زيارة البابا ستبعث رسالة قوية في شتى أنحاء المنطقة والعالم: الناس ذوو العقائد المختلفة يمكنهم العيش والعمل والعبادة معا.
في عام 1960، ذهب طبيبان مسيحيان أمريكيان إلى عمق الصحراء القاسية في شبه الجزيرة العربية، لتأسيس مستشفى في مبنى من الطوب اللبن ذي أرضيات ترابية، وسقف من سعف النخيل. بالنسبة للبدو الذين عاشوا هناك واعتنقوا الإسلام، ستكون هذه أول تجربة لهم مع الطب الحديث - وأول اتصال مع المسيحية.
وخلال العقود القليلة المقبلة، في ظل تشجيع ودعم زعماء القبائل المحليين، سيقوم الفريق الطبي المكون من زوج وزوجة بتوسيع المستشفى وإنقاذ العديد من الأرواح، وإرساء تراث دائم من الاحترام والإعجاب بين المسيحيين والمسلمين فيما أصبح يعرف لاحقا بدولة الإمارات العربية المتحدة.
قبل ستين عاما في الصحراء، بنى طبيبان مسيحيان وبدو قرويون جسرا بين ديانتين بأعمال العطف والتفاهم ونحن قادرون على أن نفعلها مجددا. في نهاية هذا الأسبوع، سيوحد البابا فرنسيس والإمام الأكبر صوتيهما في الصلوات والعظات لمليارات من الكاثوليك والمسلمين في أنحاء العالم
هذا الأسبوع، سيُكرم هذا الإرث عندما يسافر البابا فرنسيس إلى شبه الجزيرة العربية، وهي أول زيارة من نوعها لأي بابا. وسوف يقيم قداسا في أبوظبي يحضره 120 ألف شخص من بين أكثر من مليون كاثوليكي يعيشون في الإمارات، ويزور الكاتدرائية الكاثوليكية المحلية التي افتتحت عام 1965 على أرض تبرعت بها الحكومة.
ستبعث زيارة البابا رسالة قوية في شتى أنحاء المنطقة والعالم: الناس ذوو العقائد المختلفة يمكنهم العيش والعمل والعبادة معا. التوقير والاحترام والتراحم هي قيم مشتركة أساسية. الصلاة تجمع وتوحد على حد سواء.
لكن ليس الجميع سيرحب بالرسالة أو يحتضنها.
في مختلف أنحاء الشرق الأوسط، نواجه خطر التطرف. والتفسيرات المتطرفة للإسلام تمثل أقلية ضئيلة من أولئك الذين يعتنقون العقيدة. ولكن غالباً ما يُسمع من يصرخ بأعلى صوته، سواء كان ذلك على التلفاز أو على الإنترنت أو في المسجد. إنهم يحرفون ويطمسون حقيقة أن الإسلام دين سلام، كما ورد في إحدى مقالات "دابق"، المجلة التي تصدر باللغة الإنجليزية لما يسمى بـ"داعش"، لقرائها العلمانيين، "بادئ ذي بدء، نكرهكم لأنكم كفار. تنكرون وحدانية الله، سواء كنتم مدركين لذلك أم لا".
تسعى هذه الأصوات المتطرفة إلى تحريض الأتباع المجانين على تلبية مبتغاهم. إنهم ينتجون المتعصبين مثل الذين ينفذون أعمال عنف تفيض كراهية ضد الأقليات الدينية والعرقية. تعرضت الكنائس القبطية المسيحية لهجمات في مصر. ودُمر موطن الإيزيديين في العراق. وتعرض المتحف اليهودي في بروكسل لهجوم بالقنابل. وعلى نحو كارثي، فإن المسلمين -سنة وشيعة- هم من بين الجميع من يدفعون أفدح ثمن، جراء أعمال الأصوليين القتلة.
إن تجاهل التهديد أو الرضا عن الذات أمر خطير للغاية، ولن يؤدي إلا إلى تغذية حلقة العنف الطائفي التي استحوذت على المنطقة لأكثر من جيل. القضاء على المتطرفين بالقوة ليس هو الحل أيضاً طالما تستمر الأيديولوجية المسمومة والظروف التي تغذيها.
إذن كيف نكسر هذه الحلقة؟ كيف يمكننا تشجيع الناس على قبول وليس شيطنة "الآخر"؟
ستسلط زيارة البابا هذا الأسبوع الضوء على نهج قريب من مركز العالم الإسلامي. اليوم، الإمارات هي موطن لمئتي جنسية مختلفة، وأكثر من 40 كنيسة ونحو 700 تجمع مسيحي. والمعابد السيخية والبوذية تستقبل الطوائف الدينية متعددة الجنسيات. والعام الماضي، وضع رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي حجر الأسـاس لمعبد هندوسي جديد. التجمعات المسيحية الإنجيلية تزخر بها البلاد. والجالية اليهودية نشطة ومتنامية.
علاوة على توفير أجواء مفتوحة لممارسة الشعائر الدينية في الوطن، تدعو الإمارات أيضا إلى حرية العبادة وتبادل الأفكار بين الأديان على مستوى العالم.
وخلال زيارته، سيشارك البابا فرنسيس في منتدى الحوار بين الأديان مع أعضاء مجلس حكماء المسلمين وغيرهم من القادة الدينيين. وسيلتقي الإمام الأكبر أحمد الطيب، شيخ الأزهر بالقاهرة، أهم مؤسسة دينية للإسلام السني.
في الصيف الماضي، شارك وفد يضم مسؤولين حكوميين إماراتيين وقادة دينيين يقيمون بالإمارات -يمثلون الإسلام والمسيحية والسيخية- في المؤتمر الوزاري من أجل تعزيز الحرية الدينية الذي عقدته وزارة الخارجية الأمريكية في العاصمة واشنطن. لقد كان أمرا لافتا للنظر -وله دلالته- رؤية بلد من الخليج العربي ممثل بمثل هذه المجموعة المتنوعة. في ديسمبر/كانون الأول، استضافت الإمارات المنتدى السنوي الخامس لتعزيز السلم في المجتمعات المسلمة، وهو مؤتمر عالمي لتعزيز الحوار بين الأديان ورفض استغلال الدين في الصراع والحرب.
ينبغي أن تكون تلك الأفكار والمبادئ حول الاحترام المتبادل والتسامح الحقيقي عالمية. الإيمان والعقيدة أدوات جيدة للأهداف النبيلة، وليس ذريعة للموت والدمار، يجب أن تعلو أصوات الاعتدال والقبول على أصوات الفرقة والكراهية.
باعتباره مهد الديانات الإبراهيمية الثلاثة، أصبح الشرق الأوسط اليوم أتونا للصراع فيما بينها وداخلها. الدين اليوم هو خط الصدع المحفوف بالمخاطر الذي يقسم المنطقة، لكن الإيمان الحقيقي للمسلمين والمسيحيين واليهود لم يكن يتعلق أبدا بالكراهية أو التعصب.
لا يوجد صراع بين الحضارات أو الأفكار، فقط موجة من الجهل، وافتقار للشجاعة وللقيادة الأخلاقية.
قبل ستين عاما في الصحراء، بنى طبيبان مسيحيان وبدو قرويون جسرا بين ديانتين بأعمال العطف والتفاهم. ونحن قادرون على أن نفعلها مجددا. في نهاية هذا الأسبوع، سيوحد البابا فرنسيس والإمام الأكبر صوتيهما في الصلوات والعظات لمليارات من الكاثوليك والمسلمين في أنحاء العالم، وسيتحقق هذا في قلب العالم العربي في بلد يحتضن ويعيش هذه المُثل كل يوم.
نقلا عن "صحيفة بوليتيكو"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة