدر لي كتاب ورقيّ جديد, ذلك أنّني أتهيّب الورق ويعتريني إحساس بأنّني بعثت للنّاس بإحدى فلذات كبدي ليكون حجّتي وشهادتي على نفسي وعليهم.
وأيضا، هناك شعور حادّ ومؤسف يلازمني مع صدور كلّ كتاب ورقي بأنّه انسلخ عنّي ولم يعد ملكي وأنّه سيكون كتابي الأخير، لهذه الأسباب بكيت، ثمّ إنّ دمعتي التي تخون في الجسام من الأمور، وتتحجّر، تتهاطل ببذخ، حين يتعلّق الأمر بمولود إبداعي جديد, يحمل اسمي ورسمي وجيناتي.
- أين تضع هذه المجموعة في سياق مشروعك الإبداعي؟
- أنا لا ألتفت للوراء أبدا, حتى إنني أنسى عناوين كتبي, لهذه الدرجة أنا خائن لكلّ ما نضج من فلذاتي كبدي الإبداعيّة.
وأعتبر أنّ مجموعة "حومة علي باي وضواحيها" لها مكانة خاصة عندي, مكانة روحيّة وسيكولوجية وإبداعية, ذلك أنها غير مسبوقة على ما أعلم, وهي ليست سيرة ذاتية, كما فعل محمد شكري مثلا, لأنني مبدع حقيقيّ, ولست مجرّد حكّاء يصف الواقع بأمانة وبذاءة, أنا أختلق شخوصي من العدم, وأبعثها في فضاء زمني ومكاني حقيقيّ, وأعتبر أنني أكتب بروح ماكرة جدا.
وفي أحيان كثيرة أنسى أنّ ما أكتبه مجرّد كائنات ورقيّة وأبكي لبُكائها وأفرح لفرحها, وأتخيّلها في منامي وكأنّها من خلق الله وليست من خلقي أنا، وهذه بلاهة من الله أحمده وأشكره صباح مساء عليه.
- من أين تأتي بهذه اللغة الحادة كنصل سكين، والمتوترة كلغم قابل للانفجار التي تميز كتاباتك عموما؟
- أنا لا أكتب بالطريقة التي اعتدناها, أنا أنزف حقيقة حين أكتب, أكتب وأنا مسكون بالشّخوص والحالة, ورغم أنّني مهندس ماكر وبارع في رسم الخرائط والجداول وحدود ذائقة ومؤهلات شخوصي وأتكلم بلغتها دون التعالي عليها, وأجنح في أغلب الأوقات إلى استعمال ضمير المتكلم, فأنا أستعمل لغة بسيطة لكنها عميقة, سهلة لكنها نافذة وحادّة مثل مشرط جرّاح.
- ما سر ولعك بالدخول إلى مناطق شائكة في عوالمك الإبداعية؟
- أنفر بطبعي من كلّ ما هو مستهلك ومكرّر, أنظر إلى آلاف الأعمال السّرديّة التي تصدر كلّ سنة في عالمنا العربي, باستثناء قلّة تُعدّ على أصابع اليد الواحدة, فكلها متشابهة كما تشبه البيضة بيضة أخرى, مجرّد ممارسة للعادة السّرديّة, حتى عاد القارئ ينفر من قراءة الأعمال السّرديّة المطولة, لكمّ البؤس الإبداعي والتجهّم والتعالي والحذلقة والتقعّر والافتعال فيها.
ووظيفتي كمبدع هي أن أضيف أو أنقطع فورا عن الكتابة, ففي الحياة مجالات أخرى يمكن أن نستهلك فيها جهدنا ومواهبنا, وحين سيتراءى لي أنني أكرّر نفسي فثق أنني سأتوقف عن النشر, وفي أقل الحالات فسأعلن فترة استراحة مطوّلة أجدّد فيها الشّاحن والمنابع والخرائط الإبداعية.
- لك تجربة مهمة في ترجمة عيون الشعر الروسي إلى العربية، لماذا لم تكررها؟
ترجمت العديد من قصص الأطفال عن الرّوسيّة, وأنا بصدد ترجمة عمل ضخم جدا عن الخرافات البافاريّة غير المعروفة, وكذلك ترجمة مسرحيات بافارية فاتنة لم تترجم بعد إلى أيّ لغة أخرى, بسبب صعوبة اللّهجة البافارية.
وسبق أن ترجمت قصائد غير معروفة لبوشكين ولدافيدوف وللرمانتوف وغيرهم وصدرت عن مختارات بيت الشعر بتونس وقد نعيد نشرها قريبا، ولكن مشروعي الإبداعي أهمّ عندي بكثير, فواجبي أن أكتب وأكتب، حتى تتراكم أوزاري الإبداعية، فإذا فاجأني الموت يوما, فتكون إصداراتي الورقيّة شفيعا لي أمام الأحفاد الذين سيأتون بعدنا بأجيال كثيرة.
aXA6IDE4LjIxOC45OS44MCA= جزيرة ام اند امز