القطريون، والمتقطّرون أيضا، باتوا مسكونين بجنون العظمة؛ فلم يعودوا يكتفون باعتبار قطر دولة صغيرة، تطمح لكسب موطئ قدم في معترك السياسة الدولية، بل باتوا في أوهام خيالهم المجنح، يعتبرونها مركز الكون كله
في الأثر أن الله إذا أراد هلاك النملة جنّحها؛ فبدل أن تسير بثبات على مسار اختطه أفراد الخلية بالتشارك لا يحيدون عنه؛ ترتفع ـ نسبيا بالطبع ـ إلى فضاء واسع، تود لو طارت فيه حتى تطاول الجوارح الكاسرة، وأنى لها ذلك!
خطر بي هذا المأثور عندما صادفت، وأنا أتصفح "تويتر" مقطعاً من تصريح لشخصٍ قطري، يُرجع أسباب أزمة دول الخليج مع قطر؛ إلى عقدة نقصٍ يشعر بها الإماراتيون ـ كل الإماراتيين ـ تجاه قطر التي زعم أنهم كانوا خدما وحشما في بيوتها؛ وليضفي "المحلل العظيم" صبغة أخلاقية على كذبته البلقاء ونزعته الجاهلية؛ تدارك الموقفَ بامتداح العمل وشرفه.
الواقع أن إخواننا القطريين، والمتقطّرين أيضا، باتوا مسكونين بجنون العظمة؛ فلم يعودوا يكتفون باعتبار قطر دولة صغيرة، تطمح لكسب موطئ قدم في معترك السياسة الدولية، ولعب دور أكبر من حجمها؛ بل باتوا في أوهام خيالهم المجنح، يعتبرونها مركز الكون كله؛ وهم بالطبع معذورون في ذلك، ما دام جنون العظمة دافعُهم؛ ولكنهم سيظلون على الدوام "كالهر يحكي انتفاخاً صولةَ الأسد".
عادت بي الذاكرة عشرة أعوام، حينما تلقيتُ عرضا للعمل في قطر؛ حملتُ حقائبي من دبي، في اتجاه الدوحة "الوافرة" ولكم كانت صدمتي هائلة!
بدَت الدوحة متواضعة جدا ـ حتى لا أقول بائسة ـ لا تمكن مقارنتها بأي من مدن الإمارات؛ وكانت منطقة "الدفنة" تكابد كالتلميذ البليد، لتبدو بوجه مدني، ولم ترقَ بعد إلى مستوى أبسط الأحياء في الإمارات، أما المدن الكبرى كأبوظبي ودبي فكانت مسافة الدوحة خلفهما تقاس بالسنوات الضوئية.
بعد أربع سنوات، وتحديدا في عام 2011 رجعت إلى الإمارات؛ فكنتُ وكأني أحط بها الرحال لأول مرة؛ لقد تطورت الدولة بشكل كبير، وأصبح حديثُها صعبَ الاستيعاب على وافدٍ مثلي من شعاب الدوحة.
القطريون، والمتقطّرون أيضا، باتوا مسكونين بجنون العظمة؛ فلم يعودوا يكتفون باعتبار قطر دولة صغيرة، تطمح لكسب موطئ قدم في معترك السياسة الدولية، بل باتوا في أوهام خيالهم المجنح، يعتبرونها مركز الكون كله
كانت الإمارات غارقة في التفكير الصناعي؛ واستشراف المستقبل وتدير موانئ ومطارات عالمية ومدنا اقتصادية؛ وقد استحدثت وزارة للتسامح وأخرى للسعادة؛ ربما لتجاوز "عقدة النقص" تجاه قطر.
لا أسعى لعقد مقارنة لا داعي لها ولا مسوغ، بين دولة كالإمارات وشعابٍ كقطر؛ فلا حاجة إلى تلمس فروق بين قطر والإمارات؛ فلكل من الدولتين مشروعه ذي المعالم الواضحة.
مشروع الدوحة هو توظيف عائدات الغاز والنفط لإشعال الفتن وبث الفوضى وزرع الخلافات في الدول وبينها، وذلك من خلال ارتهانها لأجندات تيار الإخوان ودعمها وتبنيها للمنظمات الإرهابية، والشواهد على ذلك خرابُ بيوتٍ عربية كانت إلى وقتٍ قريب آمنة مطمئنة.
كم من أسرة عربية فقدت معيلها وأطفالها أحيانا وكم من مواطن عربي يقبع في مخيمات اللجوء في خيم لا تقي حر الشمس ولا برد الشتاء كم من أم مكلومة وطفل يتيم كم من بيوت دمرت كم من دول أصبحت في مصاف الدول الفاشلة تحتاج لعشرات السنين كي تعود كما كانت دون زيادة... كل هذا كان بسبب تجير ثورات الشعوب لصالح تنظيم الإخوان الذي أراد المشروع القطري أن يفرضه حاكما على الشعوب بعد هذه الثورات المشؤومة.
أما مشروع الإمارات فهو تسخير القوة الناعمة لنشر التسامح والرخاء والنمو الاقتصادي؛ وفق رؤية الشيخ محمد بن زايد، الذي يعتمد على الوسطية الدينية وحوار الثقافات واجتثاث الإرهاب من جذوره.
المشروع الإماراتي يتمثل الوجه المشرق للإسلام السمح، دين الرحمة؛ الذي يمثله مجلس حكماء المسلمين، ذو الدور الجليل في نشر التسامح بقيادة فضيلة الإمام الأكبر أ.د أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف رئيس المجلس؛ والمشروع القطري يمثله "الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين" الذي يدعو للتفرقة، ويوزع فتاوى القتل على الهوية والمذهب والموقف السياسي مع صحف وخبز الصباح.
المشروع الإماراتي هو الذي أنقذ مصر أم الدنيا من الانهيار بعدما عاث تنظيم الإخوان فيها فسادا، ويسعى لإنقاذ ليبيا من أن تصبح مركزا لـ"داعش"، المشروع الإماراتي هو الذي سالت دماءُ أبنائه ليعود اليمن سعيدا، هو باختصار المشروع الذي أصلح أينما حل ما خربته مشاريع قطر الدامية، فأما الزبد فيذهبُ جفاءً وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة