دون خجل.. أردوغان يواصل حملات تشويه إمام أوغلو
أردوغان وحزبه يحرصان على استخدام الأبواق الإعلامية لتجميل النظام من جهة، وبث أكاذيب وإشاعات تتسم بالعنصرية بحق أي معارض.
يواصل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحزبه ورجاله ليل نهار، ودون خجل مسلسل تشويه المعارضة كذباً وافتراءً؛ رغم زعمهم باستمرار مبادئ المنافسة الشريفة التي تكفل للجميع حق السعي لتقلد المناصب من خلال خوض انتخابات ديمقراطية يفصل فيها الناخبون.
- "صنداي تايمز": "البلطجة" سلاح أردوغان لاستعادة بلدية إسطنبول
- شعبية إمام أوغلو تذبح أردوغان وفبركة الصور تفضح سقطاته
ويعرف حزب أردوغان بالطبع جيداً مدى تأثير مثل هذه الحملات على الناخبين؛ لا سيما مع اقتراب انتخابات الإعادة في مدينة إسطنبول على منصب رئيس بلديتها الذي سبق وأن فاز به مرشح المعارضة أكرم إمام أوغلو على منافسه مرشح العدالة والتنمية المخضرم، بن علي يلدريم، رئيس الوزراء الأسبق.
ولإدراك الحزب هذه الحقيقة جيداً فإنه يحرص دائماً على أن تظل بيديه الأدوات اللازمة لتشويه المعارضين، وتأتي على رأسها الأبواق الإعلامية التي تعمل ليل نهار على تجميل النظام من جهة، وبث أكاذيب وإشاعات تتسم بالعنصرية بحق أي معارض يجرؤ على إعلان رغبته في المنافسة الشريفة للحزب ورجاله عملاً بقواعد الديمقراطية المتعارف عليها في الدول التي تؤمن بمبادئ القانون.
وآخر حلقات مسلسل التشويه جاءت من خلال التشكيك في وطنية أكرم إمام أوغلو، والترويج لأنه يحظى بدعم اليونان، الدولة التي تعتبرها تركيا عدواً لها، في محاولة جديدة لتشويه سمعته وسط الناخبين، من خلال الزعم بأنه يخفي "أصولاً يونانية" وأنه ينوي تقديم الدعم لمن يعتزمون "تحويل إسطنبول إلى القسطنطينية مرة أخرى".
ويستغل حزب العدالة والتنمية العلاقات المتدهورة بين تركيا واليونان المستمرة منذ عقود طويلة، وتجددت في منتصف القرن الماضي، بسبب طرد اليونانيين من تركيا في الستينيات، والغزو التركي لشمالي قبرص عام 1974 والمواجهة بين البلدين حول بحر إيجة، ليضرب إمام أوغلو انتخابياً.
ومنذ وصول حزب العدالة والتنمية للحكم زادت العلاقة بين تركيا واليونان توتراً، في ظل الاعتداءات المتكررة لحكومة أردوغان على الحقوق القبرصية واليونانية في الغاز بشرق البحر المتوسط، حتى أصبحت اليونان الآن شبه عدو للنظام التركي.
التحرك الأخير لأردوغان ورجاله، وإعلامه لتشويه إمام أوغلو أمام الناخبين من خلال القول إنه "من أصول يونانية"، جاء على خلفية تقارير إعلامية ومواد إخبارية نشرتها في وقت سابق وسائل إعلام يونانية مختلفة؛ من بينها صحيفة (إيثنوس)، وصفت الرجل فيه بأنه "اليوناني البنطي الذي انتزع القسطنطينية من قبضة أردوغان" و"اليوناني الذي قام بفتح إسطنبول"، وذلك في إشارة إلى انحدار أصول إمام أوغلو من منطقة البحر الأسود شمالي تركيا، موطن اليونانيين البنطيين.
ومن ثم وعلى مدار الفترة الأخيرة مضى استمرت حملة التشويه بحق الرجل الذي انتزع بلدية إسطنبول من الحزب الحاكم؛ حيث اتهمته صحيفة (يني شفق) الموالية للحكومة من خلال أخبار ومقالات لكتابها، بأنه موالٍ لليونان، وسلطت الضوء على هذه النقطة زاعمة أنه قام ببناء "صنم" لكبير أساقفة الكنيسة القبرصية الأرثوذكسية الراحل مكاريوس الذي كان أول رئيس لقبرص بعد استقلال الجزيرة.
الكاتب بالصحيفة حسين ليك أوغلو، في مقال له حول هذا الموضوع صعد من نبرة الأمر، وذهب إلى القول إن مسألة الأصول العرقية لإمام أوغلو ليست مهمة، بل الأهم هو "كونه يخفي أصوله التي تنتمي لدولة تكن العداوة لتركيا؛ لا سيما في الآونة الأخيرة على خلفية التوترات في منطقة البحر المتوسط".
وتابع قائلاً في سياق حملة التشويه ذاتها "أعداء تركيا الذين يقفون خلف إمام أوغلو، سيعملون على افتعال أزمة سياسية في تركيا، ظناً منهم بأنهم سيصلون إلى ما يريدون بمجرد انشغال البلاد بهذه الأزمة. وإذا أردنا أن نقول بشكل أوضح، فإن هؤلاء يعتقدون أنه بإمكانهم أخذ تركيا إلى حيثما يريدون بمجرد التخلص من أردوغان".
في ذات السياق، قال نور الدين جانيكلي، نائب رئيس حزب العدالة والتنمية، في تصريحات جماهيرية أدلى بها مؤخراً: "تقول اليونان إن أكرم إمام أوغلو يوناني. وأثيرت العديد من التساؤلات والشكوك حول كونه مسيحياً"، متابعاً موجهاً حديثه لإمام أوغلو: "عليك أن تثبت أنك تؤيد الدولة التركية".
جانيكلي أضاف في حديثه أن إمام أوغلو من أصول يونانية مسيحية، مشيراً إلى جذوره التي تعود إلى مدينة طرابزون على ساحل البحر الأسود، وحكمها الفرس واليونانيون في العصور القديمة.
وسبق أن ذكر تقرير نشره موقع المونيتور الأمريكي، أن إمام أوغلو ولد في إحدى قرى ولاية طرابزون عام 1970 لأب يعمل بالزراعة وتربية الحيوانات وتوريد مواد البناء، وهاجر إلى إسطنبول عام 1987؛ حيث استقر في بلدية "بيليك دوزو" مطلع التسعينيات. وكان أكرم وقتها يبلغ من العمر 17 عاماً.
وعلى نفس الشاكلة قال فيصل أر أوغلو، الممثل الخاص لرئاسة لتركيا إلى العراق، المنتمي للعدالة والتنمية، إن "إمام أوغلو مدعوم من اليونان، لذلك فإن ناخبي إسطنبول المؤمنين بقيم الجمهورية التركية وقوميتها سيدعمون يلدريم".
ورغم محاولة العدالة والتنمية لإثارة المشاعر القومية ضد إمام أوغلو، إلا أن السحر انقلب على الساحر، إذ استقبل إمام أوغلو استقبال الأبطال في طرابزون، الأحد، وتوافد عدد كبير من السكان المحليين للترحيب به والاستماع إلى خطابه، وتكرر الأمر في عدد من الولايات الواقعة شمالي تركيا كزونغولداق، وريزه، وهي الولايات التي تذهب أغلبية أصواتها للعدالة والتنمية.
إمام أوغلو قال أمام الحشود الصاخبة في طرابزون: "بصرف النظر عن الجذور العرقية لأي مواطن، نحن نحترم الـ82 مليوناً الذين يعيشون في هذا البلد".
ولم تكن هذه الحملة الأخيرة هي أولى محاولات العدالة والتنمية لتشويه إمام أوغلو، فوسائل الإعلام الموالية لإردوغان اتهمت من قبل أوغلو بالإفطار في نهار رمضان، ونشرت له صورة يشرب المياه، مؤكدة أنها التقطت خلال الشهر الكريم، لكن بعض الصفحات المتخصصة في كشف الأكاذيب والشائعات على مواقع التواصل الاجتماعي، أوضحت أنها التقطت في 17 أبريل/نيسان، في احتفال بتسلم الرجل وثيقة رئاسة بلدية إسطنبول، أي قبل رمضان بأكثر من أسبوعين.
وفي واقعة أخرى تداولت وسائل الإعلام التركية الموالية لنظام أردوغان، مقطع فيديو لنقاش حاد بين إمام أوغلو وأحد الباعة، وقالت إنه صفع العامل على وجهه، ونددت بالواقعة، ووصفته بـ"الهمجي".
وزير الداخلية سليمان صويلو شارك في نشر الشائعة الملفقة، وقال إن إمام أوغلو صفع البائع، لأنه اتهمه بدعم حزب العمال الكردستاني وجماعة رجل الدين فتح الله غولن، الذي تتهمه أنقرة بتدبير المحاولة الانقلابية المزعومة صيف 2016.
ولقد رد إمام أوغلو على هذه الأكذوبة بنشر الفيديو الكامل للواقعة، والذي أظهر أنه يقول للفتى: "أنت تفتري عليّ.. اسمع، سأقول لك شيئاً مهماً، هل أنت متزوج"، فأجابه الفتى بنعم، ليرد مرة أخرى عليه قائلاً: "هل ترضى أن يفتري أحد على أهلك أو أبنائك"، فيقول الفتى: "لا.. لا أحد يمكنه الافتراء عليهم"، قبل أن ينهي إمام أوغلو حديثه للفتى، قائلاً: "حسناً لا تفتري عليّ أنا أيضاً.. مع السلامة".
لاحقاً، اتضح أن البائع الذي تشاجر مع إمام أوغلو كان مشاركاً في إعلان لدعم حزب العدالة والتنمية، وذكرت تقارير إعلامية معارضة أن الحزب الحاكم هو من دفعه لتوريط إمام أوغلو في أمر يثير الرأي العام ضده لاستغلاله إعلامياً لصالح أردوغان ورجاله.
ومني العدالة والتنمية بخسارة كبيرة في الانتخابات المحلية الأخيرة؛ حيث فقد أهم وأكبر المدن التركية وعلى رأسها إسطنبول، التي فاز بها المرشح عن حزب الشعب الجمهوري أكرم إمام أوغلو.
وعلى وقع الهزيمة داخل إسطنبول، قررت اللجنة العليا للانتخابات يوم 6 مايو/أيار الماضي، إعادة التصويت داخل المدينة في 23 يونيو/حزيران؛ بزعم وقوع مخالفات تصويتية كبيرة.
استطلاعات الرأي الأخيرة تُظهر أن إمام أوغلو يتقدم يلدريم بـ9 نقاط مئوية. لكن الملايين يترقبون مناظرة متوقعة بين المرشحين، مساء الأحد المقبل، والتي ستؤثر كثيراً في نسب التصويت وميول الناخبين.
aXA6IDMuMTYuNDcuODkg
جزيرة ام اند امز