منذ نشأة الإمارات العربية المتحدة نهجت سياسة توطيد العلاقات والتعاون مع دول العالم كافة، ولكن هناك خصوصية في البلدان الناشئة.
منذ نشأة الإمارات العربية المتحدة نهجت سياسة توطيد العلاقات والتعاون مع دول العالم كافة، ولكن هناك خصوصية في البلدان الناشئة بمحاولة التقرب من الدول الكبرى بحذر لما تفرضه عليها فلسفة ضعف الولادة؛ فالدول الوليدة عادة تعيش فترة من التخبط والترنح ريثما يشتد عودها، أما دولة الإمارات العربية المتحدة وبرؤية فذة بعيدة المدى وثقة شامخة بالنفس امتاز بها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، فقد انطلقت من مبدأ ثابت وحكمة نافذة جعلت من الولادة قوة وطموحاً؛ ومن تجلياتها توجه سموه آنذاك إلى دولة الصين الشعبية التي أرسل لها برقية يُخطرها بتأسيس دولة الإمارات العربية المتحدة والتي ردت بدورها مهنئة مباركة ومعترفة، فعمد الشيخ زايد إلى توطيد العلاقات مع جمهورية الصين التي كانت في بدايات نهوضها، بدايات رأى فيها ببصيرته النافذة مستقبلاً زاهراً فكانت زيارته للصين آنذاك من أوائل زياراته التاريخية الخارجية لتبدأ بعدها العلاقات بين البلدين بالتطور والنماء حتى وصلت إلى الشراكة الاستراتيجية الشاملة التي يمكن الوقوف عليها بشيء من التفصيل بالنسبة للدولتين وما تمثله كل منهما للأخرى.
على هذا الأساس تأتي زيارة سمو الشيخ محمد زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي إلى الصين لتكمل مسيرة هذه العلاقات المميزة بين الإمارات والصين التي وصف إعلامها زيارته بالتاريخية، مطلقا عليها لقب "زيارة دولة" وهو ما يوحي بشديد الاهتمام من الجانب الصيني لضيفهم.
أولا: ما تمثله الصين لدولة الإمارات؛ حيث تعد الصين اليوم عراب الصناعة والتجارة العالمية لشمولية صناعتها التي تعمل في كافة المجالات من الحياتية والطبية والتكنولوجية إلى العسكرية، وذلك لما تتمتع به من ضخامة في الإنتاج وخبرة في اليد العاملة من جهة، ومن دراسة دقيقة لاحتياجات العالم ومستوى الدخل فيه والتصنيع حسب المقتضيات وبما يناسب الدخل لتقديم التكنولوجيا المتاحة للجميع ولكل المستويات الاقتصادية مما جعل الصناعة الصينية تغزو العالم، فلا يوجد منزل على وجه المعمورة إلا وفيه منتج صيني.
هذا إلى جانب استراتيجية تجارية رائدة جعلت التجارة الصينية تجوب أصقاع الأرض مشفوعة بسياسة الصين التي تعتمد الحفاظ على التوازن والعلاقات الجيدة مع العالم أجمع على الرغم من أنها قوة عظمى، مما جعل الصين تحظى بالقبول لدى الدول كافة المتقدمة منها والمتوسطة والنامية فسارت على طريق المجد الذي قرأ بوادره "الشيخ زايد" طيب الله ثراه مستشرفاً هذا المستقبل وما يمكن له من أن يجعل من الإمارات شريكاً لدولة عظمى اقتصادياً وتجارياً وسياسياً، فنمت العلاقات الإماراتية الصينية على كافة المستويات محققة الإمارات بذلك قوة اقتصادية لا يستهان بها حتى صارت الرقم الأول والصعب في المنطقة، فهي اليوم بوابة لعبور 70% من الصادرات الصينية إلى الشرق الأوسط وموئلاً لأكثر من 4000 شركة صينية عقارية وخدمية وإنشائية وتجارية تعمل على أرض الإمارات.
كلها استثمارات تسهم في رفع المستوى الاقتصادي وتحقق الاستقرار والثبات في نماء الرقي والتطور لشعب الإمارات ونمو الدولة في سعيها للتقدم وتحقيق قصب السبق في التطور العلمي والتكنولوجي والانفتاح المستدام والشراكة مع الدول العظمى على مبدأ التعاون المشترك والتكامل لا مبدأ الإملاءات والتبعيات، وهو مبدأ كرسته الإمارات دون مساومة، وفي العلاقات الصينية الإماراتية خير مثال على ذلك فتحتفل الصين اليوم بمرور 35 عاماً على العلاقات الثنائية الصينية – الإماراتية، كما تحتفل بها الإمارات التي تجمعها بالصين اتفاقيات على كافة المستويات الاقتصادية والتجارية والدبلوماسية والسياسية والعلمية والثقافية والإعلامية موثقة الشراكة الاستراتيجية بين الطرفين .
ثانيا: ما تمثله الإمارات للصين؛ فكان وما زال الشرق العربي قبلة التجارة الصينية وبوابتها للنفاذ إلى أفريقيا وشرق آسيا مما حدا بالصين إلى البحث الدؤوب عن شراكات مستقرة في الشرق تضمن لها تأمين طرق تجارتها واستثماراتها، فوجدت في الإمارات النموذج الأمثل لهذه الشراكة منذ نشوئها وجدية مؤسسها "الشيخ زايد" في النهوض ببلاده، وسعيه إلى التقدم بها، وإرساء دعائم السلام العالمي انطلاقاً من رؤية ثاقبة لمستقبل القوة الاقتصادية، والتعاون مع القوى الاقتصادية، واتباع سياسة التخفيف من القيود القانونية المعرقلة لمثل هذه الشراكات، وفتح البلاد على الاستثمار والتسهيل للقوى الاقتصادية والشركات الاستثمارية في أداء أعمالها.
فصارت بذلك دولة الإمارات بوابة الاقتصاد العالمي وبوابة الصين والسوق الأكبر للصادرات الصينية إلى الشرق لتغدو هي المحطة الأولى للمنتج الصيني ومن ثم يتم التصدير منها إلى المنطقة كافة وإلى أفريقيا، مما سهل الطريق أمام الصين لأن تصدر منتجاتها إلى الإمارات ومنها إلى الدول الأخرى في شراكة تعود بالنفع على الطرفين برفد الاقتصاد والنفاذ إلى كامل الشرق دون أدنى عراقيل، الأمر الذي جعل المسؤولين الصينيين يعدون الإمارات أفضل شريك تجاري للصين في الشرق الأوسط وأن العديد من الشركات الصينية تتطلع للوصول إلى الأسواق الإماراتية التي تمتاز بديناميكيتها وجذبها لرؤوس الأموال، كلُّ ذلك بسبب سياسة الإمارات المنفتحة التقدمية التي تحقق البيئة الأمثل للاستثمار وقطاع الأعمال وهو ما يبحث عنه الاقتصاد الصيني فوجدت الصين في الإمارات خير شريك استراتيجي.
وفي نهاية المطاف وعلى الرغم من التركيز على الجانب الاقتصادي في العلاقات والشراكة بين الطرفين فإن التعاون والشراكة بين الدولتين لا تقتصر على الجانب الاقتصادي بل هي متميزة تصل إلى مرحلة الشراكة الاستراتيجية على كافة المستويات وعلى هذا الأساس تأتي زيارة سمو الشيخ محمد زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي إلى الصين لتكمل مسيرة هذه العلاقات المميزة بين الإمارات والصين التي وصف إعلامها زيارته بالتاريخية، وفي ذلك دلالات على أنّ المستقبل القريب يبشر بالمزيد الذي حتما سيجلب معه النفع للدولتين أولا وللشعوب القريبة منهما ثانيا.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة