في عالمنا الحالي تتشابك التحديات الإنسانية مع التقلبات السياسية التي تؤثر على مناحي الحياة، تشتعل الصراعات وتدور رحى الحرب التي لا تبقي ولا تذر.
وتلقي بظلالها على الشعوب التي تصارع لإيجاد مأوى آمن، ناهيك عن لقمة عيش تسد جوعهم، والأهم مياه نظيفة تُروي ظمأهم. في خضم هذه الأحداث، تبرز الإمارات كمشكاة خير وعطاء وضوء ينير سُبلاً اكتساها السواد وتبدّد فيها الأمل. دولة جعلت العطاء نهجاً والإغاثة ثقافة لا تنضب، لا شعارات رنانة يتبدد صداها في عالم يكتنفه التوتر وازدواجية المعايير.
ولعلم الإمارات بأن الماء عنصر حيوي لبقاء الشعوب، سارعت إلى إغاثة أهالي غزة بشريان عطاء مستمر يوفر الحياة للملايين. من حدود رفح المصرية وصولاً إلى نواصي خان يونس يمتد شريان الإمارات لأكثر من 7 كيلومترات بطاقة إجمالية تبلغ مليوني جالون من المياه النظيفة، يحمل في طياته قطرات الأمل والعطاء، يروي عطش أهالي غزة ويخفف من معاناتهم ويضمن لهم مياهاً نظيفة. لكن، ما الذي حدا بالإمارات لتسارع إلى إغاثة غزة بهذا الشريان الحيوي؟
أبعاد إنسانية:
قطاع غزة شريط ساحلي يقطنه نحو مليوني إنسان يعانون من ظروف قاهرة لم يكن لهم فيها حول ولا قوة. بعيداً عن الحرب الطاحنة الراهنة، يعاني القطاع من شح في المياه الجوفية وجفاف ممتد منذ سنوات، ناهيك عن بنية تحتية متهالكة أثرت سلباً على نقاوة المياه الجوفية، حتى بات الحصول على المياه النظيفة حلماً صعب المنال ونادراً الحدوث. لذلك جعلت الإمارات، ممثلة بقيادتها الرشيدة، قضية المياه في صدارة تحركها الإغاثي لغزة.
أبعاد تاريخية أخوية:
لم يكن دعم الإمارات وليد اللحظة، بل امتد صداه منذ سبعينيات القرن الماضي. دولة فتية حديثة النشأة أكرمها الله بقيادة فذّة، فارس مغوار خرج من كثبان الصحراء يحمل في روحه عطاء ممتداً وخيراً لا ينضب، المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه. وجد في هبة الله له، "النفط"، عاملاً للخير يجود به على أبنائه ويسخّره لخدمتهم. وفي أحلك اللحظات وقف الشيخ زايد مناصراً لمصر، مردداً مقولته الشهيرة: "إن النفط العربي ليس بأغلى من الدم العربي"، مقولة تجلّت في نصرة الأخ والتضحية بأغلى ما يملك الإنسان. ومنذ ذلك الوقت كانت الإمارات عوناً ونصيراً للأشقاء، وما يمثله هذا المشروع إلا امتداداً لعطاء يجري سيلاً أينما حلّ زرع الخير وأنبت عطاءً لا يزول أثره.
أبعاد عربية مشتركة:
اختيار مصر كنقطة انطلاق للمشروع جاء لقربها من القطاع ولدورها الحيوي في إغاثة غزة الممتد منذ سنوات، فمصر لم تبخل على فلسطين حتى بدماء أبنائها. وما يمثله هذا المشروع يعكس روح التعاون والأخوة العربية، فالقضية الفلسطينية ليست حكراً على دولة بعينها، بل مسؤولية جميع الأشقاء الذين لم يتوانوا عن نصرتها والتأكيد على حق شعبها.
الإغاثة المرتبطة بالتنمية:
ما زالت الإمارات مستمرة في إغاثة الشعب الفلسطيني، فها هي تنفذ الإسقاط الإنساني الـ81 للمساعدات على قطاع غزة، لا سيما إلى الأماكن التي يصعب الوصول إليها. وعلى الجانب الآخر دشّنت السفينة التاسعة من المساعدات الإنسانية العاجلة "سفينة حمدان بن زايد". وعلى عكس هذه المساعدات الطارئة، يأتي هذا المشروع نموذجاً للمساعدات التنموية المستمرة التي تؤسس لمرحلة جديدة أساسها الاستقرار، ينعكس إيجاباً على أبناء القطاع ويعزز من استقرار مناحي الحياة الأخرى.
أبعاد سياسية دبلوماسية:
هذه المبادرة تعكس دور الإمارات الريادي في الدبلوماسية الإنسانية التي تمزج بين العمل السياسي والمعايير الأخلاقية. فهي ليست دعماً إنسانياً فحسب، بل رسالة خير وسلام تستهدف بناء جسور التواصل بين الشعوب وهدم الحواجز التي تفرق بينهم. فالسلام لا ينفصل عن السياسة والقيم الأخلاقية، بل يتوائم معها.
أبعاد مستقبلية:
هذا المشروع ليس سوى لبنة أولى في بناء الأمل والعطاء لأهالي غزة، ستتبعه مبادرات جمّة تعمل على توفير حياة أفضل لأبناء القطاع، تعيد لهم الأمل بمستقبل أكثر إشراقاً، وتؤسس لاستدامة المشاريع التنموية.
في النهاية، الماء ليس مورداً عادياً، بل رمز للبقاء والحياة. ومشروع خط المياه الإماراتي ليس مجرد توفير لمورد أساسي، بل رسالة حضارية إنسانية في عالم يعج بالتقلبات والانقسامات، ليؤكد أن الماء حاجة أساسية للنفس البشرية، ومن أبسط حقوق الإنسان الحصول على قطرة ماء نظيفة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة