ماذا حلّ بالعقل المدبر لفضيحة "ووترغيت"؟

في الجرائم الكبرى، ينتظر أن يلقى المتهمون العقاب كاملا، لكن الصدف تمنح البعض فرصا ثانية، لتؤسس حيوات موازية على هامش "الذنب الكبير".
هذا بالتحديد ما حدث مع جورج جوردون ليدي العقل المدمر لفضيحة "ووترغيت" الشهيرة في الولايات المتحدة، الذي حصل على طوق نجاة من حكم بالسجن 20 عاما، ليؤسس حياة جديدة.
ليدي الذي كان يعمل محامًيا وعميلًا في مكتب التحقيقات الفيدرالي أدين بالتآمر والسطو والتنصت غير القانوني لدوره في فضيحة "ووترغيت" أثناء إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون.
وكان ليدي، موالياً لنيكسون، الرئيس الجمهوري الذي استقال عام 1974، ورفض التعاون مع المدعين العامين أو محققي الكونجرس وقت تفجر قضية "ووترغيت".
ودافع عن موقفه في مقابلة مع صحيفة "لوس أنجلوس تايمز" في عام 2001، قائلا "لم يقم والدي بتربية واشٍ أو فأر". حتى أنه قال ذات مرة لجون دين، مستشار الرئيس نيكسون: "إذا أراد شخص ما إطلاق النار علي، فما عليك سوى أن تخبرني في أي زاوية يجب أن أقف، وسأكون هناك".
لكن لم يبد أن مشاعر الوفاء متبادلة. فبعد أسبوع واحد من تفجر "ووترغيت" في السبعينيات، سأل نيكسون كبير موظفيه، إتش. آر. هالدمان، في شريط مسجل سرا بالبيت الأبيض: "هل هو ليدي؟ هل هذا هو الزميل؟ لابد أنه مجنون قليلاً"، ما كان دليلا على تورط ليدي في قضية التجسس على الخصوم السياسيين للرئيس في ذلك الوقت.
السجن
وفي ظل القضية، حكم القاضي، جون جيه سيريكا في عام 1973 على ليدي بالسجن لمدة تصل إلى 20 عامًا، وأضاف 18 شهرًا لرفضه التعاون مع المدعين العامين ولجنة مجلس الشيوخ.
وأثناء وجوده في السجن، ساعد ليدي النزلاء في استئنافاتهم القانونية. وفي قصة نشرت عام 1977 بمجلة "كونيتيكت"، كتب ليدي عن تقديم المشورة القانونية لزملائه السجناء، الذين قال إن المحامين خدموهم بشكل سيئ.
وكتب: "لقد وجدت أن نوعية الخدمات القانونية المقدمة للفقراء مشينة".
طلب ليدي من الرئيس الأسبق جيرالد فورد، الذي أصدر عفوًا شهيرًا عن نيكسون، تخفيف عقوبته، لكن فورد لم يرد، لذلك انتقل الطلب إلى خليفة فورد، الديمقراطي جيمي كارتر.
وفي 12 أبريل/نيسان 1977، بعد أقل من ثلاثة أشهر من ولاية كارتر، أعلن البيت الأبيض أن الرئيس سيخفف العقوبة "لمصلحة العدالة والإنصاف، بناءً على مقارنة عقوبة السيد ليدي مع أحكام الآخرين المدانين في الملاحقات القضائية المتعلقة بفضيحة ووترغيت”.
وبالفعل، جرى إطلاق سراح ليدي في سبتمبر/أيلول 1977، وهو آخر المتهمين السبعة الأصليين في قضية "ووترغيت" الذين تم إطلاق سراحهم.
وعندما سأله أحد المراسلين أمام السجن "حسنًا، سيد ليدي، إليك سؤال سهل بالنسبة لك: كيف تشعر؟"، فأجاب باللغة الألمانية باقتباس من نيتشه: "ما لا يدمرني يجعلني أقوى".
حيوات جديدة
بعد إطلاق سراحه، اتجه ليدي لتأليف الكتب، بما في ذلك رواية التجسس المثيرة "خارج نطاق السيطرة" الصادرة عام 1979. وأتبعها في العام التالي بسيرته الذاتية، التي كتب فيها أنه عندما كان طفلاً، قتل وأكل فأرًا للتغلب على خوفه من الحيوانات؛ وأصبحت تلك السيرة من أكثر الكتب مبيعًا وتم تحويلها إلى فيلم تلفزيوني.
ودخل ليدي عالم المحتوى الشعبي في عام 1992 عندما أطلق برنامج "ليدي شو" الذي بثته مئات المحطات الإذاعية. وأدلى ببعض التعليقات التحريضية في الحلقات، خاصة عندما يتعلق الأمر بالأسلحة.
إذ أخبر جمهوره في عام 1995 أنه استخدم رسومات الرئيس آنذاك بيل كلينتون والسيدة الأولى هيلاري كلينتون للتدريب على التصويب. وعندما سأله المتصلون عن أحواله، كان يجيب: "رجولي وعنفواني وقوي".
ثم عمل أيضًا في العديد من البرامج التلفزيونية، وقال لمجلة "بلاي بوي" في عام 1995: "لقد لعبت دور الأشرار فقط، إذ لا يتعين علي أن أمثل. أنا فقط أذهب إلى هناك وأكون على سجيتي".
وبقي ليدي، والذي كان يملك شاربا كثيفا مميزا، وفيا لهوايات العزف على البيانو، والقفز بالمظلة، والقيام برحلات بالدراجات النارية. ولم يتراجع قط عن دوره في فضيحة ووترغيت، بل أنه تعايش مع الأمر حتى أن لوحة ترخيص سيارته كان مكتوبا عليها "H2OGATE".