بين الواقع والطموح.. هل أوكرانيا جادة بشأن استعادة القرم؟
بعد عام من عملية روسيا العسكرية بأوكرانيا، مرت فيه موسكو بالكثير من الأخطاء وأحيانا الهزائم، باتت كييف تفكر باستعادة شبه جزيرة القرم.
وبعدما كان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي منفتحا في مارس/آذار عام 2022 على مناقشة "تنازلات" بشأن القرم إذا كان ذلك لينهي الحرب وينقذ المدن من الدمار، قال زيلينسكي في يناير/كانون الثاني 2023، في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، إن "القرم أرضنا"، وطلب من الغرب تزويدهم بالأسلحة لاستعادة شبه الجزيرة الاستراتيجية.
- عام على الحرب.. سفير أوكرانيا يكشف لـ"العين الإخبارية" الخسائر وفرص السلام
- أوكرانيا في الاستراتيجية الأمريكية.. لعب بعصا واحدة ضد خصمين
واعتبر تحليل منشور بمجلة "فورين بوليسي" الأمريكية أن "النجاحات بساحة المعركة منحت الرئيس الأوكراني الجرأة للسعي وراء انتصارات عسكرية قبل أي تسوية تفاوضية"، لافتة إلى أن "حقيقة أن روسيا استخدمت بانتظام قواعد في القرم لمهاجمة البنية التحتية الأوكرانية عززت المعتقد في كييف بأن استعادة القرم ضروري لوضع نهاية حاسمة للتهديد الذي تشكله روسيا".
وقالت محللة أوكرانية لـ"فورين بوليسي" إن "هناك مناقشات معقولة بين مسؤولي الحكومة في كييف بشأن محاولة استعادة القرم حتى قبل السيطرة على منطقة دونباس بالكامل، حيث يدور معظم القتال الآن".
وقالت ألينا فرولوفا نائب رئيس مركز دراسات الدفاع الأوكراني، ونائب وزير الدفاع السابقة، إن "النخبة السياسية والعسكرية الأوكرانية أشارت على مدار الشهور القليلة الماضية إلى أن استرداد القرم هو هدفهم الواضح"، مضيفة أن "الحكومة يدعمها في مسعاها بعض أجزاء إدارة بايدن".
وأضافت لـ"فورين بوليسي" من كييف: "في وقت سابق، كان حلفاؤنا الغربيون ليقولوا: نعم، إنها أرضكم، نعم، نعلم ذلك، لكن ربما (يمكننا) إيجاد حل مختلف. أرادوا مناقشة قضية دونباس وتنحية القرم جانبا. لكننا لا نسمع الآن مثل هذه الأمور".
وتابعت: "يجرى الحديث الآن عن أنه إذا استعدنا القرم، ستتغير الخطوط الأمامية بشكل كبير وكذلك العملية السياسية. وعلاوة على ذلك، سيعطي ذلك قدرة على وصول أسهل إلى الشرق".
وكان القائد السابق للقوات البريّة الأمريكية في أوروبا الجنرال بن هودجز بين المؤيدين الصريحين للفكرة، حيث قال لوسائل الإعلام الأوكرانية هذا الشهر: "القرم أراضٍ مهمة، وهذا كل ما يهم. إذا حررت أوكرانيا القرم، وهو ما أعتقد أنه ممكن هذا العام، فسيأتي كل شيء آخر تباعا".
وبالرغم من أن القرم كانت في نهاية قائمة خطط المعارك، ظهرت على مدار الشهور القليلة الماضية بقائمة اهتمامات الحكومة الأمريكية باعتبارها مسارا محتملا لإنهاء الحرب هذا الصيف وحرمان روسيا من حرب استنزاف. وهناك مخاوف في واشنطن من أنه حال عدم وجود تاريخ لانتهاء للحرب، قد يكون من الصعب الحفاظ على الدعم العام للقضية الأوكرانية.
وأشار التحليل بـ"فورين بوليسي" إلى أن "هناك جدالات مؤيدة ومعارضة لدعم المهمة الأوكرانية في القرم، ولا يزال من غير الواضح الطريقة التي ستلين بها الولايات المتحدة أخيرا"، ويقول الخبراء العسكريون إن "الفكرة هي عزل القرم أولا ثم، عندما تتعرض القوات الروسية للضرب، يتم شن عملية مشتركة للقوات لاستعادة الأراضي".
وسيتطلب ذلك أولا "تعطيل خطوط الإمداد الروسية إلى القرم – جسر كيرتش، الذي تم بناؤه عام 2018، وما يسمى بالممر البري الذي يمتد عبر المدن التي تمت السيطرة عليها مؤخرا على الخط الساحلي لبحر آزوف. وتعتمد كلتا العمليتين بشكل كبير على موافقة الغرب على تقديم الأسلحة الهجومية طويلة المدى، من بين قدرات أخرى".
ويقول خبراء عسكريون إنه "في بداية مثل هذه العملية، ستحتاج أوكرانيا قدرات هجومية طويلة المدى مثل أتاكمز، وهو صاروخ "أرض-أرض" يصل مداه إلى 190 ميلا. كما سيحتاج الغرب إرسال معدات أخرى لتمكين الأوكرانيين من نشر قوة مدرعة كبيرة قادرة على اختراق خطوط العدو دون أن تفجرها الألغام أو يتعرضوا للحصار في الخنادق التي حفرها الروس".
وبافتراض أن "مثل هذا الهجوم جرى كما هو مخطط له، وقطع خطوط الإمداد الروسية، ستشن القوات الأوكرانية بعد ذلك هجوما للقوات المشتركة على جميع القوات الروسية المتبقية في القرم، بهدف هزيمتهم في قتال مباشر وإجبارهم على التراجع".
ويعتقد بعض الخبراء أنه يمكن لمثل هذه الخطة النجاح، لكن يساور آخرون الشكوك. وصحيح أن الأوكرانيين أثبتوا أنهم محاربون جيدون وضربوا بالفعل عدة منشآت روسية داخل القرم. لكن عزل القرم شيء، والدخول ومهاجمة والسيطرة على مثل هذه المنطقة شديدة التحصين التي يحرسها أسطول بحري روسي شيء آخر تماما.
وفي إحاطة سرية، أبلغ 4 مسؤولين بوزارة الدفاع الأمريكية لجنة القوات المسلحة بمجلس النواب أنه "من غير المرجح أن تتمكن القوات الأوكرانية من استعادة القرم في أي وقت قريب".
ولفت التحليل إلى اعتبارات أخرى أيضًا، حيث إن أكثر من 60% من السكان في القرم من عرقية روسية، في حين أن البقية مزيج من تتار القرم والأوكرانيين، موضحا أنه "لا يمكن استبعاد حدوث انتفاضة ضد حكم أوكراني في القرم كذلك، وهناك مخاوف من مقتل مدنيين موالين لروسيا في فوضى الحرب".
ويجعل تاريخ القرم الفريد وتركيبتها السكانية العديد من المراقبين يتساءلون عما إذا كان يجب حل وضعها في النهاية عبر الدبلوماسية بدلا من القتال العسكري.