بعض السعي إلى حلول عبقرية يذهب في اتجاه ينم عن وصفة للغباء. وهو شيء يشبه الدعوة لاختراع بطارية تعمل بالطاقة الشمسية لشحن بطارية شمسية أخرى، أو اختراع محرك سيارة كهربائية تشحن بطاريتها بالبنزين.
ويقال إن إحدى الشركات التي تعمل في خدمة وكالة "ناسا" طرحت ذات يوم مسابقة على المخترعين، مقابل مليون دولار، لاختراع قلم لرواد الفضاء يمكن الكتابة به تحت الماء ولا يتأثر بارتفاع أو انخفاض درجات الحرارة ولا باختلاف الضغط ولا بفقدان الجاذبية ولا يتغير لون الكتابة بعوامل الأكسدة، ويظل يعمل بالكتابة به أفقيا أو عموديا، ففاز "مخترع" أرسل إلى الشركة قلم رصاص.
مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي طرحت مشروع قانون إلى الكونغرس لدراسة أخطاء الغزو الأمريكي لأفغانستان، ولا أدري ما هو السبيل لكي يقال للجنة إن الخطأ الأول لغزو أفغانستان كان: الغزو نفسه.
المجموعة قالت في تبريرها لمشروع القانون "إن تحليل الصراع سيساعد حكومة الولايات المتحدة على تجنب نفس الأخطاء في المستقبل".
وهناك ما يبرر الاعتقاد بأن أقصر طريق لتجنب تكرار الأخطاء، هو عدم القيام بأي غزو مرة أخرى.
المجموعة قالت إن "هدف اللجنة يكمن في دراسة الحرب في أفغانستان، واستخلاص الاستنتاجات الاستراتيجية، ووضع توصيات لحكومة الولايات المتحدة، ولصانعي السياسة الأمريكية في المستقبل، وكبار القادة العسكريين الأمريكيين".
ويستطيع المرء أن يتكهن بأن اللجنة سوف تشحن البطارية الشمسية من كل اتجاه بتحليل "جميع القضايا المتعلقة بالأعمال القتالية والعمليات الاستخباراتية وأنشطة دعم إعادة الإعمار. وتحليل عمل الدبلوماسيين الأمريكيين والقرارات السياسية والاستراتيجية التي أثرت على التعاون بين واشنطن وكابول، وكذلك مشاركة دول الناتو في الحرب". وهو ما يعني أن القصة من جميع وجوهها سوف تشحن بطارية مشحونة بالمعرفة المسبقة. وهي تقول إن الغزو نفسه كان عملا لا مبرر له، ولا يستند إلى أسس، وإن السيارة الكهربائية التي سوف تنتجها اللجنة سوف تستهلك من البنزين أكثر مما تستهلك سيارة البنزين، وأن تكاليف عمل اللجنة سوف تضيف خسارات فوق الثلاثة تريليونات دولار، التي فقدتها الولايات المتحدة في أفغانستان والعراق.
القلم الرصاص في لعبة البحث عن حلول عبقرية، هو أن يُصدر الكونغرس تشريعا يُحرّم القيام بأعمال غزو. نقطة رأس السطر. من دون الحاجة إلى المزيد من الصداع.
غزو أفغانستان، ومثله غزو العراق، قاما بدوافع ذات طبيعة مريضة: الكراهية والانتقام والاستصغار. وهذه دوافع لا يمكن بناء أي أعمال استراتيجية عليها.
وهي سوف تنهار بسبب طبيعتها نفسها.
لا يمكن إصلاح مرض "مثل الإرهاب على سبيل المثال" بمرض آخر. هذا استنتاج "استراتيجي" توصل إليه المنطق القائل إنك لا تستطيع أن تداوي داءً بداء.
الغزو على أساس أكاذيب "من قبيل وجود أسلحة دمار شامل في العراق" ما كان بوسعه إلا أن ينتج نظاما قائما على الأكاذيب وأعمال الدجل والفساد. شيء يشبه آخر. وهو استنتاج "استراتيجي" آخر توصلت إليه الحكمة الإنسانية القائلة: "الإناء ينضح ما فيه". وحيث إناء الغزو كان ينضح أحقادا وكراهيات وأكاذيب، فقد كان من الطبيعي أن تتوصل "عبقرية" الكونغرس والبنتاغون والبيت الأبيض إلى أن تنفق ثلاثة تريليونات دولار على اعتقاد يقول إنه يمكن السيطرة على نفط العراق كتعويض عن كلفة الغزو. وهو ما يثبت أن سيارة الكونغرس الذي أجاز الغزو أنفقت أكثر بكثير مما حاولت نهبه.
ينتج العراق 3 ملايين برميل من النفط يوميا، ولنقله بقيمة 50 دولارا للبرميل، نصل إلى نحو 54 مليار دولار سنويا. ولو أن الولايات المتحدة استولت عليه كله، حتى آخر قطرة، فإنها ما كانت قادرة على أن تسترد كلفة الغزو بأقل من 55 سنة. وقد تنضب آبار النفط قبل أن تسترد تريليوناتها الثلاثة. وكان من الأوفر لها أن تشتريه بأسعار السوق لتلك المدة كلها!
من الخير للجنة الكونغرس أن تقترح إصدار تشريع يقول: لن نغزو ولن نكذب ولن نمارس "استراتيجياتنا" كعمل من أعمال الحقد أو الاستصغار بعد الآن.
إلا أن مشروع قانون كهذا لن يجري الأخذ به في كونغرس يريد أن يواصل أبحاثه العبقرية. لعل غزوا آخر يأتي لا يكرر أخطاء غزو سابق، ولكن يرتكب غيرها، مما يتطلب أبحاثا عبقرية أخرى. أي بطارية تشحن بطارية أخرى إلى ما لا نهاية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة