الإرهابيون الذين تسللوا بين صفوف المهاجرين الجدد أو الذين جندتهم المنظمات المتطرفة داخل أوروبا لهم دور رئيسي في خلق مناخ رافض للاجئين
منذ اشتداد أزمة اللجوء في أوروبا منتصف عام ٢٠١٥ ووقوع العديد من الحوادث الإرهابية في بعض الدول الأوروبية، واليمين المتطرف لا ينفك في محاولاته الرامية إلى شيطنة المهاجرين واللاجئين، في محاولة للصعود بتياراته المنتشرة في العديد من بلدان أوروبا سياسياً، باعتبارها الحامي لديمقراطية أوروبا وحريتها من الإرهاب القادم مع المهاجرين المسلمين والعرب؟!
وأدى الإرهابيون الذين تسللوا بين صفوف المهاجرين الجدد أو الذين جندتهم المنظمات المتطرفة داخل أوروبا دوراً رئيساً في خلق مناخ رافض للاجئين الجدد بعد أن شهدت أزمة اللجوء في بداياتها تعاطفاً منقطع النظير مع مأساة اللاجئين الهاربين من الموت.
وكان الرهان الحقيقي هو أن تستمر أزمة اللجوء في الضغط على الحكومات الأوروبية سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، حتى يتمكن اليمين المتطرف من إسقاط الحكومات المعتدلة أو المحافظة وصعود الأحزاب المتطرفة لسدة الحكم، وهي فرصة تاريخية لن تتكرر بالنسبة لتلك الأحزاب التي لم تجد صدى لها في أوروبا إلا بشكل محدود، بعد الأزمات التي شهدتها أوروبا بعد عام ٢٠١٥.
إلا أن صوت العقل انتصر في بدايات المعارك الانتخابية في هولندا ومن ثم فرنسا وصولاً إلى ألمانيا التي عاد فيها حزب المستشارة ميركل للصعود مجدداً، بعد أن خفت حدة موجة اللجوء التي أضرته كثيراً، بعد أن استقبلت ألمانيا أكثر من مليون لاجئ في غضون عام واحد.
الإرهابيون الذين تسللوا بين صفوف المهاجرين الجدد أو الذين جندتهم المنظمات المتطرفة داخل أوروبا لهم دور رئيسي في خلق مناخ رافض للاجئين
إن الديمقراطية العريقة التي ترسخت في أوروبا والقيم الإنسانية التي رسختها القوانين الأوروبية جعلت من الصعب اختراقها من قبل اليمين المتطرف؛ لان الأوروبيين بشكل عام غير قادرين -أخلاقياً- على إعلان عدائهم للمهاجرين، أو إغلاق أبوابهم أمام اللاجئين الهاربين من الموت من بلدان ينعدم فيها بالأمان، لذلك فإن الرهان على ورقة اللاجئين والإرهاب قد يؤثر في أعداد محدودة من أبناء المجتمعات الأوروبية، لكنها سرعان ما يزول بزوال المهدد.
ومن الأسباب الأخرى التي يصطدم بها اليمين المتطرف، هو أن أجيالا من المهاجرين العرب والمسلمين أصبحوا يشكلون عصباً أساسياً فاعلا ورئيساً في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في العديد من بلدان أوروبا، وكانوا من المساهمين الفاعلين في بناء وتطور تلك البلدان، التي أصبحوا جزءاً لا يتجزأ منها، حتى بات من المعروف أن أي مرشح للرئاسة الفرنسية على سبيل المثال لابد وأن يمر عبر البوابة الجزائرية، ويقوم بزيارة إلى الجزائر لينال دعم الفرنسيين من أصول جزائرية أو مغاربية.
لكن محاولات اليمين المتطرف لن تقف عند هذه الخسارات، وستستمر محاولات تشويه المهاجرين والإسلام خلال المرحلة القادمة، ما يتطلب وعياً حقيقياً من قبل الأوروبيين من أصول عربية ومهاجرة، وعملاً دؤوباً لتقديم صورة حقيقية عن المهاجرين البناة الذين باتوا جزءا لا يتجزأ من المجتمع الأوروبي، وعليهم أن يكونوا في مقدمة الصفوف التي تقف بوجه المتطرفين والإرهابيين الذين يحاولون تشويه صورة الإسلام بعمليات قتل ودهس وتفجير لا تمت إلى الإسلام بصلة. كما على المهاجرين الانخراط في الحياة السياسية الأوروبية بشكل حقيقي ليكونوا فاعلين ومؤثرين في أية انتخابات برلمانية أو رئاسية تشهدها أوروبا؛ لأن كل صوت عربي أو مسلم مهاجر معتدل داع إلى السلام والحرية والاعتدال يزيد من عزلة اليمين الأوروبي المتطرف، ويعزز من قدرة الأحزاب والقوى الأوروبية المؤيدة للمهاجرين، والتي لا تنكر فضائلهم ودورهم في بناء أوروبا الحديثة. وهو أمر ينعكس بالتالي على بناء صورة إيجابية عن مجتمعاتنا العربية والإسلامية من قبل الحكومات والشعوب الأوروبية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة