أحد أهم الأسئلة التي يطرحها الشارع العربي عامة والخليجي خاصة يتعلق بأمريكا ودورها في الشرق الأوسط ومنطقة الخليج العربي.
أحد أهم الأسئلة التي يطرحها الشارع العربي عامة والخليجي خاصة يتعلق بأمريكا ودورها في الشرق الأوسط ومنطقة الخليج العربي، وهل هو دور طهراني ملائكي يسعى للسلام والاستقرار كما يفهم المرء أحياناً من التصريحات الأمريكية المختلفة، أم أنه دور يتسق والبراجماتية الأمريكية التقليدية، أي تلك التي تسعى وراء تعظيم مصالحها بغض النظر عن طبيعة الآخرين؟ فهي تتحالف مع الشيطان إن كان لها مصلحة ما في ذلك، وتتخلى عنه، بل وأحياناً تتآمر ضد أنظمة ديمقراطية حقيقية، تم اختيارها من قبل شعوبها، وعبر عملية انتخابية نزيهة، إذا خالفت مصالح تلك الشعوب رغبات وشهوات قلب الجالس سعيداً في البيت الأبيض. لماذا هذا الحديث الآن؟
السؤال الذي يطرح نفسه بنفسه، ما هو موقف الولايات المتحدة من قطر؟ هل تعتبرها راعياً للإرهاب في المنطقة كما ذهب كثيرون في الداخل الأميركي، ومن دوائر متباينة، مثل الإعلام، والاستخبارات، وحتى الخارجية نفسها؟ أم أن قطر بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية هي فردوس للأطهار؟
يرتبط الأمر ولا شك بوزير الخارجية الأمريكي الجديد «مايك بومبيو» رجل الاستخبارات العتيد، والآتي ليحتل مقعداً يشرف منه على علاقات وسياسات أمريكا الخارجية، وقد كانت زيارته الأخيرة للمنطقة السبب وراء إعادة التساؤل حول الدور الأمريكي والتوازنات السياسية التي تحكم المشهد في الأوقات الراهنة. يتفهم المرء جيداً القلق الأمريكي الواضح، وتسارع الأحداث تجاه إيران بنوع خاص، سيما في ضوء نواياها التي لا تداريها أو تواريها، وأغلب الظن أن جميع شعوب المنطقة تدعم، وربما تبارك الخطوات الأمريكية في هذا السياق. غير أن الأمر الذي لا يفهم من تصريحات «بومبيو» هو ذاك المتعلق بقطر وإعادتها إلى الدائرة الخليجية من جديد، أي إنهاء حالة المقاطعة التي قاربت العام من قبل المملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات العربية المتحدة، ومملكة البحرين وجمهورية مصر العربية.
السؤال الذي يطرح نفسه بنفسه، ما موقف الولايات المتحدة من قطر؟ هل تعتبرها راعياً للإرهاب في المنطقة كما ذهب كثيرون في الداخل الأمريكي، ومن دوائر متباينة، مثل الإعلام، والاستخبارات، وحتى الخارجية نفسها؟ أم أن قطر بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية هي فردوس للأطهار؟ أحد أهم الأهداف التي يسعى وزير الخارجية الأمريكي الجديد إلى إدراكها، مكافحة الإرهاب، أي القضاء على مسبباته في الحال، وقطع الطريق عليه في الاستقبال، هذا هو العنوان الأمريكي المعلن، وعليه، فإن التعاون مع دولة موصومة بالإرهاب، يؤكد للناس من جديد أن الثنائية والازدواجية الأمريكية القاتلة لا تزال عاملة في العقل الأمريكي.
عن أي مصالحة أو إعادة دمج لقطر ضمن صفوف المنظومة الخليجية يحق للوزير بومبيو أن يتحدث؟ إذا كان الوزير الأمريكي يريد حقاً مكافحة الإرهاب، فإن عليه أن يعاود قراءة أحدث الفضائح التي كشف فيها الإعلام الأمريكي عن الارتباط الجذري لقطر بالإرهاب، والتي أماطت عنها اللثام صحيفة «واشنطن بوست» قبل أيام قليلة، حيث دفعت مبالغ مالية هائلة تصل إلى مليار دولار لجماعات إرهابية تعمل على الأراضي السورية بحجة إطلاق سراح قطريين مخطوفين هناك. والمثير إلى حد الدهشة في الموقف الأمريكي المراوغ من قطر هو أنه يتغاضى عن العلاقات الوثيقة بين إيران التي يعتبرها الوزير «بومبيو» الداعم الأول للإرهاب حول العالم، وبين نظام الدوحة الذي يعد المروّج الأول لأكاذيب طهران عبر أدواته الإعلامية، ولهذا يحق لنا التساؤل عن أي قطر يتحدث «بومبيو»؟ ليس سراً أن واشنطن تنظر لقطر بوصفها الدولة التي قدمت للأمريكيين الأرض والخدمات اللوجستية من أجل بناء أكبر قاعدة عسكرية في الشرق الأوسط، وهو أمر له أهميته عند صانع القرار الأمريكي سيما في زمن إعادة رسم الخارطة الجيواستراتيجية العالمية مرة جديدة، وفي ظل تنازع وتشارع بل قتال وتصارع ظاهر وخفي بين واشنطن وموسكو وبكين في منطقة الخليج، وعليه فهل لهذا الغرض هي تغض بصرها عن الإرهاب القطري ودعم قطر للإرهابيين بمليارات الدولارات؟
مدهش أمر الولايات المتحدة الأمريكية القوة الأكبر على وجه الأرض، سيما وأنها تتيح لدولة لا مقومات جغرافية أو ديموغرافية تاريخية لها أن تتلاعب بها على هذا النحو، بل وقيامها بأدوار هلامية فقط من أجل أن تدفع عنها تهمة الإرهاب التي تتلبسها، وهي دائماً ما تُضبط متلبسة بالجرم المشهود. لا يصدق أحد أن «سماسرة الصفقات» من القطريين قد تمكنوا بدرجة أو بأخرى من إقناع الأمريكيين بقدرتهم على التواصل مع حركة «حماس» في غزة من أجل تسهيل صفقة القرن التي كثر الحديث عنها في الأشهر الأخيرة، ويبدو أنها وسيلة أو حيلة جديدة لمحاولة غسل السمعة القطرية، فمن صانع وممول للإرهاب إلى وسيط يسعى للسلام، الأمر الذي يستدعي من المخزون التاريخي تساؤلات مكثفة عن علاقة قطر بإسرائيل، سراً وجهراً، والدور المخرب في عملية السلام في الشرق الأوسط برمته. العزف الأمريكي على الأطراف المختلفة سيما الضالة منها أمر لا يفيد سمعة الخارجية الأمريكية في زمن «بومبيو»، والرجل لديه من المعلومات ما يمكنه من الفرز والتمييز. قليل من الأخلاقيات السياسية النبيلة تحتاج إليها أمريكا اليوم، لكن متى عرفت السياسة النبل؟
نقلا عن "الاتحاد"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة