تركيا تعزز رصيدها لدى روسيا وقلق غربي من تصدع الناتو
روسيا وتركيا تتجاوزان سريعا الأزمة التي خلفها مقتل السفير الروسي في أنقرة أندريه كارلوف برصاص شرطي تركي
تجاوزت روسيا وتركيا سريعا الأزمة التي خلفها مقتل السفير الروسي في أنقرة أندريه كارلوف برصاص شرطي تركي، فيما بدا تمسكا بتقارب استراتيجي يعصم تركيا من ضغوط الاتحاد الأوروبي ويوسع الصدع في جدار العزلة الذي سعت الدول الغربية لحصار الكرملين من خلاله، ويلقي هذا التقارب بظلاله على حلف شمال الأطلسي بحسب مراقبين.
ورغم واقعة اغتيال أندريه كارلوف السفير الروسي لدى تركيا، انعقدت القمة الروسية التركية الإيرانية حول سوريا، من دون الولايات المتحدة أو حتى التشاور مع الأمم المتحدة.
وبدلا من أن تؤثر واقعة اغتيال السفير الروسي على العلاقات الروسية التركية كما كان متوقعا، فوجئ المجتمع الدولي بأثرها العكسي إذ عملت على تعزيزها، وهو ما يرجعه الخبير في الشئون السياسية، هرب لندن، من "مركز لندن للأبحاث السياسية" إلى رغبة روسيا في الحفاظ على العلاقات مع تركيا وتراجع الدور الأميركي في الأزمة السورية.
وأضاف لندن أن الدولة الروسية في حالة احتضار وأن بوتين لديه رغبة ملحة في تحقيق انتصارات بالسياسة الخارجية لإخفاء إخفاقاته في الداخل، مما دفعه للتحالف مع تركيا متجاوزا أزمات الماضي حينما كانت تركيا تقف في الخندق المقابل وتقدم دعما غير محدود للمعارضة من أجل إسقاط بشار الأسد.
وبعد محاولات تصوير القاتل الشاب كأحد أتباع فتح الله كولن تحول الخطاب إلى الحديث عن مؤامرة غربية، وهو ما يعني أن ذلك الحادث يمكن أن يعزز العلاقات التركية الروسية على حساب العلاقات الإستراتيجية العريقة بين أنقرة وواشنطن، وهي العلاقة التي كانت قد تأثرت إلى حد كبير منذ بداية الأزمة السورية وتفاقمت بعد الانقلاب الفاشل الذي تعرضت له الحكومة التركية في يوليو/ تموز الماضي.
وكانت الحكومة التركية قد زعمت أن فتح الله كولن، رجل الدين الذي يقيم في الولايات المتحدة، يقف وراء الانقلاب الفاشل، وطالبت الولايات المتحدة بتسليمه.
ورغم أن فتح الله كولن لم يكن من قبل طرفا في أحداث عنف، أفادت الحكومة التركية بأن قوات الشرطة وجدت كتبا لكولن في بيت قاتل السفير الروسي، مولود مارت ألطنطاش (22 عاما) أثناء تفتيشه بالإضافة إلى كتب تحمل أفكار لتنظيم داعش.
وكان دور كولن في الانقلاب محلا للنزاع بين أنقرة وواشنطن حيث كان أردوغان يطالب بتسليمه فيما اتهمته إحدى الصحف التركية الموالية للحكومة بأنه أحد عملاء الاستخبارات الأمريكية وأنه كان يتصرف بتوجيهات من الإدارة الأميركية.
ووفقا لموقع الدايلي بيست الأمريكي فإن تأخر الرئيس الأمريكي باراك أوباما، والذي امتد لعدة أسابيع، في الاتصال بأردوغان للإعلان عن دعمه له عقب فشل الانقلاب عزز فكرة نظرية المؤامرة التي سادت الأجواء التركية، وفي المقابل أسرع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالاتصال بنظيره التركي عارضا دعمه المطلق.
ودفعت إشارات روسيا واعتذار أردوغان عن إسقاط القوات الجوية التركية لمقاتلة روسية في نوفمبر/ تشرين الثاني 2015 في رأب صدع العلاقات بين روسيا وتركيا وتوسيع الهوة بينهما وبين الولايات المتحدة وهو ما انعكس في القمة التي انعقدت أمس بين روسيا وإيران وتركيا في موسكو للعمل من أجل التوصل لاتفاق سياسي لإنهاء الحرب السورية بدون دعوة الولايات المتحدة أو استشارة الأمم المتحدة.
ورأى فلاديمير جيرينوفسكي، رئيس الحزب الليبرالي الديمقراطي الروسي أن اغتيال السفير كارلوف ما هو إلا مؤامرة حاكها الغرب لكي يعرقل التقارب التركي الروسي، كما شدد بوتين نفسه في تصريحاته على أن تلك العملية الاستفزازية كانت تستهدف إفساد العلاقات الثنائية.
وأكدت أماندا سلوت، المسئولة السابقة بوزارة الخارجية الأمريكية في حوارها مع "فورين بوليسي": أن الولايات المتحدة سوف تكون من أكبر الخاسرين في تلك الواقعة حيث سيتمكن بوتين من استغلال الحادثة لتعميق الصدع بين دول حلف شمال الأطلسي.
وفي حديثه حول القمة التي انعقدت بدون مشاركة الولايات المتحدة قال أندرو تابلر، زميل الباحثين بمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى: "عندما يتفق الأتراك والإيرانيون والروس على تسويات بدون حضور الولايات المتحدة، يجب أن ندرك أننا نواجه مشكلة".
ووفقا لصحيفة النيويورك تايمز الأمريكية فإن المسئولين الروس لم يبذلوا جهودا في إخفاء تقليلهم من شأن الجهود الدبلوماسية الأمريكية فقد قال وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف خلال الأسبوع الماضي إن العمل مباشرة مع الأتراك على صفقة الإجلاء كان أكثر فعالية من الجهود غير المثمرة مع الولايات المتحدة".
وفي ظل تقدم القوات السورية وحلفائها واستعادتهم للمناطق التي يهيمن عليها المتمردون في حلب خلال الشهر الجاري، عرضت روسيا مباحثات سلام جديدة لكي تحل محل المباحثات التي ترعاها الأمم المتحدة في جنيف.
كما عملت روسيا مباشرة مع تركيا –التي غيرت توجهها في التعامل مع سوريا بعد سنوات من دعم قوى المعارضة الذين يسعون لخلع الأسد- في صفقة الإجلاء.
وفي الاجتماع، اتفقت روسيا وإيران وتركيا على "إعلان موسكو" وهو إطار عمل لإنهاء النزاع السوري بدون التشاور مع الولايات المتحدة أو دعوة مبعوث الأمم المتحدة في سوريا ستافان دي ميستورا، ما يعني استبعاد مهين للولايات المتحدة بشأن قضية ينخرط فيها ليس فقط البيت الأبيض ولكن جنرالات البنتاجون الذين يقودون تحالفا دوليا لهزيمة الخليفة المزعوم.