الحماقة الأردوغانية أخلّت بمضامين ديمقراطية الإعلام وأدت بالتالي إلى نسف مختلف مرافق الحياة الاجتماعية والمبادئ الإنسانية.
التلاعب بالكلمات الخارجة من أفواه المتلاعبين الضالعين بتشويه الواقع وبدرجات متباينة من خلال طرح مضامين تستند إلى أرضية يشوبها المروق والبهتان بغية اختراق ذهنية المتلقي والإساءة إلى الحقيقة، وكلما كانت الوسائل الإعلامية غايتها النزاهة والمصداقية فإنها لا بد وأن تحقق معايير أساسية من خلال حرصها على أخلاقية المهنة، وما تطرحه يظل الأكثر ارتباطاً بواقعية الأحداث، مستلهمة من دورها الإنساني حسن ارتباطها بالآخرين.
وتتجلى مرتكزات سياسة أردوغان الإعلامية بأحكام هزيلة منها عوامل الاستهواء وفرض إجراءات بالقوة بعيداً عن لغة الحق والحقيقة، وتبعاً لذلك فإن الحماقة الأردوغانية أخلّت بمضامين ديمقراطية الإعلام وأدت بالتالي إلى نسف مختلف مرافق الحياة الاجتماعية والمبادئ الإنسانية، وكما يبدو فإذا ما طرح بعض الإعلاميين قضايا تتعلق بالسياسة الداخلية أو مسائل تخدم المصلحة العامة فالويل والثبور عليهم، وبمجرد تغريدة على تويتر يمكن أن تؤدي إلى سجن صاحبها لأن الشرطة تكافئ مَن يوجه لهؤلاء اتهامات قوية، والرقابة الذاتية باتت موجودة بشكل مرعب، وتزعم السلطات التركية أن الصحفيين الموقوفين يرتبطون بمنظمات إرهابية، وهي عبارة تستخدمها السلطات للإشارة إلى حزب العمال الكردستاني، أو الشبكات القريبة من الداعية فتح الله غولن، واعتقلت الشرطة عشرة صحفيين والتهمة بحقهم نشر الذعر والخوف.
ويجري تحرك الصحفيين ورجال الإعلام تحت التهديد المستمر بالاعتقال والإدانة، ما جعل حياتهم مضطربة ضمن قيود وأغلال لا يمكن قبولها وتحركاتهم أصبحت بمنتهى الصعوبة، ولكن شرفاء المهنة الذين اعتنقوا قداسة المهنة يمضون بكل همة ونشاط، متحدين قرارات أردوغان الجائرة بحقهم، ومواصلين نشاطهم دون هوادة لأنهم يدركون أن ثمة حقيقة يمكن رؤيتها بسهولة في تركيا، وتقع عليهم المسؤولية لكي يتحدثوا عنها للرأي العام ويحاولون إيضاحها.
زعيم المعارضة التركية كمال قليجدار أوغلو قال: "إن علينا ألا ننسى الصحفيين المحتجزين والمعتقلين بالسجون لمجرد قيامهم بنشر الحقائق، فهم أصحاب أقلام نزيهة لا يؤجرونها لأحد كما يفعل الموالون للنظام، وأن فيروسات الإعلام – أي المتواطئين الإعلاميين- ليسوا مَن ينتقدون السلطة أو يصرون على الحقائق، بل هم أولئك الذين يأخذون الدعم من السلطة مقابل إخفاء الحقائق عن الأمة".
وعلى الشاكلة نفسها يعتبر علي باباجان، رئيس حزب الديمقراطية والتقدم المعارض، نائب رئيس الوزراء الأسبق، أن حرية الصحافة أحد الأعمدة الأساسية وضمانات الديمقراطية، وأن تقييد حرية الصحافة بشكل مباشر أو غير مباشر يتنافى ومبدأ الدولة الديمقراطية وحقوق الإنسان، والنظام الحاكم يستغل الصحافة لمواصلة نفوذه السياسي، ولا يمكن الحديث عن الديمقراطية داخل بلد يفتقر للصحافة الحرة.
جمعية صحفيي تركيا على الدوام تنادي بالحرية للصحفيين المحبوسين، وتستعرض في هذا الصدد الأحكام التي فُرضت من قِبل النظام على القنوات التلفزيونية والصحف، وأن مهنة الصحافة ليست تهمة، وكما أن تركيا ليس بها قضاء مستقل، ولا بد لها أن تتطهر من هذه المساوئ، وهناك 11 ألفاً من الصحفيين ورجال الإعلام أصبحوا عاطلين عن العمل خلال الشهور الماضية، وكذلك وجود 91 صحفياً بالسجون، ومثول 74 صحفياً تركياً أمام القضاء خلال شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ومطالبة الادعاء العام بأحكام بالسجن بحقهم.
أحكم أردوغان قبضته على جميع مفاصل القرار ببلاده عقب تنظيم انتخابات رئاسية وبرلمانية نقلت البلاد إلى نظام الحكم الرئاسي، في خطوة أراد من خلالها تصفية جميع معارضيه ومنتقديه، وتوجه للسجناء السياسيين في العادة تهمة دعم الإرهاب ما يعني حرمانهم من العفو العام، أو العفو الخاص وفي مثل هذه الحالات وبخاصة في ظل انتشار وباء كورونا يزداد القلق على وضع الصحفيين والسياسيين مع عدم شمولهم بمقترح تقليل مدة العقوبات المنتظر طرحه على البرلمان، رغم أنه يشمل السجناء المرتكبين لجنايات.
ولحماية الصحفيين ورجال الإعلام وأصحاب الرأي، لابد من تنفيذ الاتفاقيات الدولية المتعلقة بتشكيل قوة ضاغطة مؤلفة من الصحفيين ورجال الفكر والساسة لحمايتهم مهنياً وإنسانياً وتشريعياً ودعوة المنظمات الدولية، وفي مقدمتها هيئة الأمم المتحدة واليونسكو والاتحادات الصحفية الدولية والإنسانية وحقوق الإنسان، إلى إصدار تشريعات تعتبر قتل الصحفيين جريمة حرب واعتقال الصحفيين لمجرد قولهم الحقيقة تستوجب التحرك والتوجه إلى محاكم دولية لمحاكمة الذين يقدمون على قتلهم وزجهم في المعتقلات والسجون، وإعداد لائحة سوداء بالأنظمة الأكثر انتهاكاً لحريات الصحفيين ورجال الإعلام.
فاليد النظيفة والمرشدة لا تخطئ، وهكذا الإعلام النقي الذي يرفض تشويه الحقيقة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة