أفريقيا تعيش اليوم مرحلة فارقة تعيد تموضعها في قلب النظام الدولي، بعد أن ظلت طويلاً فضاءً مهمشاً بفعل تاريخها الاستعماري.
فالقارة باتت ساحة رئيسية للتنافس الجيوسياسي والاقتصادي بين القوى الكبرى، بفضل مواردها الطبيعية الهائلة، وطاقتها البشرية الفتية، وموقعها الجغرافي الاستراتيجي.
تمتلك أفريقيا ثروات نفطية ومعدنية نادرة مثل الكوبالت والليثيوم واليورانيوم والذهب، وهي عناصر أساسية في التحول العالمي نحو الاقتصاد الرقمي والأخضر، خاصة مع تصاعد أهمية البطاريات والسيارات الكهربائية.
كما تشكل الغالبية الشابة لسكانها (أكثر من نصف سكانها تحت سن الخامسة والعشرين) قوة ديمغرافية هائلة، قد تتحول إلى محرك للنمو إذا ما استُثمرت في التعليم والتكنولوجيا، أو إلى مصدر لعدم الاستقرار والهجرة إذا تواصل اهمالها.
جغرافياً، تُعد أفريقيا عقدة وصل كبرى بين الشمال والجنوب والشرق والغرب، إذ تمتد من المتوسط إلى الأطلسي والهندي، وتتحكم في ممرات بحرية حيوية مثل قناة السويس والبحر الأحمر وخليج عدن. هذا الموقع جعلها ركيزة في معادلات التجارة العالمية ومجالاً للتنافس العسكري والاقتصادي.
القوى الكبرى تنخرط بعمق في القارة: الولايات المتحدة عبر الحضور العسكري، الصين من خلال الاستثمارات الضخمة ضمن مبادرة «الحزام والطريق»، روسيا عبر التعاون العسكري والأمني، والاتحاد الأوروبي من خلال مزيج من الوجود العسكري والتنمية وضبط الهجرة.
ورغم أن هذا التنافس يتيح فرصاً لجذب الاستثمارات، فإنه قد يعيد إنتاج التبعية، خاصة وأن كثيراً من المشاريع تميل لخدمة مصالح الممولين أكثر من أولويات التنمية الأفريقية.
على الصعيد الأمني، تواجه أفريقيا تمدد الإرهاب في الساحل والصحراء، وصراعات مزمنة في القرن الأفريقي، ما يفاقم هشاشة الدول ويجعلها عرضة للتدخلات الخارجية.
في المقابل، بدأت القارة تشهد تحولات إيجابية في مجال التكنولوجيا والابتكار، حيث برزت مراكز رقمية ناشئة في عدة دول أفريقية، خصوصاً في الخدمات المالية عبر الهاتف المحمول، وهو ما ساعد في إدماج شرائح واسعة في الاقتصاد رغم ضعف البنية المصرفية التقليدية.
كما يمثل التغير المناخي تحدياً وميزة في آن واحد: أفريقيا من أكثر المناطق تضرراً بالجفاف والفيضانات والتصحر، لكنها أيضاً غنية بالقدرات في الطاقة الشمسية والرياح.
دول مثل المغرب وجنوب أفريقيا تبني مشاريع رائدة في الطاقة النظيفة، ما يعزز موقع القارة كركيزة أساسية في التحول العالمي نحو اقتصاد منخفض الكربون.
إلى جانب ذلك، يبرز البعد الثقافي والإنساني كأداة للقوة الناعمة. فالموسيقى والرياضة والفنون الأفريقية باتت حاضرة عالمياً أكثر من أي وقت مضى، كما أن الجاليات الأفريقية الكبيرة في أوروبا وأمريكا الشمالية تسهم في توسيع الروابط العابرة للقارات وتغيير الصورة النمطية عن القارة.
في النهاية، تقف أفريقيا عند مفترق طرق: فهي تمتلك كل المقومات للتحول إلى قوة دولية بازغة ومؤثرة، لكنها تواجه تحديات بنيوية عميقة مثل ضعف الدولة الوطنية، وغياب التكامل الإقليمي، والنزاعات المسلحة والفساد.
نجاحها يتوقف على قدرتها على بناء مؤسسات قوية، واستثمار مواردها البشرية والطبيعية، والاستفادة من التنافس الدولي دون الوقوع في التبعية. وإذا تحقق ذلك، فإن أفريقيا ستكون أحد الأعمدة الرئيسية لإعادة تشكّل النظام الدولي؛ أما إذا فشلت، فستظل ساحة لصراعات الآخرين.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة