بناء الإنسان يعتبر ركيزة أساسية من ركائز استراتيجية التطوير للإمارات، إذ تنطلق جميع برامج وخطط تطوير العملية التعليمية والرياضية
الاهتمام بأصحاب الهمم في دولة الامارات هو جزء من رسالتها الإنسانية، وهو أحد تجليات منظومة القيم والمبادئ الإنسانية والحضارية التي تأسست عليها الدولة، فأصحاب الهمم يحظون باهتمام وأولوية استثنائية في دولة الإمارات، ورغم تعدد مظاهر وبراهين هذه الأولوية فإنني أقف بشكل خاص عند حدث مهم هو انعقاد "خلوة أصحاب الهمم"، والتي جمعت بين صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، وأخيه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، وأثمرت عن مراجعة شاملة ودقيقة لكل ما يتعلق بأصحاب الهمم، ومن ثم الخروج بوثيقة هي الأولى من نوعها التي تختص بشؤون أصحاب الهمم، و31 مبادرة وبرنامجا وطنيا تدعم مستقبل أصحاب الهمم، وتمكن من تفاعلهم في مختلف القطاعات.
نجحت الإمارات بجدارة في بناء رسالة إنسانية متكاملة سبقت هذه الاستضافة العالمية وستكون أحد أبرز منجزاتها، فهناك إبراز للرسالة الإنسانية والتطوعية وهناك حرص على تكامل مؤسسات المجتمع وإعلاء روح الفريق في عمل جماعي مبهر، محوره الاحتفاء بأصحاب الهمم
وصف صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم سياسة الدولة حيال أصحاب الهمم بأنها "التزام ماضون فيه لتهيئة الفرص لهم"، وقد كان توقيع وثيقة رسمية بهذا الشأن دليل قاطع على جدية العزم على الاستمرار في مسيرة الدمج المجتمعي لهذه الشريحة المهمة في المجتمع؛ حيث أشار نص الوثيقة إلى أن "أصحاب الهمم لهم مكانة خاصة في قلب نسيجنا المجتمعي.. نتعلم منهم عزيمة الإرادة، ونستلهم منهم صنع المستحيل، ونفخر بإنجازاتهم في مسيرة التنمية.. مستقبل أصحاب الهمم ورعايتهم ورفع سقف مشاركتهم مسؤولية وطنية مشتركة، وخلوة أصحاب الهمم هي رسالة تمكين وتحفيز لمستقبل أفضل يلبي تطلعاتهم".
إن استضافة أبوظبي الأولمبياد الخاص حدث عالمي له دلالات متنوعة، بعضها يتعلق بقدرات الدولة التنظيمية الكبيرة، والتي تمكنها من استضافة مثل هذه الأحداث العالمية بكل أريحية، بعد أن راكم شباب الإمارات قدرات تنظيمية هائلة على تنظيم الفعاليات الدولية، ومن ثم كانت الاستضافة ترجمة لثقة عالمية بهذه القدرات، لا سيما ونحن ندرك مدى اهتمام العالم بأصحاب الهمم، باعتبار ذلك مؤشرا مهما على التقدم والتحضر والرقي الإنساني.
هناك دلالات لا تخطئها العين أيضاً لهذه الاستضافة العالمية، لحدث يبدو في ظاهره رياضيا، ولكن جوهره يزخر بالقيم والمبادئ والرسائل الإنسانية، فعلاوة على أن مثل هذه الفعاليات تتطلب رسوخ ثقافة مجتمعية قائمة على التعددية والتسامح والانفتاح، فإن الإمارات تنظر لمثل هذه الفعاليات باعتبارها جزءا من رسالتها الإنسانية العالمية في ترسيخ قيم التسامح وقبول الآخر، وتشجيع الإبداع والتميز والتنافسية في مختلف مجالات التنمية.
وثمة شق آخر يتعلق بالسياسة الوطنية لتمكين الشباب، حيث تدرك قيادتنا الرشيدة أن النجاحات والإنجازات الرياضية المتوقعة التي سيحققها أبطال الإمارات في الأولمبياد الخاص هي رسالة تشجيع وتحفيز لبقية شباب الوطن من أجل الارتقاء بقدراتهم الذاتية ومهاراتهم لنيل شرف البطولات في منافسات دولية أخرى، انطلاقاً من أن النجاح والتفوق والتنافسية العالمية هي كل لا يتجزأ، وأن النجاح في بناء النموذج التنموي العالمي لا بد أن يتجلى وينعكس بوضوح في نجاحات وإنجازات رياضية، وقد عبر عن ذلك بوضوح صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة خلال استقبال المنتخب الوطني المشاركين في الأولمبياد الخاص، حيث عبر سموه عن إيمانه العميق بقدرات وإمكانيات أبناء الدولة -خاصة فئة الأولمبياد الخاص- في التفوق وتحقيق نجاحات متميزة في المستقبل، مؤكداً سموه أن "بناء الإنسان الإماراتي يعتبر ركيزة أساسية من ركائز استراتيجية التطوير للإمارات؛ إذ تنطلق جميع برامج وخطط تطوير العملية التعليمية والرياضية من هذا المحور، والذي يشكل نقطة ارتكاز في أجندة السياسة العامة للدولة"، ما يعني أن الأمر لا يتعلق بتظاهرة رياضية عالمية فقط، بل يرتبط بمرتكزات التنمية والبناء والسياسة العامة للدولة.
تدرك قيادتنا الرشيدة أن مقومات صناعة النموذج التنموي العالمي متشعبة، وتتطلب الاهتمام بكل ومجمل جوانب الحياة، وأن بناء الصورة الحضارية للدولة لا بد أن يرتبط بالاهتمام بكل مؤشرات نوعية الحياة وجودتها، لا سيما أصحاب الهمم ودورهم في مختلف المجالات.
وقد نجحت الإمارات بجدارة في بناء رسالة إنسانية متكاملة سبقت هذه الاستضافة العالمية، وستكون أحد أبرز منجزاتها، فهناك إبراز للرسالة الإنسانية والتطوعية، وهناك حرص على تكامل مؤسسات المجتمع وإعلاء روح الفريق في عمل جماعي مبهر، محوره الاحتفاء بأصحاب الهمم وتشجيعهم وتحفيزهم على أداء الدور المنوط بهم في المجتمعات.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة