ورطة العدالة والتنمية الثانية هي في ارتفاع أصوات حزب الحركة القومية في عموم تركيا، كما تقول غالبية الاستطلاعات.
قرار إنهاء التحالف بين حزبي "العدالة والتنمية" الحاكم في تركيا و"الحركة القومية" اليميني، كان له وقع الصاعقة على الداخل التركي؛ لأنه سيتسبب بعملية خلط أوراق حزبية وسياسية واسعة تقود إلى إعادة بناء التوازنات والتحالفات إذا ما تمسك الطرفان بمواقفهما حتى النهاية.
مفاجأة بهشلي بفض التحالف حملت معها الكثير من التساؤلات حول مدى ارتدادات مثل هذه الخطوة على العلاقة بين الحزبين، وعلى أصوات حزب العدالة في الانتخابات المقبلة، لا سيما أن الحزب لا يملك اليوم بمفرده الأغلبية المطلوبة تحت سقف البرلمان.
دولت بهشلي زعيم حزب الحركة القومية، يقول: إن قرار "الطلاق الانتخابي" هذا سيبقى محصورا في الانتخابات المحلية المقررة بتاريخ 31 مارس / آذار المقبل، وإن تحالف الجمهور الذي كانت بدايته في ميدان "يني قابي" حيث نظم المهرجان الشعبي الكبير بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة وترسخ في أكتوبر/ تشرين الأول 2016، بعدما أعلن بهشلي عن دعمه لخطة تغيير شكل النظام في تركيا والذهاب نحو النظام الرئاسي سيستمر، لكن غالبية المتابعين للشأن السياسي الداخلي التركي ترى أن القطيعة ستنتشر تدريجيا في أكثر من مكان، وستتفاقم وتطيح بهذا الحلف؛ بسبب تضارب المصالح والحسابات وتحمل حزب الحركة القومية أعباء الشراكة بمفرده.
أزمة العدالة والتنمية بعد هذا الانفصال السياسي بين الحزبين اليمينيين ستكون أكبر خلال سحب "الحركة القومية" دعمه لمرشحي العدالة في المدن الكبرى، إذ من الصعب أن يحقق حزب أردوغان الفوز بمفرده حسب استطلاعات الرأي، وخصوصا إذا ما قررت أحزاب المعارضة توحيد صفوفها في هذه الانتخابات
شعار "أنا ملزم بك من أجل استمرارية الدولة" الذي تبناه قيادات الحزبين أمام أكثر من أزمة، على عتبة الانفراط والتشرذم؛ بسبب تباعد في ملفات سياسية داخلية بينها مطالب الشريك الصغير في إصدار قانون عفو عام يشمل عشرات الآلاف والتمسك بقسم طلاب المدارس الصباحي في الولاء لتركيا الأتاتوركية العلمانية وانتقاداته لطريقة تعامل القيادات السياسية والحكومية مع ملفات سياسية داخلية وخارجية، بينها إطلاق سراح القس الأمريكي آندرو برانسون .
خلال دقائق فقط يعلن بهشلي أن حزبه سيخوض الانتخابات المحلية منفردا، ويرد أردوغان كل طرف في طريقه، وتتبدل خارطة التحالفات ولعبة التوازنات السياسية والحزبية في تركيا .
كتلة حزب بهشلي البرلمانية ساندته وصفقت وقوفا على الأقدام لهذا القرار، فهي تراهن على استطلاعات رأي أخيرة تتحدث عن ارتفاع متواصل في نسب أصوات الحزب، لكن ما تقوله قيادات العدالة والتنمية هو شيء آخر، فقد بدأت على الفور تنتقد خطوة بهشلي هذه مذكِّرةً بما فعله عام 2001 مع التحالف الحكومي وقتها، حيث انسحب من التكتل تاركا البلاد وسط أزمة مالية وسياسية حادة، وها هو يكرر ذلك اليوم متسببا برفع سعر الدولار ومحملا البلاد مليارات الدولارات من الخسائر خلال ساعات .
لكن المراهنين على استمرار التحالف والتنسيق بين الحزبين، يردّدون أن تسونامي دولت بهشلي سيكون له ارتداداته الكبيرة على حزبه وحزب شريكه في الحكم العدالة والتنمية، وهذا ما يعرفه كلا الطرفين، لذلك فإن قطيعة من هذا النوع لن تدوم طويلا وستعود المياه إلى مجاريها قريبا، فحزب الحركة القومية تمكن من البقاء تحت سقف البرلمان وتجاوز حاجز الـ10% بسبب دعم قواعد حزب العدالة والتنمية له، ولكن بعد هذا القرار الأخير، سيتحمل ارتدادات تخلي هذه المجموعتان عنه وعودتها إلى حضن الحزب الأم مما سيتركه أمام أزمة أكبر بعد الانتخابات المحلية المقبلة .
أزمة العدالة والتنمية بعد هذا الانفصال السياسي بين الحزبين اليمينيين، ستكون أكبر خلال سحب الحركة القومية دعمه لمرشحي العدالة في المدن الكبرى، حيث من الصعب أن يحقق حزب أردوغان الفوز بمفرده حسب استطلاعات الرأي، وخصوصا إذا ما قررت أحزاب المعارضة توحيد صفوفها في هذه الانتخابات .
ورطة العدالة والتنمية الثانية هي في ارتفاع أصوات حزب الحركة القومية في عموم تركيا كما تقول غالبية الاستطلاعات. فزيادة هذه الأصوات تتم عبر سحبها من المستودع الانتخابي للعدالة كما حدث في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، حيث استطاع الحزب القومي أخذ أكثر من 4% من أصواته من قواعد حزب العدالة مما سيتركه أمام أزمة أكبر في انتخابات البلديات بعد 5 أشهر .
فاروق أجار المشرف العام على إحدى أهم شركات استطلاعات الرأي التركية "أندي – أر " والعقل المخطط في حملة العدالة الانتخابية الأخيرة، يقول إن الحزب الحاكم سيخسر المدن الكبرى إذا ما قرر دخول الانتخابات منفردا، واستطاعت أحزاب المعارضة التوحد .
خسارة المدن الكبرى التركية مثل إسطنبول وأنقرة وأزمير ستعني الكارثة؛ لأن هذه المدن بمفردها تحصل على حصة الأسد من أصوات الناخب التركي، وهي التي تتحكم بالأجواء السياسية في البلاد، فكيف سيتحرك حزب العدالة لمواجهة هذه السيناريوهات الصعبة؟ إما أنه سيعود ويتصالح مع حزب دولت بهشلي ويعطيه ما يريده، إما أنه سيبحث عن حليف آخر قد يكون حزب "آيي" اليميني الآخر متجاهلا كل الحملات الدعائية والاتهامات السياسية بين الحزبين .
المشكلة الأهم التي تهدد حزب العدالة والتنمية قد تكون في العاصمة التركية أنقرة، حيث بدا الغزل السياسي يتزايد بين رئيس بلدية المدينة الأسبق مليح غوكشاك الذي أبعد عن منصبه بطلب من حزبه قبل أن ينهي فترة رئاسته لبلدية المدينة وبين حزب الحركة القومية الذي يوجه رسائل لغوكشاك أنه قد يقبل بترشحه لمنصبه مرة أخرى ولكن في صفوف الحركة القومية. إذا ما صحت هذه الأنباء فستعني حتما ضربة انتخابية قوية لحزب العدالة، حيث ستنقسم أصواته في أنقرة وسترتفع أصوات الحركة القومية أكثر فأكثر، مما يعني منح حزب الشعب الجمهوري اليساري فرصة الفوز بسبب هذه الانقسامات .
العديد من المتابعين لهذه التطورات يرون أن هذه الأزمة ستنتهي بسرعة وستعود الأمور إلى سابق عهدها؛ لأن حزب العدالة والتنمية يدرك أنه سيكون الخاسر في النهاية إذا ما طالت الأزمة وتفاقمت، ولأنه يعرف جيدا أنه لا فرص له في إدارة اللعبة السياسية بمفرده تحت سقف البرلمان، حيث فقد الأكثرية في الانتخابات البرلمانية الأخيرة وهو يحتاج إلى دعم الأحزاب الأخرى إذا ما كان يريد إصدار القوانين أو تعديلا في المواد الدستورية. لا بل إن أزمة حزب أردوغان ستكون إذا ما طال هذا التوتر وتشعب؛ إذ قد يتحول إلى مواجهة تباعد بينهما في التعامل مع الملفات الداخلية والخارجية، وتعيد الأمور إلى ما كانت عليه قبل 3 أعوام .
المغامرة التي تطارد العدالة والتنمية الذي يرفع شعار "تركيا الكبرى" في هذه المرحلة، هي سيناريو توحد أصوات الحزبين القوميين- الحركة القومية و"ايي بارتي "- تحت سقف البرلمان، حيث ستصل هذه النسبة إلى 20% من مقاعد البرلمان اليوم، لكنها قد تفاجئ اليمين التقليدي واليسار العلماني إذا ما قررت مثلا التوحد في الانتخابات المحلية المقبلة. فهل تقع مفاجأة من هذا النوع في اللحظة الأخيرة؟
في المقابل هناك من يرى أن "العدالة والتنمية" لا يفكر سوى بمصالحه وحده، وأنه يتعين على أردوغان تبنّي بعض أجندة القوميين والإصغاء إلى ما يقولونه فبهشلي قدم الكثير من الدعم لحزب العدالة، ومن حقه أن يستمع الحزب الحاكم إلى ما يقوله ويريده هو هذه المرة .
المشكلة الكبرى التي تواجه القيادات في الحزبين هي أن قرار التحالف جاء نتيجة رغبة القواعد التي دعمت هذا الخيار في الانتخابات البرلمانية والرئاسية الأخيرة في يونيو/ حزيران المنصرم، لكن تصلب بهشلي وأردوغان في مواقفهما هو الذي ينهي هذا الانفتاح الذي سيكون له ارتداداته السلبية في صفوف الناخبين الأتراك الذين سينقسمون بين مؤيد ومعارض، مما يزيد من فرص وحظوظ أحزاب المعارضة في الانتخابات المقبلة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة