تركيا بأسبوع.. نهاية هيمنة أردوغان بإسطنبول وانشقاقات بـ"العدالة والتنمية"
تركيا شهدت احتجاجات كبيرة نتيجة تعيين غير الفائزين بحجة الإرهاب، كما استمرت حملات الاعتقال بحق صحفيين ونساء وعسكريين.
شهد الأسبوع الماضي في تركيا تحولا سياسيا كبيرا عقب إعلان فوز المعارض أكرم إمام أوغلو رسميا برئاسة إسطنبول، لينهي هيمنة حزب العدالة والتنمية الذي يشهد حاليا أكبر موجة من الانشقاقات واعتزام بعض قياداته إنشاء حزبين آخرين لـ"خلق خطاب جديد".
كما شهدت بعض الولايات احتجاجات كبيرة فضتها الشرطة بالقوة، رفضا لتعيين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان رؤساء لعدد من البلديات التي فاز بها مرشحون أكراد.
ونهاية الشهر الماضي، جرت الانتخابات المحلية في تركيا حيث تنافس في الانتخابات 12 حزبا، هي "العدالة والتنمية"، و"الشعب الجمهوري"، و"الحركة القومية"، و"الشعوب الديمقراطي"، و"السعادة"، و"تركيا المستقلة"، و"الاتحاد الكبير"، و"الديمقراطي"، و"اليسار الديمقراطي"، و"إيي"، و"الشيوعي التركي"، و"الوطن".
وتعرض حزب العدالة والتنمية الحاكم لأكبر انتكاسة في تاريخه، بخسارة إسطنبول وبلديتي العاصمة أنقرة وإزمير.
ودائما ما حذر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أنصاره من مغبة الهزيمة في إسطنبول، حيث اعتبر أنه "إذا تعثرنا فيها، فقدنا قدرتنا في جميع أنحاء البلاد".
تحذيرات ترجمت مخاوف كبيرة من ضعف شعبية نظامه سرعان ما تجسدت على أرض الواقع، لتنتزع المعارضة حكم إسطنبول، الأهم في تركيا، وشريان الاقتصاد فيها، والرمز التاريخي والمجتمعي النابض بالذاكرة التركية المشتركة.
إسطنبول لم تحلق منفردة نحو المعارضة، بل رافقتها العاصمة الإدارية أنقرة وإزمير وأنطاليا درة السياحة التركية، ما يعني أن أردوغان خسر بذلك قوة دفع مهمة سبق أن منحته انطلاقة سياسية قبل 25 عاما.
أكرم أوغلو يتسلم إسطنبول
وبعد 17 يومًا من مماطلة الرئيس التركي وحزبه العدالة والتنمية لإعلان نتائج بلدية إسطنبول والتشكيك في فوز مرشح المعارضة، أعلنت اللجنة الانتخابية بالمدينة، الأربعاء، فوز أكرم إمام أوغلو وتسليمه وثيقة تنصيبه رسميًا.
وحصل إمام أوغلو على 4 ملايين و169 ألفًا و765 صوتًا بفارق يقدر بـ13 ألفًا و729 صوتًا عن منافسه مرشح الحزب الحاكم بن علي يلدريم الذي حصل على 4 ملايين و156 ألفا و36 صوتًا.
وتسلم المعارض التركي الذي ينتمي لحزب الشعب الجمهوري رئاسة المدينة من مولود أويصال المنتمي لحزب أردوغان الحاكم.
وتعهد أوغلو، في تصريحات له أمام حشد من مؤيديه أمام مقر بلدية إسطنبول، بخدمة الجميع ونشر السلام والاستقرار في المدينة بين كل فئات المجتمع سواء المؤيدين له أو المعارضين.
وأضاف: "أحيي جميع سكان إسطنبول بمسلميها، ومسيحييها، وعلوييها، وأرمنيها، وأتعهد بأن تكون فلسفتنا هي قليل من الكلام كثير من العمل".
وأكد إمام أوغلو أنه "لن يكون هناك بعد اليوم استغلال لثروات المدينة لتحقيق مكاسب شخصية"، مضيفا: "أنا لم آكل يوما حق أحد، ولن أسمح لأحد بأكل حقوق الآخرين".
انشقاقات في العدالة والتنمية
وأمس الخميس، كشف كاتب تركي بصحيفة موالية لأردوغان عن انشقاقات لنواب برلمانيين ووزراء سابقين في حزب العدالة والتنمية "رغبة في خطاب آخر" مع حزبين جديدين لحلفاء سابقين.
وقال حسن أوزتورك، في مقال بصحيفة "يني شفق" الموالية للسلطات التركية إن الرئيس السابق عبدالله جول، ورئيس الوزراء الأسبق أحمد داود أوغلو، يعتزمان تأسيس حزبين جديدين، وليس حزبا واحدا كما تردد خلال الآونة الأخيرة.
حزب لـ"داود أوغلو"
وذكر أوزتورك أن الحزب الأول سيكون برئاسة رئيس الوزراء الأسبق داود أوغلو، وأن المشاورات تجري في أنقرة حاليا على قدم وساق لتأسيسه.
ولفت إلى أن ما يقرب من 50 إلى 60 من النواب السابقين للعدالة والتنمية، فضلا عن 5 أو 6 وزراء سابقين وقعوا على بيان تأسيس الحزب الجديد، وعلى رأسهم عمر دينتشار الذي كان وزيرا في حكومة داود أوغلو.
وعن شعار حزب داود أوغلو، ذكر الكاتب أوزتورك أنه "لا بد من خطاب جديد"، موضحا أن عددا من الكتاب المؤيدين للرجل يتولون طرح هذا الشعار بين الحين والآخر في وسائل الإعلام الموالية لهم.
تجدر الإشارة إلى أن صحيفة جمهورييت التركية ذكرت في 4 أبريل/الجاري أن أحمد داود أوغلو كشف عن برنامج الحزب الجديد الذي يتزعمه، ويتشكل من وزراء سابقين وأشخاص من "الشعب الجمهوري" و"الحركة القومية" و"الخير".
حزب لـ"عبدالله جل"
وبخصوص الحزب الثاني، ذكر أوزتورك، في مقاله، أن الرئيس السابق جول هو من سيتزعمه، ويضم وزير المالية الأسبق علي باباجان، فضلا عن عدد كبير من الشخصيات السياسية، وسيبدأ الحزب تعليق لافتاته في غضون شهر.
وتابع الكاتب: "كان من المزمع تأسيس حزب واحد يضم داود أغلو وعبدالله جول معا، إلا أن الأول تراجع عن إشراك جول معه في الحزب الجديد، ما جعل أنصار جول يسعون لتأسيس حزب منفرد".
تجدر الإشارة إلى أن الرئيس التركي السابق قد انزوى عن الأنظار، منذ شهر يناير/كانون الثاني 2018 الذي شهد خلافات بينه وبين أردوغان رفيق دربه في تأسيس حزب العدالة والتنمية الحاكم.
وكان أول تعليق له على التطورات السياسية بالبلاد، يوم 13 أبريل/نيسان الجاري، حينما طالب أردوغان بالاعتراف بهزيمته في الانتخابات المحلية التي جرت يوم 31 مارس/آذار الماضي.
الخلافات التي وقعت بين جول وأردوغان في يناير 2018، جاءت عقب سنوات من ابتعاد الأول عن الحزب والحديث المتزايد عن خلافات عميقة بين الحليفين السابقين.
وهذه الخلافات التي حاول الطرفان إبقاءها طي الكتمان وعدم إخراجها إلى العلن للحفاظ على تماسك الحزب الحاكم، ظهرت آنذاك بشكل قطعي عقب توجيه "جول" انتقادات مباشرة لقانون أعلنت عنه الحكومة في تلك الفترة وأثار جدلاً واسعاً في البلاد، وما قابله أردوغان بانتقادات لاذعة وغير مسبوقة للرئيس السابق.
أردوغان يصف المنشقين بـ"الخونة"
وخلال الآونة الأخيرة، ترددت في الأروقة السياسية التركية مزاعم حول استعداد جول ورئيس الوزراء السابق أحمد داود أوغلو إلى جانب قيادات بحزب العدالة والتنمية الحاكم، لتأسيس حزب سياسي جديد، وذلك بحسب ما ذكره صحفيون ومستشارون سابقون مقربون من جول وداود أوغلو.
وتعليقا على تلك المزاعم، وصف أردوغان الأشخاص الذين يسعون للانشقاق عن حزبه وتأسيس حزب جديد بـ"النازلين من القطار"، في مقابلة تلفزيونية أجراها في 26 فبراير/شباط الماضي.
وقال متحدثا عنهم "إنهم نزلوا من القطار، ولا يمكن أن يركبوه مرة أخرى"، واتهمهم بـ"الخيانة وشق الصف".
وتابع: "هناك كثير من المنشقين (عن الحزب)، ولا داعي لذكر أسماء، فهؤلاء يستحيل أن نسير معهم ثانية في طريق".
وتابع قائلا: "هناك من أسسوا أحزابا من قبل، والجميع يعرف عاقبتهم.. الصدق والإخلاص أمران مهمان للغاية".
ويرى مراقبون أن القمع الأمني وتقييد حرية الصحافة وفساد البلديات طيلة حكم العدالة والتنمية هو السبب الرئيسي لخسارة أردوغان في الانتخابات المحلية أكبر البلديات لا سيما أنقرة، وإسطنبول، وأزمير.
احتجاجات ضد تعيين غير الفائزين
والأربعاء، فضت الشرطة التركية بقوة مظاهرة شهدتها ولاية ديار بكر (جنوب شرق)؛ للاحتجاج على تعيين أردوغان رؤساء لعدد من البلديات التي فاز بها مرشحون أكراد.
وذكرت العديد من وسائل الإعلام التركية أن الاحتجاجات اشتعلت في قضاء باغلار بولاية ديار بكر، رفضا لقرارات اللجنة العليا للانتخابات الخاصة بإعلان فوز المرشحين الذين احتلوا المركز الثاني وكلهم من الحزب الحاكم، بدلا من أصحاب المراكز الأولى المنتمين لحزب الشعوب الديمقراطي الكردي؛ بحجة أنه سبق وفصلوا من وظائفهم بموجب مرسوم حكومي.
وأعلن حزب الشعوب الديمقراطي أن قرار لجنة الانتخابات الخاص بتعيين أصحاب المركز الثاني هو "مؤامرة سياسية".
ويوم 12 أبريل/نيسان الجاري قررت اللجنة العليا للانتخابات إسقاط 8 من رؤساء البلديات الفائزين في الانتخابات المحلية التي جرت يوم 31 مارس/آذار الماضي، وينتمون جميعهم لحزب الشعوب الديمقراطي، لصالح مرشحي العدالة والتنمية، بدعوى أنهم متهمون في قضايا تتعلق بالإرهاب.
اعتقالات مستمرة
واستمرت السلطات التركية في قمع المعارضين حيث ألقت قوات الأمن، الثلاثاء، القبض على 48 عسكريا.
فيما أصدرت النيابة العامة قرارا باعتقال 110 آخرين، على خلفية اتهامهم بالانتماء لرجل الدين فتح الله غولن، والمشاركة في محاولة الانقلاب المزعومة الذي شهدتها البلاد منتصف عام 2016.
كما اعتقلت سلطات أردوغان، الخميس، المعلمة عائشة تشَليك وأودعتها السجن لقضاء عقوبة الحبس لـ15 شهرا الصادرة بحقها، لمطالبتها بعدم قتل الأطفال الأكراد بحجة مكافحة الإرهاب.
وجرى كذلك توقيف الكاتب والاقتصادي التركي مصطفى سونمز، بسبب منشوراته على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، التي كشف من خلالها عن حقيقة الأوضاع الاقتصادية بالبلاد، فضلا عن انتقاده المسؤولين عنها.
وعانت تركيا بدءا من أغسطس/آب الماضي من أزمة مالية ونقدية حادة، دفعت بأسعار الصرف لمستويات متدنية بالنسبة لـ"الليرة التركية"، وسط تذبذب في وفرة النقد الأجنبي في الأسواق الرسمية.