يأتي القرار الإماراتي الجديد كخطوة جديدة في سياق الجهود الإماراتية المستمرة لتعزيز موقع الدولة بوصفها بوتقة لانصهار جميع شعوب العالم.
يمكن للإمارات أن تحاجج وعن حق بأنها أضحت الدولة الحاضنة لشعوب العالم دون رياء أو كبرياء، ويمكن للإماراتيين أن يفاخروا بنموذجهم التصالحي والتسامحي المثير حول العالم، وفي منطقة الشرق الأوسط الملتهبة بنوع خاص، تصالح مع الذات الإنسانية الخلاقة، وتسامح مع الآخرين لا سيما الملهوفين والمعوذين. ما الذي يستدعي الإشارة إلى دور الإمارات العالمي على هذا النحو؟ المؤكد أن القرار الذي اعتمده مجلس الوزراء الإماراتي بمنح رعايا الدول التي تعاني من حروب وكوارث إقامة لمدة عام على أراضي الدولة، هو منطلق هذه السطور، إذ يأتي القرار تضامناً من دولة الإمارات العربية المتحدة مع شعوب تلك الدول ودعماً لها، حتى تتحسن أوضاعهم المعيشية أو يصبحوا قادرين على العودة لدولهم. مثير جداً شأن الإمارات وسردية اتساع القلب والعقل لديها، فهي لم تضع في متن قرارها أي شروط أو متطلبات تتسق وسياقات العنصرية التي تعود لتطفو على السطح مجدداً، فلم يشترط القرار جنساً معيناً، ولا ديناً أو عِرقاً، ولم يقل القرار بأنه حصر على الأشقاء العرب، أو الإخوة والأشقاء من الخليج العربي.
مثير جداً شأن الإمارات وسردية اتساع القلب والعقل لديها، فهي لم تضع في متن قرارها أي شروط أو متطلبات تتسق وسياقات العنصرية التي تعود لتطفو على السطح مجدداً، فلم يشترط القرار جنساً معيناً، ولا ديناً أو عِرقاً، ولم يقل القرار بأنه حصر على الأشقاء العرب، أو الإخوة والأشقاء من الخليج العربي
ما هو سرك أيتها الإمارات؟ وما هو سركم أيها الإماراتيون؟
لعلها من مصادفات القدر أن يأتي الإعلان عن هذا القرار في اليوم الذي كانت الأنباء الواردة من ألمانيا تشير إلى تصاعد المواجهة بين المستشارة أنجيلا ميركل وحلفائها في الحزب المسيحي المحافظ، لا سيما بعد إعلان وزير الداخلية الألماني عن خطة أمنية جديدة لفرض رقابة على حدود ولاية (بافاريا)، وذلك في إطار التضييق على المهاجرين واللاجئين الذين قصدوا البلاد في الفترة السابقة.
عطفاً على ذلك، فإن أصوات اليمين الألماني القومي المتشدد، وبعض الحركات العنصرية هناك تطالب بصوت عال بطرد كل الغرباء الذين اتخذوا من ألمانيا ملجأ وملاذاً في الأعوام القليلة المنصرمة. يبدو الأوربيون والألمان في مقدمهم أقرب ما يكونون لخيانة أزمنة التنوير وشرعة حقوق الإنسان، وفي القلب منها حق اللجوء للمضطهدين والفارين من وجه الموت والحرب والدمار حفاظاً على أرواحهم، بعدما فقدوا أراضيهم وممتلكاتهم.
على أن الإماراتيين يرتقون معارج المجد والفضيلة عبر استلهام تراث الآباء والأجداد الذين عرفوا معنى إغاثة الملهوف وبسط الحماية على المستجير، وهو قبل أن يكون تقليداً زمانياً ومكانياً هو خلق قرآني كما في الآية الكريمة: {وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ ٱسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلَٰمَ ٱللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُۥ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْلَمُونَ}.
يأتي القرار الإماراتي الجديد كخطوة جديدة في سياق الجهود الإماراتية المستمرة لتعزيز موقع الدولة بوصفها بوتقة لانصهار جميع شعوب العالم في تجربة حضارية وإنسانية جديدة ومثيرة، وكمعين يحتضن كل شعوب الإنسانية، وهو أمر لو يعلم الناظر للمشهد عظيم الأثر، باعتبار الإمارات على هذا النحو وطن ثانٍ لكل الجنسيات ومن مختلف الأطياف، وبما يتوافق مع توجهاتها في مد يد العون للمحتاجين والضعفاء في مختلف دول العالم.
ما الذي يمكن لمثل هذا القرار أن يضيفه للواقع الدولي الذي يكاد أن يضحى مهترئاً في ظل تصاعد القوميات، وتعاظم الشوفينيات وعودة تيارات المد اليميني، سواء كانت دينية كما نرى في الولايات المتحدة الأمريكية، أو سياسية مثلما هو الحال في أوروبا التي باتت انتصارات اليمين السياسي فيها تقضي على ما تبقى من أساسات أزمنة النهضة العقلية والإنسانية؟
يمكن القطع دون تزيُّد وبلا مواراة أو مدارة، أن مثل هذا القرار يلفت إلى حرص الإمارات الدائم على إرساء أسس التنمية والأمن والاستقرار والسلام في العالم، وذلك انطلاقاً من مبادئ راسخة تؤكد مسؤوليتها، خاصة في محيطها العربي والخليجي، في دعم ومساعدة الأشقاء والمحتاجين من مختلف الشعوب. تضرب الإمارات المثل الإيجابي الخلاق، والذي لا بد له أن يستحوذ على أكبر تقدير من الاحترام العالمي، وتضحى بذلك قرارات الدولة الإماراتية نابعة من معين الرحمة التي هي فوق العدل، وأنموذج للسياسيين الكبار حول العالم للاقتداء به.
يمكن للرئيس الأمريكي دونالد ترامب بنوع خاص أن يجاهر بموقف الإمارات تجاه إغاثة الهاربين من جحيم الموت، وذلك عوضاً عن أن يتخذ من الصراع الدائر في الداخل الألماني كدليل على حسن إدارته لملف الهجرة، فقد دخل ترامب على خط الأزمة السياسية الدائرة في ألمانيا معتبراً أن الألمان ينقلبون على قادتهم، بسبب الخطأ الكبير الذي ارتكبته المستشارة ميركل بإدخال اللاجئين، ومؤكداً أن الولايات المتحدة لن تقوم بالمثل.
يتجاوز النموذج التسامحي الإماراتي كل علائم التعصب والتطرف طبقياً كان أو دينياً، ويذكر العالم أجمع بما قاله حكيم صيني ذات مرة إن أردت أن تنفع الناس لسنة ابذر لهم حبة، وإذا أردت أن تنفعهم لعشر سنوات ازرع لهم شجرة، وإذا أردت أن تنفعهم لمئة سنة اعطهم تعليماً مفيداً. شكراً للإمارات التي تُعطي المثل الإنساني والإيماني الصالح للعالم برمته.
نقلا عن "الاتحاد"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة