وسط أتون الحرب وتداعيات الأزمات.. اقتصاد عالمي متصدع بالأفق
بوتيرة متسارعة، انزلق الاقتصاد العالمي في أزمات غير مسبوقة بفعل تداعيات الحرب في أوكرانيا، والعقوبات المتصاعدة ضد روسيا.
تباطؤ النمو
من جانبها، حذّرت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستالينا جورجييفا اليوم الخميس من أن الحرب في أوكرانيا أثرّت سلبا على التعافي الاقتصادي وأدت إلى تباطؤ النمو المتوقع في معظم دول العالم.
وأضافت أن الحرب إلى جانب المأساة الإنسانية والأزمات الاقتصادية التي خلفتها، أبرزت الشرخ الحاصل في النظام العالمي في وقت يشكل التعاون الحل الوحيد.
وجاءت الحرب في وقت كان الاقتصاد يحاول التعافي من تداعيات كوفيد، بما في ذلك تسارع ارتفاع معدلات التضخم، وهو أمر يعرّض المكاسب التي تم تحقيقها في العامين الماضيين للخطر.
وأكدت جورجييفا في كلمة ألقتها قبيل اجتماعات الربيع لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي "نواجه أزمة فوق أزمة أخرى".
ومضت تقول "التداعيات الاقتصادية للحرب تنتشر بسرعة وبعيدا، إلى الجيران وأبعد من ذلك وتضرب خصوصا أكثر الشعوب ضعفا".
وأشارت إلى أن الأسر كانت تعاني أصلا ارتفاعا في أسعار الطاقة والمواد الغذائية "وقد فاقمت الحرب ذلك".
ويصدر صندوق النقد الدولي توقعاته الاقتصادية الثلاثاء. وقالت جورجييفا إن الصندوق سيخفض مجددا توقعات النمو العالمي التي سبق أن خفضها في كانون الثاني/يناير الماضي إلى 4.4%.
وأكدت "منذ ذلك الحين تراجع الأفق بشكل كبير بسبب الحرب وتداعيتها خصوصا" مشيرة إلى أن 143 دولة ستعاني تراجعا.
وأضافت أن غالبية الدول ستستمر في تسجيل نمو إيجابي لكن المستقبل يتّسم "بعدم يقين استثنائي" محذرة من شرخ عميق بين الدول الغنية وتلك الفقيرة.
ظاهرة التضخم المتسارع
بعد عقد سجل معدل تضخم متدنيا، شهدت الأسعار على المستوى العالمي، ارتفاعا صاروخيا وسط طلب كبير على السلع مع بدء عودة عجلة الاقتصاد إلى طبيعتها إلا أن الغزو الروسي لأوكرانيا في نهاية شباط/فبراير الماضي وما تلاه من عقوبات فرضت على موسكو أديا إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية والوقود بشكل كبير.
وتعتبر أوكرانيا وروسيا من كبار منتجي الحبوب فيما تشكل روسيا مزودا رئيسيا لأوروبا بالطاقة.
وقالت جورجييفا في كلمة أمام مركز Carnegie Endowment for International Peace إن التضخم الذي وصل إلى أعلى مستوى له في الولايات المتحدة منذ أربعة عقود "استحال خطرا واضحا وراهنا" مشيرة إلى أن هذا الميل التضخمي سيستمر لفترة أطول من المتوقع. وشددت على أن ذلك "يشكل نكسة كبيرة للتعافي الدولي".
ويعقد الوضع مهمة وضع السياسات. فالمصارف المركزية الرئيسية ترفع نسب الفائدة لاحتواء الأسعار لكن ذلك يرفع من كلفة الاقتراض للأسواق الناشئة والدول النامية التي تواجه عبء مديونية أكبر.
وأكدت جورجييفا "هذه الظروف هي الأكثر تعقيدا على مستوى العالم في مجال وضع السياسات في عصرنا هذا".
تكريس أزمة سلاسل التوريد
وشددت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي على أن إنهاء الحرب والجائحة يشكلان أولى الأوليات لكن لا يمكن خفض مخاطرهما إلا عبر التعاون الدولي معربة عن أسفها "لتشرذم الاقتصاد العالمي إلى كتل جيوسياسية".
ورأت أن هذه الشروخ تعيق القدرة على معالجة الأزمات الراهنة والتحديات المقبلة وقد تؤدي كذلك إلى "تحول زلزالي" قد يعيد رسم سلاسل التوريد العالمية.
وتابعت تقول "نجدد تأكيد الخطر المحدق برفاهنا المشترك جراء انهيار التعاون الدولي".
تضرر اقتصاد منطقة اليورو
فيما تتسبّب الحرب في أوكرانيا بتداعيات "وخيمة" على اقتصاد منطقة اليورو، بحسب رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاجارد، في حين تزداد الآفاق قتامة مع ارتفاع أسعار الطاقة وزعزعة سلاسل الإمداد وتراجع الثقة.
ويدفع هذا الارتياب البنك المركزي الأوروبي إلى التحوّط. وخلافا لحال مصارف مركزية أخرى، لم ترفع المؤسسة الأوروبية من سعر الفائدة الرئيسي أو لم تكشف حتّى عن مهل زمنية لرفعه في مسعى إلى احتواء ازدياد الأسعار.
وقالت لاجارد إن "استمرار الأسعار المرتفعة للطاقة على هذا المنوال مقرونا بتراجع الثقة قد يؤدّي إلى خفض الطلب وتقويض الاستهلاك".
وعرضت الرئيسة الفرنسية للمركزي الأوروبي الوضع على نحو لا يبعث على التفاؤل، قائلة إن "الحرب تلقي بظلالها على ثقة الشركات والمستهلكين نظرا لحالة الارتياب التي تتسبب بها. وترتفع أسعار الطاقة والمنتجات الأساسية ارتفاعا شديدا. وتواجه الأسر ارتفاعا في تكلفة العيش"، في حين ينبغي على "الشركات التعامل مع ازدياد كلفة الإنتاج وفي وقت تتسبّب الحرب باختناقات جديدة" في السلاسل اللوجستية.
وفي ختام مجلس الحكّام الخميس، اكتفى البنك المركزي الأوروبي بإعادة التشديد على النداء الذي أطلقه في آذار/مارس الماضي حول ضرورة تثبيت الأسعار، مع الإشارة إلى أن عمليات شراء الأصول الصافية المنفّذة في سياق برنامج شراء الأصول ستنتهي "في الربع الثالث".
وسيأتي رفع أسعار الفائدة "بعد فترة قصيرة" من إنجاز هذه الصفقات، أي "ما بين أسبوع وعدّة أشهر"، على حدّ قول لاجارد. وأبقى البنك المركزي الأوروبي الخميس أسعار الفائدة على أدنى مستوياتها.
نمو متفاوت في دول الشرق الأوسط
بدوره، حذّر البنك الدولي الخميس من أنّ الحرب الروسية في أوكرانيا يزيد من مخاطر حدوث اضطرابات اجتماعية وأزمات في الدول الأفقر في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وذلك على خلفية ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة بسبب الحرب.
وفي أخر تحديث لتوقّعاته حيال النمو في المنطقة، قال تقرير للبنك الدولي إنّ "الضغوط التضخمية" التي أحدثها وباء كوفيد-19 "من المرجّح أن تتفاقم" بسبب حرب روسيا ضد جارتها.
وأوضح نائب رئيس البنك الدولي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا فريد بلحاج في التقرير أن "تهديد متحورات كوفيد-19 لا يزال قائما، لكن الحرب في أوكرانيا قد ضاعفت المخاطر، خاصة بالنسبة للفقراء".
وكان رئيس البنك الدولي ديفيد مالباس حذّر هذا الأسبوع من أنّ الحرب الروسية على أوكرانيا انعكست بالفعل على الاقتصاد العالمي، إذ أدت إلى ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء وتفاقم الفقر والجوع.
وبحسب التقرير الصادر الخميس، قد يكون لارتفاع أسعار المواد الغذائية "آثار بعيدة المدى تتجاوز زيادة انعدام الأمن الغذائي". أشار بلحاج إلى أنه "تاريخيا في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ساهمت الزيادات في أسعار الخبز ... في حدوث اضطرابات اجتماعية وصراعات".
وتابع أن "هذا الارتباط بين أسعار الغذاء والنزاع وانخفاض النمو، يشكل مصدر قلق خطير حيال حدوث أزمة إنسانية في الدول الهشة والمتأثرة بالصراعات والعنف في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا".
وتعد أوكرانيا مصدرا رئيسيًا للحبوب، بينما تعد روسيا منتجا رئيسيا للطاقة والأسمدة اللازمة للزراعة. وتعتمد منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بشكل كبير على إمدادات القمح من كلا البلدين.
ويتوقّع التقرير أن يصل معدل التضخم في دول الخليج الغنية بالنفط إلى 3% هذا العام مقارنة بـ 1.2% في 2021، ويرتفع إلى 3.7% في البلدان المستوردة للنفط من 1.4% العام الماضي.
وقال التقرير إنّه "بالنسبة لبعض مستوردي النفط، سيكون من الصعب الحفاظ على الدعم المقدّم للمواد الغذائية بسبب الموارد المحدودة"، في حين أن "ارتفاع أسعار النفط قد يؤخر الإصلاحات".
رغم ذلك، يتوقع البنك الدولي أن يبلغ النمو الاقتصادي في المنطقة 5.2% في عام 2022، وهو أسرع معدل نمو منذ عام 2016.
وأوضح كبير خبراء الاقتصاد لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في البنك الدولي دانييل ليدرمان لوكالة فرانس برس انّ "المنطقة بأسرها تنتعش بفضل النفط"، والأداء الاقتصادي فيها "أفضل" من أي منطقة أخرى في العالم.
ومع ذلك، فإن هذا النمو، وإن تحقّق بالفعل، فهو "غير كاف ومتفاوت"، بحسب الخبير.
وقال إنه "غير كاف لأن عددا كبيرا من الاقتصادات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا سيظل فقيرا من حيث نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي مقارنة بما كان عليه في عام 2019 عشية (تفشي) الوباء".
وتابع أنه "متفاوت لأن الاقتصادات الأسرع (تعافيا) في عام 2022 من المتوقع أن تكون الدول مصدّرة للنفط، بينما من المتوقع أن يعاني مستوردي النفط".
ومن المتوقع أن تنمو الاقتصادات المصدرة للنفط بنسبة 5.4% على خلفية التعافي من الوباء والزيادة المتوقعة في إنتاج النفط وارتفاع أسعار الخام، بينما ستنمو اقتصادات الدول المستوردة للنفط بنسبة 4%.
وحذّر التقرير من أن 11 من أصل 17 اقتصادا في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا قد لا يتعافى إلى مستويات ما قبل الوباء بحلول نهاية هذا العام.