استقدام تركيا مرتزقة إلى ليبيا.. المظاهر والتداعيات
استقدام تركيا متشددين إلى ليبيا يشكل تصعيدا للنزاع عبر توسيعه إلى مناطق جديدة
أدى انحسار فرص حكومة الوفاق في مواجهة حملة الجيش الوطني الليبي لتحرير العاصمة طرابلس، إلى قيام تركيا بنقل عدد معتبر من العناصر الإرهابية من سوريا إلى ليبيا.
ويمثل المقاتلون المتشددون ورقة رابحة بيد أنقرة نجحت في توظيفها في الصراع الليبي، وظهر ذلك في تدشين أنقرة جسرا جويا مباشرا بين إسطنبول وطرابلس لنقل مقاتلين مرتزقة للحاق بالصفوف الأمامية لمواجهة تقدم قوات الجيش الليبي بقيادة خليفة حفتر.
وتدعم أنقرة مليشيات طرابلس التي تحظى بمكانة خاصة في أجندات الدولة التركية، في انتهاك واضح لقرار مجلس الأمن الدولي حظر توريد السلاح إليها منذ عام 2011، نظراً لأهميتها الجيواستراتيجية فضلاً عن كونها منصة مهمة لإزعاج الخصوم، ومدخلاً لإبقاء تركيا في مشهد الغاز في منطقة شرق المتوسط.
ويسعى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى ترسيخ أقدامه، وتعظيم نفوذ بلاده عبر بوابة حكومة الوفاق برئاسة فايز السراج، والتيارات المؤدلجة في مصراتة باعتبارها أكبر داعم للإرهابيين في الغرب الليبي. كما اندفعت تركيا في سياق تفعيل دورها في الأزمة الليبية إلى توطيد علاقاتها بعدد من دول المغرب العربي.
مظاهر كاشفة
ثمة العديد من المؤشرات الكاشفة عن توجه تركيا نحو تكثيف جهودها لـتجنيد المرتزقة السوريين من أجل إرسالهم إلى ليبيا، ويمكن بيان ذلك على النحو الآتي:
رفع مستوى الدعم: رفعت أنقرة مستوى دعمها العسكري لحكومة فايز السراج ومليشيات مصراتة في مواجهة قوات الجيش الوطني الليبي، وظهر ذلك في تأكيد الرئيس التركي على إمكانية إرسال قوات عسكرية تركية إلى ليبيا وذلك بعد إرسال مذكرة للبرلمان التركي للموافقة على هذه الخطوة، مدعياً أن ذلك يأتي بناءً على طلب من حكومة الوفاق الوطني من أجل وقف تقدم الجيش الوطني الليبي نحو العاصمة طرابلس.
وبالتوازي مع تلك الخطوة، سرعت أنقرة بحسب اتجاهات عديدة بإرسال قوات غير نظامية من المليشيات الموجودة في سوريا إلى ليبيا، ما قد ينذر بتصاعد وتيرة الصراع العسكري بين مختلف الأطراف في ليبيا. وقد نشرت تقارير عديدة عن تسجيلات مرئية تظهر وجود مقاتلين تابعين لتركيا نقلوا من سوريا إلى معسكر تابع لإحدى المليشيات الموالية لحكومة الوفاق جنوب العاصمة طرابلس.
جسر جوي: دشنت تركيا جسرا جويا مباشرا ما بين إسطنبول ومطار معيتيقة العسكري قرب طرابلس لنقل متشددين سوريين وأجانب إلى ليبيا، كانوا يقاتلون لمصلحة تركيا في سوريا.
وبلغ إجمالي هؤلاء المقاتلين الذين وصلوا بالفعل بحسب تقارير استخباراتية وصحفية خلال اليومين الماضيين نحو 1000 مقاتل، كما انضمت مجموعات من العرقية التركمانية التي تدعمها تركيا في سوريا إلى قوات حكومة الوفاق الليبية للقتال ضد الجيش الوطني الليبي.
افتتاح مكاتب للتطوع: اتجهت الفصائل المسلحة الموالية لتركيا في سوريا لافتتاح مراكز لتسجيل أسماء الأشخاص الراغبين بالذهاب للقتال في ليبيا، إذ تم افتتاح أربعة مراكز في منطقة عفرين شمال حلب لاستقطاب المقاتلين ضمن مقرات تتبع للفصائل الموالية لتركيا، منها مكتب تحت إشراف فرقة الحمزات، وآخر تديره الجبهة الشامية، كما افتتح لواء المعتصم مكتبا في قرية قيباريه، وفي حي المحمودية مكتباً آخر تحت إشراف لواء الشامل.
وتشجع الفصائل الموالية لتركيا، الشباب على الالتحاق بالحرب الليبية وتقدم مغريات ورواتب مجزية تتراوح بين 1800 إلى 2000 دولار أمريكي لكل مسلح شهريا، علاوة على تقديم خدمات إضافية تتكفل بها الدولة المضيفة.
وارتفع عدد المجندين الذي وصلوا إلى المعسكرات التركية لتلقي التدريب إلى ما لا يقل عن 1600 مرتزق من مقاتلي فصائل السلطان مراد وسليمان شاه وفرقة المعتصم الموالية لتركيا". وانضم هؤلاء للعمل كأفراد حراسة مقابل رواتب لحماية قواعد ومقار ستستخدمها القوات التركية في ليبيا.
تأسيس شركة خدمات أمنية: أصبح الاعتماد على متشددين والعناصر الراديكالية أحد الأبواب الخلفية للانخراط التركي من وراء ستار في مناطق الصراعات، وهنا يمكن فهم دعوة عدنان تانيفيردي المساعد العسكري للرئيس التركي لإنشاء شركة عسكرية خاصة لمساعدة وتدريب الجنود الأجانب.
وأعلن تانيفيردي الذي يمتلك شركة "سادات" - قوة شبه عسكرية موالية للرئيس أردوغان- أنه بفضل مذكرتي التفاهم مع حكومة الوفاق لترسيم الحدود البحرية، وتعزيز التعاون الأمني، يمكن أن ترسل تركيا المتعاقدين الخاصين إلى ليبيا على غرار مجموعات أمنية منتشرة في ليبيا تابعة لشركة فاغنر الروسية.
تداعيات مؤلمة
توجه تركيا نحو إرسال مقاتلين متشددين إلى ليبيا لمساندة حكومة الوفاق في الغرب بالتزامن مع تقدم قوات الجيش الوطني نحو طرابلس، قد يحول الوضع في البلد الغني بالنفط إلى مرحلة خطيرة، ويفرز تداعيات سلبية على المشهد.
تصعيد النزاع: أدت التحركات التركية الأخيرة، وفي الصدارة منها إرسال مقاتلين متشددين للقتال ضد الجيش الليبي فضلاً عن تمرير تشريع لإرسال قوات نظامية، إلى تعقيد حل الصراع. ومن المتوقع أيضا اتساع جبهات القتال، خاصة أن إرسال متشددين، دفع الجيش الوطني للمرة الأولي منذ بدء عملية تحرير طرابلس، إلى قصف مجموعات من المقاتلين المرتزقة التابعين لأنقرة في مدينة مصراتة، غرب البلاد.
انقسام الجغرافيا الليبية: ربما يساهم انتشار العناصر الإرهابية التي تم جلبها من سوريا للقتال ضد قوات الجيش الوطني الليبي، الذي يخوض معارك منذ أبريل/نيسان عام 2019 لتحرير العاصمة طرابلس، يمكن أن يغير الوضع العسكري بشكل كبير، خاصة أن العناصر السورية المرتزقة لديها مهارات قتالية، وفي حالة دخولها بشكل مكثف على خط الصراع لمصلحة حكومة الوفاق، ربما يضطر الجيش الوطني الليبي إلى الانسحاب، وقد يؤدي هذا التراجع إلى تقسيم ليبيا إلى كيانين، الجزء الشرقي والجزء الغربي.
تسخين المشاعر القومية الليبية: ثمة صورة ذهنية سلبية للدولة التركية في قطاعات جغرافية واسعة للدولة الليبية، ويكشف عن ذلك المشاعر المعادية للأتراك في ليبيا البلد الذي ظل رهينا للحكم العثماني لقرون طويلة من دون أن يُحدث فيها تطورا يُذكر، بل تنازلت عنها حكومة الدولة العثمانية للاستعمار الإيطالي. لذلك، فإن الوجود التركي في ليبيا ليس مرحباً به.
تأججت المشاعر القومية الليبية ضد تركيا بعد سلسلة من التصريحات الاستفزازية للرئيس التركي قال فيها "إن ليبيا هي إرث أجداده"، و"جغرافيتها لا تنفصل عن جغرافية الدولة العثمانية"، وأن "ما يقرب من مليون ليبي ينحدرون من أصول تركية".
كما تصاعدت حالة الرفض الشعبي للسلوك التركي بعد تصريحات مستشار الرئيس التركي ياسين أقطاي في 17 ديسمبر/كانون الأول عام 2019، والذي قال فيها إن ليبيا "باتت تحت مسؤولية تركيا".
تصاعد حدة الاستقطاب: دفع إصرار الحزب الحاكم في تركيا إلى الانخراط في الأزمة الليبية إلى تصاعد حدة الاستقطاب في الداخل التركي، فثمة رأي عام شمل المجتمع التركي، يعارض العمل العسكري المنفرد، ويناهض تورط النظام في إرسال متشددين سوريين إلى الأراضي الليبية.
وعارض حزب الشعب الجمهوري، ومعه حزب الخير القومي وحزب الشعوب الديمقراطي، مشروع قانون يهدف للسماح بنشر قوات في ليبيا، باعتبار أن مثل هذا التحرك سيفاقم الصراع هناك ويؤدي لانتشاره في المنطقة.
ختاماً، يمكن القول إن استقدام متشددين إلى ليبيا يشكل تصعيدا للنزاع عبر توسيعه إلى مناطق جديدة.
إلا أن تركيا التي تخشى تقدم قوات الجيش الوطني الليبي ترى أهمية للمرتزقة السوريين في ساحة المعركة الليبية، فبالإضافة إلى توظيفهم في الصفوف الأمامية لتخفيف الضغوط وتقليل الخسائر في صفوف القوات النظامية التركية، فإنها يمكن أن تسعى إلى إحداث نقلة نوعية في مسار العمليات العسكرية، خاصة في ظل تقدم عناصر الجيش الوطني الليبي نحو تحرير طرابلس.