القوات التي شاركت في هذا العرض، اتسمت تحركاتها بالدقة والانسيابية وحسن التنفيذ، وقدمت عرضا حقيقيا يجسد فن إدارة العمليات العسكرية.
قد يعتقد البعض أن العرض العسكري الذي أدته فرق من نخبة القوات المسلحة الإماراتية في الثاني من مارس هذا العام، والذي حمل اسم "حصن الاتحاد"، ليس سوى حدث عابر جاء في إطار استعراض القوات الإماراتية لبعض من قدراتها القتالية، ولكن توقيته وأسلوب تنفيذه وموضوعه وطريقة عرضه ومكانه، لها دلالات ربما غابت عن أذهان من لا يفهمون أبعاد كلمتي حصن، واتحاد.
نعم.. هو ليس مجرد عرض عسكري فقط، وإنما للناظرين عن كثب أن يلحظوا الكثير من الكلمات والرسائل بين السطور، فأول ما يجب لفت الانتباه إليه هو أن هذا الحدث يأتي للمرة الأولى على أرض الإمارات، تحديدا من كورنيش العاصمة أبوظبي، والذي جهز بشكل احترافي ملفت ليكون للجمهور العام والمشاهد بالمجان مكان يقف فيه، يتابع ويلتقط الصور بل ويستمتع مع عائلته بأداء في غاية الدقة والإتقان لنخبة من القوات البرية والجوية والبحرية الإماراتية.
العرض العسكري الذي حمل عنوان "حصن الاتحاد" والذي عرض محاكاة حية لعملية إنقاذ رهائن في عرض البحر، بعدما طلبت دولة صديقة من الإمارات مساعدتها في تنفيذ عملية تعد من أخطر العمليات العسكرية، ينبغي فيها توخي الحيطة والحذر والحفاظ على أرواح الرهائن، مقابل الاستعداد المطلق والكامل لمواجهة إرهابيين لا تُعرف أهدافهم ولا نواياهم.
وقد أدت القوات المشاركة في هذا العرض مهمتها على أكمل وجه، مستخدمين أحدث الأسلحة والتقنيات المتطورة في إتمام العمل المنوط بهم، كما لوحظت الكفاءة العالية والقدرات القتالية الكبيرة، والانضباط والتفاني والإمكانيات الكبيرة لدى منتسبي القوات المسلحة الإماراتية، وهو ما يعكس الصورة الكبرى والانعكاس الحقيقي لكامل عديدها.
القوات التي شاركت في هذا العرض، اتسمت تحركاتها بالدقة والانسيابية وحسن التنفيذ، وقدمت عرضا حقيقيا يجسد فن إدارة العمليات العسكرية وكفاءة الفاعلين على الأرض وفي الجو والبحر.
وميز المشروع القتالي تنفيذه بدقة، ما يعكس قدرة القوات المسلحة الإماراتية على فهم تكنولوجيا السلاح وطريقة التعامل معه، واستيعاب أجواء المعركة والمهنية العالية التي يتمتع بها أفرادها، ومدى التفاني والالتزام والتكامل والتنسيق والتجاوب السريع لمقتضيات ساحة القتال وبالسرعة المطلوبة.
هذا العرض العسكري المبهر والذي لم تتجاوز مدة تنفيذ عمليته فعليا ووفق توقيت حقيقي الـ30 دقيقة، أرسل بوضوح عدة رسائل ليس أقلها، أن القوات المسلحة الإماراتية موجودة وحاضرة وبشكل لا يدع مجالا للمتشككين والذين لا يملكون سوى الجعجعة والعويل، عبر قوة بحرية لا يستهان بها، تستخدم أحدث التقنيات والقطع البحرية المؤثرة بقوة في ساحة المعركة.. كما أن قواتها الجوية تمتلك من أساطيل الطائرات الأحدث على الإطلاق، بل هي الوحيدة في المنطقة التي تمتلكها، ما يؤهلها لكسب أي معركة جوية مهما بلغت شدتها وضخامتها.. كما أن القوات البرية الإماراتية أوصلت رسالة في غاية الوضوح والمباشرة، مفادها أنها قادرة على تنفيذ عمليات تحت أي ظرف وفي كل مكان وزمان.
إذن تمكنت دولة الإمارات العربية المتحدة من إعداد قوة عسكرية حقيقية، ولا يستهان بها، كما أنه لا بد من وجودها، بحيث غدت فخرا للوطن، والمواطن، والمقيم والصديق يعتز بكونه على صلة صادقة وطيبة بهذا البلد المعطاء، الذي سخر جل مايملك في سبيل إعلاء راية الحق والعدل.
وقد بذلت القيادة الإماراتية جهودا استثنائية وجبارة في سبيل رفع كفاءة القوات المسلحة لتصل إلى هذا المستوى من التدريب والقدرة على التنفيذ، ودقة الاستيعاب والتصويب الصحيح للوصول إلى الهدف المرجو تحقيقه، وهو ما يجب على القاصي والداني أن يفهمه ويعيه.
"حصن الاتحاد".. تحت هذا العنوان القصير، والعرض الفائق للقدرة على المناورة بمهارة ومهنية، لا يحمل تهديدا لأحد، وإنما جاء واضحا شفافا وفي العلن، حضره كل من أراد ورغب، ولكن كان للحضور الرسمي عالي المستوى والمتمثل بالشيخ محمد بن زايد آل نهيان، عنوان عريض للرسالة، مفاده أن الإمارات أرض السلام، نار لمن أرادها نارا وبرد وسلام لمن أراد السلام والوئام.
بهذه الحروف العشرة عنونت القيادة الإماراتية رسالتها بوضوح، "احذر الحليم إذا غضب"، وبأن على أرض الإمارات رجال صدقوا ماعاهدوا الله عليه، عون للصديق، ومخرز في عيون من تسول لهم أنفسهم الاعتداء على أرض الإمارات ومصالحها ومكتسباتها، سواء بشكل مباشر أو عبر دعم المجموعات والتنظيمات الإرهابية والتخريبية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة