إدلب تغلي داخليا من جديد، على الرغم من حرص مختلف المجموعات المسلحة على تصدير صورة توحي بأن الوحدة بين الفصائل المتنازعة هي سيدة الموقف.
تتسارع الأحداث وتتعاظم حدتها في أنحاء متفرقة من إدلب وأريافها، بانتشار وتجميع الإرهابيين والمعارضين، واتضحت صورة الاشتباكات بين القوى المتناحرة من خلال حرب الفِخاخ وعمليات التفجيرات في إدلب ومناطقها.
إدلب تغلي داخليا من جديد، وعلى الرغم من حرص مختلف المجموعات المسلحة على تصدير صورة توحي بأن الوحدة بين الفصائل المتنازعة هي سيدة الموقف فيما بينها، فإن ما يدور في الكواليس يختلف كليا، ويفتح الباب أمام احتمالات اندلاع جولة جديدة من جولات الاقتتال بين الفصائل المتنازعة، وكادت أسباب الاقتتال تكتمل، وإذا ما استمرت المجريات في السير على المنوال الراهن، فإنه قد يكون في حاجة إلى الشرارة الأولى، ولا يمكن فصل الخلافات المتفاقمة عن المشهد الكبير الذي يتجاوز جغرافيا إدلب، ليشتمل على الحراك الإقليمي المستمر؛ لترتيب أوراق المرحلة السورية المقبلة .
تركيا باتت تغرد خارج سرب الأطراف الدولية التي تتطلع إلى اجتثاث الإرهابيين، وتتشبث بأي مركب أو طرف ينقذها من المهالك المرتقبة بغية الحصول على صكوك رابحة؛ للاستفادة منها مستقبلاً.
المعارضة السورية، استعرضت في سوتشي، أنها مستعدة للعمل مع روسيا، وأنه لأول مرة يلاحظ تغيرٌ في الموقف الروسي، والحديث كان يدور في أستانا العاشرة عن إدلب، وترى المعارضة أن روسيا تسعى إلى تسوية الوضع في هذه المنطقة من سوريا، وثمة تساؤلات كانت مطروحة عن عملية عسكرية فيها، لكن ما زال هناك أمل في أن تتمكن الفصائل المسلحة وشريكها التركي الذي يزعم مسؤولية استقرار الوضع في هذه المنطقة، مؤكداً إمكانية التوصل إلى اتفاق، طالما أمكن ذلك في جنوب سوريا، لكن استمرار الجانب التركي بمساندة المليشيات المتطرفة يجعل الصراعات قائمة والاشتباكات متصاعدة.
لم تخضع هيئة تحرير الشام – النصرة - لطلبات تركيا بحل نفسها، استجابة لطلب روسي كونها دولة ضامنة لمباحثات أستانا التي دعت إلى تصفية فروع تنظيم القاعدة وفي مقدمتها النصرة، وانضمت حركة أحرار الشام وحركة نور الدين الزنكي، وألوية صقور الشام وجيش الأحرار وتجمع دمشق إلى الجبهة الوطنية للتحرير، التي تشكلت قبل شهرين بطلب ووصاية تركيا عليها، وهذا الائتلاف الجديد لا يُخفي حصوله على الدعم علناً من تركيا، ذلك ما يعزز رؤية البعض الذين يعتقدون بأن طلب أنقرة من النصرة حل نفسها مجرد تمثيلية، الهدف منها ذر الرماد في العيون؛ لأنها مستفيدة من وجودها على اعتبارها أقوى ذراع عسكرية لمواجهة الجيش السوري في عمليته العسكرية المرتقبة؛ لاسترجاع المحافظة المحتلة من التنظيمات الإرهابية.
لا يمكن الركون إلى أي من تلك المجموعات في ثباتها على موقف أو على التزام سياسي أو ميداني أو إعلامي، خاصة أن تركيا الراعية لهؤلاء، لا يبدو أنها قادرة أو مصممة على تنفيذ التزامها في تلك المنطقة، ومن المستحيل أن تكون هناك أية إمكانية لتقدم التسويات، أو للتوصل إلى أي حل سلمي قبل إنهاء الوضع الإرهابي المسلح في إدلب، وبخلاف التوقعات الخارجية والإقليمية، والتي تُهول في هذا الموضوع يبقى موضوع الحسم العسكري في إدلب ومحيطها وارداً وممكناً بنسبة كبيرة، وأيضاً بطريقة سريعة وصاعقة، وهذا ما يؤشر إليه مسار كافة الأعمال العسكرية التي جرت مؤخراً في الجنوب السوري.
تركيا باتت تغرد خارج سرب الأطراف الدولية التي تتطلع إلى اجتثاث الإرهابيين، وتتشبث بأي مركب أو طرف ينقذها من المهالك المرتقبة بغية الحصول على صكوك رابحة؛ للاستفادة منها مستقبلاً، وأردوغان تنتظره التنظيمات المتطرفة وكل الحركات التكفيرية لإعلان رفضه المساس بإدلب لكن ليس بمقدوره الدخول في معترك طويل الأجل، وبالتأكيد قد يتجه نحو مصالح تركيا وحزب العدالة والعودة بالحدود إلى ما قبل عام 2011م، وقد يرى مصالحه في أماكن أخرى وتحركاته المشبوهة في الشمال السوري ستبوء بالفشل حتماً.
تنظيم جبهة النصرة الإرهابي في إدلب يقوم بعمليات ملاحقة وتصفية كل من يسعى للمصالحة، ويأتي ذلك بالتوازي مع ازدياد الحديث عن حشود عسكرية للجيش السوري على محاور إدلب، والجولاني اعتبر أن إعلان الاندماج خطوة تصعيدية ضد تنظيمه، وباشر على الفور سلسلة اجتماعات مع أبرز القادة الشرعيين والأمنيين والعسكريين؛ استعدادا لكل الاحتمالات المقبلة، حيث تلقى إشارات تركية شديدة اللهجة مفادها أن أنقرة منحته فرصاً كثيرة، وأن الاستمرار في توفير غطاء إقليمي لتنظيم هيئة تحرير الشام لم يعد مهمة يسيرة أمام القوى الدولية واللاعبة في المنطقة.
هناك قرار حاسم وواضح من أن المعركة في إدلب يجب أن تكون خاطفة وصاعقة، وأن يتم تركيز الطاقة النارية إلى حد هائل لم تشهده أية معركة لإنهاء ملف الحرب بسرعة للانتقال إلى الملف السياسي الذي لا ينتهي إلا عندما تنتهي الحرب العسكرية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة