الرقابة على الإنترنت.. حرية التعبير في مشنقة أردوغان
الرئيس التركي مرر قانونا للرقابة على الإنترنت ليمعن في وضع يده على الحريات، غير مكتف بما منحته إياه مسرحية الانقلاب المزعوم قبل سنوات.
لا يريد صوتاً يزعجه، أو منشوراً يكدر صفوه.. هكذا يبدو حال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي لم يكتفِ بتحويل بلاده إلى سجن كبير، بل صادر أيضاً الفضاء الإلكتروني، ليخنق آخر بذرات حرية التعبير ويلجم المعارضة إلى الأبد.
- أردوغان يمنع كلمة "حرية" من الإنترنت في تركيا
- وثيقة: أردوغان أمر بملاحقة محققين فضحوا نشاط "فيلق القدس" في تركيا
قانون للرقابة على الإنترنت مرره أردوغان مطلع أغسطس/آب الماضي، ليمعن في وضع يده على الحريات، غير مكتفٍ بما منحته إياه مسرحية الانقلاب المزعوم قبل سنوات من مجال للقمع والحكم بقبضة من حديد، واستهداف معارضيه ومنتقديه بتعلات واتهامات ملفقة.
الرقابة الكاملة.. تركيا تحت عين أردوغان
أدرك أنه في مرحلة ما، ستصبح دوافع مساعيه المستمرة لإغلاق أي وسيلة إعلامية تنتقده، أو اعتقال كل معارض لرأيه، مفضوحة، وقد يفقده المزيد من قواعده الشعبية المتآكلة، فكان لا بد من أن يستنبط أداة جديدة تمنحه شرعية القمع الكامل، وذلك من خلال وضع الفضاء الإلكتروني المحلي بأكمله تحت عينيه؛ حيث لم يكفه على ما يبدو حجب حسابات شخصية عبر موقع تويتر باستخدام قوانين قمعية قاهرة.
وقبل أكثر من شهر، منح أردوغان هيئة الإذاعة والتلفزيون الخاضعة لسيطرة حزبه العدالة والتنمية، سلطات رقابية واسعة للإشراف على جميع محتويات الشبكة العنكبوتية.
قرار قمعي بامتياز يعتبر الأشد عالمياً؛ حيث لم يستثن حتى منصات البث المباشر مثل نتفليكس والمواقع الإخبارية، ما يعني أن الرجل يريد أن يحكم قبضته حتى على الحياة الافتراضية، ويوجه الرأي العام، فيمنح التراخيص لمن يمجده ويحجبها عمن ينتقده، أي أن المعارضة لن تجد لنفسها منصة واحدة لنشر أخبارها أو حتى مواقف أعضائها.
منح أردوغان الهيئة صلاحيات كاملة بتعليق الترخيص لمدة 3 أشهر وسحبه لاحقاً من المخالفين، كما فرض رسوماً على رخصة البث عبر الإنترنت بـ100 ألف ليرة، أي أنه سيكون بإمكانه الوصول إلى أي موقع ينشر أخباراً معارضة له وحجبه، ما يعزز من ترسانته الهادفة إلى لجم أفواه الأتراك وإجبارهم على تقبل ديكتاتوريته.
خطوة يتوقع محللون أنها مع الوقت ستحمل الشعب التركي إلى نقطة الانفجار، خصوصاً أنها تأتي عقب حجب حكومة أردوغان 245 ألف موقع في مقدمتها ويكيبيديا، علاوة على حظر موقعي تويتر ويوتيوب لفترات.
تاريخ من القمع
قبل مسرحية الانقلاب منتصف يوليو/تموز 2016، كان أردوغان يخفي أدوات تصفية الإعلام المعارض له، لكن بعد هذا التاريخ حصل على غطاء يؤمن له الانقضاض على أي صوت منتقد له تحت شماعة الانتماء لمنظمة "غولن" أو لحزب العمال الكردستاني المحظور.
فحتى نهاية 2018، ذكرت وسائل إعلام معارضة أن أردوغان أغلق 100 صحيفة و3 وكالات أنباء و10 قنوات فضائية، وحظر الوصول إلى 246 ألفاً و825 موقعاً إلكترونياً، في تمشٍ كان لا بد أن يضع تركيا في ترتيب متأخر ضمن ترتيب الحريات الصحفية.
في 2013، وتحديداً خلال احتجاجات جيزي الشعبية التي استخدم خلالها المتظاهرون والناشطون موقع تويتر وغيره من وسائل التواصل الاجتماعي لتغطية مظاهرات تجاهلها إعلام أردوغان، لم يجد الأخير من حل لإجهاض الغضب المتفجر ضده، إلا تقديم طلبات لموقع تويتر وغيره من المنصات لحجب المحتوى.
لكن ومع أن تلك المنصات ترفض في بادئ الأمر الامتثال لمطالب أردوغان لكنها سرعان ما تخضع له مخافة حظر الموقع بأكمله وخسارة السوق التركية التي تضم نحو 60 مليون مستخدم للإنترنت.
وفي 2014 منعت أنقرة "تويتر" من نشر تسجيلات صوتية كشفت تورط مقربين من أردوغان في تحقيقات فساد، لكن الموقع لم يستجب للقرار، ما جعله بمرمى غضب أردوغان.
وفي 2018 فرض موقع فيسبوك قيوداً على الوصول إلى أكثر من 2300 محتوى في تركيا بناء على طلب السلطات، وطالت القيود تطبيق أنستقرام أيضاً، فيما تلقى موقع جوجل أكثر من 10 آلاف طلب لإزالة محتوى بطلب أيضاً من أردوغان.
وانطلاقاً من 2017، حجبت حكومة أردوغان جميع إصدارات ويكيبيديا، وذلك على خلفية رفض الموقع سحب مقالات تضمن اتهامات لأنقرة بدعم الجماعات الإرهابية في سوريا.