حرب "المناطق الآمنة" تشكل سوريا الجديدة بعد زوال داعش
يخوض فرقاء الأزمة السورية جولة جديدة من المفاوضات لرسم حدود مناطق آمنة لكن تلك المفاوضات المرتقبة تبدو كجولة أخيرة في حرب بدأت بالفعل
يخوض فرقاء الأزمة السورية جولة جديدة من مفاوضات الأستانة في أوائل يوليو/تموز الجاري، لرسم حدود "مناطق تخفيف التوتر" في لغة التريكا الروسية الإيرانية التركية الضامنة للاتفاق، أو "المناطق الآمنة"، بحسب القاموس السياسي لفصائل معارضة سورية، لكن تلك المفاوضات المرتقبة تبدو كجولة أخيرة في حرب بدأت بالفعل، وهيمنت عليها ثنائيات إقليمية معقدة.
- "أستانة 5" يزاحم انطلاق "جنيف 7" في 10 يوليو المقبل
- "أستانة" تنافس "جنيف" على مستقبل سوريا.. من يصل أولا؟
في الرابع من مايو/أيار الماضي، خرج مؤتمر أستانة 4 بمذكرة تفاهم، لإنشاء ما سمي "مناطق وقف التصعيد" أو"مناطق خفض التوتر" في سوريا، وقّعتها كل من روسيا وتركيا وإيران، بديلاً من النظام والمعارضة، وبصفتها "الدول الضامنة" لاتفاق وقف إطلاق النار في سوريا.
نصت المذكرة في بنودها الرئيسة على إيجاد أربع مناطق لـ"وقف التصعيد" العسكري (إدلب وشمال حمص وريف دمشق والجنوب السوري)، ووقف "الأعمال العدائية" بين النظام والمعارضة، ووقف استخدام السلاح بما فيه سلاح الطيران، وإنشاء نقاط مراقبة وتفتيش، وتأمين الظروف لعودة اللاجئين، وتحسين الوضع الإنساني، وأن يحارب الطرفان التنظيمات الإرهابية، وخلق ظروف مواتية لتحقيق تقدم في الحل السياسي، ويستمر العمل بها مدة ستة أشهر تمدد تلقائياً بموافقة الضامنين.
الجولان.. حدود التفاهم الإيراني الإسرائيلي
وفي مارس/آذار الماضي، حل رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو ضيفاً على الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في موسكو، وعلى جدول أعماله قضية رئيسية؛ هي ضمان أن تبقى الجولان بمعزل عن أي تسوية محتملة في سوريا.
وقال بيان لمكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي حينها، إن نتنياهو أعرب عن معارضة إسرائيل الحازمة، لإبقاء القوات الإيرانية والمليشيات التابعة لها داخل سوريا على الحدود الشمالية لإسرائيل بالقرب من هضبة الجولان.
في المقابل سعت تل أبيب لمعالجة الوضع في الجولان بطريقتها الخاصة. وكشف تقرير، حمل على ما يبدو موقف الكرملين ونشرته وكالة سبنوتيك الروسية، اليوم السبت، سعي إسرائيل لإنشاء دويلة تدين لتل أبيب بالولاء في الجزء السوري من مرتفعات الجولان، اعتماداً على إرهابيي تنظيم القاعدة الذين يحصلون من إسرائيل، بحسب التقرير أيضاً، "على ما يلزمهم لمواصلة عملياتهم".
واستهدفت طائرات إسرائيلية بدون طيار، الجمعة، دبابة سورية ومدفعاً تابعين للجيش السوري في بلدة "الصمدانية الشرقية" بريف القنيطرة جنوبي البلاد، في قصف هو الرابع خلال أسبوع على نقاط ومواقع تابعة لجيش النظام.
وتدور رحى الصراع في الجنوب السوري، بحسب مراقبين، لضمان الوصول إلى مائدة المفاوضات من دون أن يحقق أي من أطراف الصراع نصراً حاسماً، فإيران التي حاولت استخدام مليشيا حزب الله اللبنانية كورقة تفاوضية في الجولان تقبل في الوقت الراهن بحضور هش لجيش الأسد، بموافقة إسرائيلية ما زال الغموض يكتنفها.
الشمال.. السلطان التركي يطارد كابوسه
دفعت تركيا بأرتال عسكرية إلى مدينة "مارع" والقرى المحيطة بها وتمركزت في "إعزاز" بريف حلب الشمالي قادمة من معبري "باب الهوى وباب السلامة" على الحدود السورية التركية، بحسب وكالة تسنيم الإيرانية، في محاولة لتفادي كابوس دولة كردية عند حدودها الجنوبية.
ويأتي هذا التطور في وقت ارتفعت فيه حدة التوتر التركي-الكردي بالقرب من بلدة "عفرين" الحدودية مع تركيا، والتي تقع تحت سيطرة الوحدات الكردية، حيث أطلق الجيش التركي نيران مدفعيته على مواقع للأكراد في المنطقة، رداً على قصف كردي على مواقع للجيش الحر المدعوم من تركيا.
وتهدف التحركات التركية لطرد الوحدات الكردية من مطار "منغ" العسكري وتأمين محيط "مارع واعزاز" بريف حلب الشمالي، والدفع بمسلحي درع الفرات المدعومين تركيا إلى بلدتي "تل رفعت ودارة عزة" بمساندة دبابات تركية، بهدف انتزاع السيطرة على القرى الواقعة بين أعزاز وتل رفعت، والتي سيطرت عليها القوات الكردية قبل أشهر، بحسب وكالة تسنيم الإيرانية.
وفي مواجهة التحركات التركية، أرسلت الولايات المتحدة تعزيزات عسكرية جديدة إلى قوات سوريا الديمقراطية، وقدرت التعزيزات الأمريكية بمائة شاحنة محملة بالأسلحة قادمة من معبر "سيمالكا" على الحدود السورية العراقية، كما رصدت حاملات جنود أمريكية تدخل مدينة "تل أبيض" شمال الرقة.
وفي غضون ذلك، كان بريت ماكجورك، المبعوث الأمريكي للتحالف الدولي ضد تنظيم داعش، يجري الجمعة، محادثات في أنقرة عقب زيارته فصيلاً كردياً سورياً تعتبره تركيا "إرهابياً".
وذكرت الخارجية التركية، أن ماكجورك الذي طالبت أنقرة باستقالته لدعمه الأكراد، التقى سداد أونال، مساعد وزير الخارجية التركي، مولود تشاوش أوغلو، كما نقلت وسائل الإعلام المحلية، أنه من المقرر أن يلتقي مسؤولين في وزارة الدفاع، دون توفير تفاصيل.
الرقة.. مخاوف من حصان طروادة أمريكي
تبدو الأولويات الأمريكية في سوريا مختلفة عن أجندات تريكا الأزمة السورية، وبحسب مجريات الوقائع، تنصب جهود البنتاجون على تصفية الوجود الداعشي في معقله السوري في الرقة، وتعبيد الأرض لحضور قوي لقوات سوريا الديمقراطية. الأمر الذي يعتبره مراقبون روس بمثابة تمهيد التربة لغزو سوريا، في إشارة لرغبة أمريكية في مداهمة دمشق.
وتخوض قوات سوريا الديمقراطية منذ السادس من يونيو/حزيران، معارك شرسة داخل الرقة بدعم من التحالف الدولي بقيادة واشنطن، بعد أشهر من المعارك في محيطها.
وتعمل واشنطن حالياً على ترميم مطار عسكري قرب الطبقة التابعة لمحافظة الرقة، الأمر الذي علق عليه أليكسي تشيبا، نائب رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب (الدوما) الروسي، قائلاً إن "ما يجري في المنطقة يشير إلى أن المخابرات الأمريكية لم تتخلَ عن فكرة الإطاحة بحكم الرئيس السوري بشار الأسد".
ونأت واشنطن بنفسها عن نتائج مفاوضات "أستانة 4"، التي انتهت إلى التوافق على إقامة مناطق خفض التوتر بضمانة تركية إيرانية روسية، ما يعزز مخاوف سعى مسؤولون أمريكيون لتهدئتها عبر جولات دبلوماسية حفلت بتعهدات، ربما لا تصمد طويلاً أمام الحقائق التي تتشكل على الأرض.
aXA6IDEzLjU5LjEzNC42NSA=
جزيرة ام اند امز