هناك دول في الشرق الأوسط تبدي استعدادها الكبير والمبكر لهذا التحول، وهناك دول قد تنتظر المفاجآت.
المنطقة تستعد لتحولات مهمة وخاصة في مسار الثقافة السياسية التي تحكمت في المنطقة لعقود طويلة، لا سيما بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، ويجب التدقيق هنا وبشكل واضح أن تلك التحولات لن تطال البنى السياسية أو تركيبة دول الشرق الأوسط كما يحاول البعض الترويج، تغيير البنى السياسية للدول كما هو معروف ليس عملية سهلة يمكن تنفيذها بسهولة، فمتطلبات ذلك متعددة وكبيرة وذات ثمن مرتفع يصل إلى حد الحروب العسكرية.
السؤال هنا إذن: ما هي تلك التحولات التي تنتظرها المنطقة في مسار الثقافة السياسية والتعاطي مع الأفكار السياسية السائدة في المنطقة منذ عقود طويلة؟، في هذه المنطقة وخلال العقدين الماضيين نشأت ثقافة تميزت بالتعقيدات الكبرى، ولكن التحولات الاقتصادية والمشروعات التحولية أصبحت ظاهرة سائدة في كثير من دول المنطقة، وهذا ما أطلق عليه الخطط والرؤي الاستراتيجية طويلة المدى وقصيرة المدى التي نجدها في معظم دول المنطقة.
تحولات منطقة الشرق الأوسط القادمة سوف تختبر وبشكل مباشر الثقافة السياسية لشعوب وحكومات الشرق الأوسط، فالمتغيرات المتحركة المصاحبة لتحولات المنطقة سوف تكون قادرة على إزالة المتغيرات الثابتة في الثقافة السياسية التي اعتادتها المنطقة منذ زمن
سؤال آخر ومباشر يقول: هل يمكن أن تكون تلك التحولات القادمة والمحتملة في منطقة الشرق الأوسط سببا أو حتى نتيجة لبعض الاضطرابات الصامتة التي تتخمر بهدوء تحت أرضية الشعوب أو الدول الشرق أوسطية؟ هذا سؤال مهم، خاصة عندما يرتبط الأمر بالقضايا التاريخية لدول الشرق الأوسط.
من وجهة نظري البسيطة أن الثقافة السياسية لشعوب المنطقة سوف تنقسم بشكل حاد قد يصل إلى العداء من حيث القبول أو الرفض لتلك التحولات المحتملة في المنطقة، ولكن الأمر سوف ينتهي إلى مجرد التعبير الثقافي عن الرفض أو القبول ولا أعتقد أنه سوف يتجاوز هذه المرحلة؛ لأن معطيات التحول التي نشاهدها اليوم أكبر من أن تتوقف أمام التقاليد التاريخية.
هناك دول في الشرق الأوسط تبدي استعدادها الكبير والمبكر لهذا التحول، وهناك دول قد تنتظر المفاجآت، وهذا ما يمكن أن نطلق عليه سياسيا (العلاج بالأزمة)، في الحقيقة التحركات الدولية حول المنطقة لم تعد خافية، ليس استهدافا للمنطقة كما يعتقد الكثيرون، ولكن لطبيعة المنطقة تاريخيا، منطقة الشرق الأوسط، ومنذ آلاف السنين، كانت ولا تزال وسوف تظل منطقة محتدمة؛ بسبب مكانتها الدينية وعمقها التاريخي، فهذه المنطقة ولدت قبل بقية مناطق العالم كلها بعشرات الآلاف من السنين.
التحولات في منطقة الشرق الأوسط معتادة ومحتملة عبر التاريخ، والمتغيرات الثابتة في المسار السياسي دائما ما تلعب دورا في نشوء بعض المواجهات التاريخية، بمعنى دقيق ومباشر ما تقتضيه مصالح المنطقة اليوم يأتي بشكل عكسي للثقافة السائدة في المنطقة، خاصة في القضايا المحورية مثل القضية الفلسطينية أو وحدة بعض الدول العربية التي تتعرض لأزمات وحروب أهلية.
فِعليًّا، فإن تحولات منطقة الشرق الأوسط القادمة سوف تختبر وبشكل مباشر الثقافة السياسية لشعوب وحكومات الشرق الأوسط، فالمتغيرات المتحركة المصاحبة لتحولات المنطقة سوف تكون قادرة على إزالة المتغيرات الثابتة في الثقافة السياسية التي اعتادتها المنطقة منذ زمن، أعتقد الرسالة واضحة "فأين أنتم؟" كما يقول الإعلامي البحريني القدير محمد العرب.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة