مؤتمر وارسو أحد أهم وأكبر الفعاليات التي تشهدها أوروبا والمتعلقة بالخليج العربي والشرق الأوسط منذ مؤتمر مدريد للسلام عام 1991
تنطلق اعمال "مؤتمر السلام والأمن في الشرق الأوسط" بعد بضعة أيام في العاصمة البولندية وارسو، برعاية أمريكية وشراكة بولندية، حيث باتت الأخيرة إحدى أهم الدول الحليفة لواشنطن، والتي على أراضيها يفكر الأمريكيون في نشر برنامجهم الصاروخي الموجه إلى روسيا الاتحادية، وهو ما لا تقبله روسيا حتى الآن، وإن كانت هذه قصة أخرى قائمة بذاتها.
ليس هناك أي سلام في الشرق الأوسط طالما بقيت إيران مصرة على إضمار العداء والتفكير في أطر الهيمنة الفارسية تجاه جيرانها من العرب، ولهذا فإنه من المتوقع أن يخرج وارسو بمقررات ومقدرات جديدة تقول لإيران كفى أربعة عقود من الشر المجاني، والآن.. أعط حساب وكالتكربما يكون مؤتمر وارسو أحد أهم وأكبر الفعاليات التي تشهدها أوروبا والمتعلقة بالخليج العربي والشرق الأوسط منذ مؤتمر مدريد للسلام عام 1991، وقد باتت الحاجة إليه اليوم ماسة وضرورية، لا سيما أن إيران سادرة في غيها، ناشرة لشرورها، غير عابئة بأحد، ووكلاءها يعيثون فساداً في الشرق الأوسط، وفيما وراء أعالي البحار على حد سواء.
يأتي المؤتمر، الذي تشارك فيه 79 دولة، في الوقت الذي تستمر فيه إيران بعدائها التاريخي لجيرانها، وهو أمر تجاهر وتفاخر به، وفيما تستمر تجاربها الصاروخية لإنتاج أنواع بعيدة المدى تقلل من احتمال أن يحظى الشرق الأوسط بالأمن والسلام، وحتى لا يجد العالم نفسه مرة أخرى أمام فاشية جديدة أو نازية محدثة، بل ربما ما هو الأسوأ من نظام دوجمائي يعتقد أن صلاح أحوال البلاد والعباد منوط به.
لا مكان للمصادفات القدرية أو الموضوعية في المنحنيات الإنسانية فائقة الأهمية والخطورة، وعليه يدرك المرء أن شهر فبراير الذي ولدت فيه الثورة الإيرانية سيئة السمعة ربما هو عينه الذي يشهد بداية نشوء وارتقاء تكتل دولي يعمل على وقف أوهامها، وتعطيل مساقاتها الكارثية على البشر في الشرق الأوسط وأوروبا على الصعيد الخاص، وعلى العالم عموماً.
ما خرج عن مؤتمر وارسو حتى الساعة يفيد بوجود نوايا حاسمة وحازمة لنهاية زمن تصدير الثورة الإيرانية التي أراد الخميني لها أن تملأ الأجواء العربية والشرق الأوسط، ولهذا فالحديث يجري عن بعض المرتكزات التي ينتظر أن تقيد طهران بقيود شديدة الوثاق لتمنع حركاتها الإرهابية إقليميا ودوليا.
ويقع الأمن السيبراني في مقدمة تلك المرتكزات، ونحن نعلم أن المخترقين الإلكترونيين الإيرانيين لهم باع طويل في محاولات الاعتداء الرقمي والإلكتروني على جيرانهم، وشن حملات إلكترونية لها أغراض خبيثة تبدأ من سرقة المعلومات والبيانات إلى اختراق الأنظمة الأساسية والمهمة للدول العربية، ووصولاً إلى الجيوش والقوات المسلحة، ما يجعل من الفضاء السيبراني تحدياً أولياً من تحديات تقليم أظافر إيران في الحال والاستقبال.
وتتعلق الركيزة الثانية ببرنامج إيران الصاروخي، ويدرك المتابع للأخبار القادمة من طهران كيف أن الملالي يجرون تجارب على الصواريخ الباليستية، ويتذرعون بأنها دفاعية من أجل الحفاظ على الأمن القومي الإيراني، غير أن القاصي والداني يدرك زيف هذه الذريعة، فما حاجة إيران إلى صواريخ يتجاوز مداها الاستراتيجي جغرافية طهران، ويصل البعض منها إلى حدود دول أوروبية تطل على البحر الأبيض المتوسط، ويطال غالبية العواصم العربية من الرياض والقاهرة إلى أبوظبي ودمشق، ومن بغداد إلى بيروت.
أما عن الإرهاب الإيراني الذي سيوليه المجتمعون في وارسو عناية فائقة فحدث ولا حرج، لا سيما في ظل النوايا الواضحة والفاضحة لشهوات قلب الملالي بشأن المزيد من التهديد للعالم. ولا يخفى على أحد أن الإيرانيين يترقبون ساعة القارعة وموعد النزال القادم مع الولايات المتحدة الأمريكية بنوع خاص، ولهذا تكاد تهديداتهم تبقى صريحة غير مريحة، وليس آخرها الحديث عن سفن إيرانية عسكرية تمضي إلى الأطلسي لتكون قريبة من الشواطئ الأمريكية، حتى وإن كان في ذلك جنون يتجاوز المفهوم العسكري المعروف باسم "ميزان ضبط الانتباه"؛ أي تقدير القدرات العسكرية لدولة بعينها تقديراً واقعياً، لكنها الأوهام الإمبراطورية هي التي تفقد القيادة السياسية رؤيتها، وقد لا يستقيم التوصيف هنا، إذ إن إيران ليس لديها قيادة سياسية من الأساس، بل كل ما تملكه هم قادة غارقون في الهوس الثيولوجي، وقد علمتنا التجارب التاريخية أن أمثال هؤلاء عادة ما يقودون بلدانهم وشعوبهم إلى الجب الأسفل والدرك المظلم.
هناك ملفات أخرى ستفتح أمام عشرات من الدول المشاركة، منها ملف الطاقة الذي تتهدده إيران، فهي لا تنفك في إثارة الزوابع والمخاوف المتصلة بمسارات خروج النفط من الخليج العربي إلى بقية أرجاء العالم، وتهدد بشكل مستمر بأنها ستعطل تلك الحركة، ما يعني التسبب في خسائر فادحة للاقتصاد العالمي، سواء جرى ذلك عبر إغلاق مضيق هرمز من جهة أو المساس بالممر المائي الأشهر في باب المندب بوابة البحر الأحمر، وهناك الكثير من المعلومات الاستخبارية المتاحة للجميع عن سفن وهياكل خشبية إيرانية موضوعة في أيدي الحوثيين، وأنه سيتم تفجيرها وإغراقها في الممر، مما يعيق حركة الملاحة الدولية في البحر الأحمر عند أي تصادم عسكري بين الجانبين.
هل يمكن لمؤتمر على هذا القدر من الأهمية أن يغفل بشكل أو بآخر أوضاع حقوق الإنسان المهترئة في الداخل الإيراني، عطفاً على الظروف المعيشية التي بلغت من السوء حداً غير مسبوق، ما جعل الإيرانيين يهتفون في الشوارع بسقوط الملالي من ناحية وبالكفر الأيديولوجي إن جاز التعبير بالقضايا التي صدع بها النظام رؤوس مواطنيه طوال أربعة عقود، في مقدمتها القضية الفلسطينية، لم يعد الإيرانيون يؤمنون بهذه الذرائع، في الوقت الذي يرون فيه أسلحة ونيران فيلق القدس تعيث فساداً وتسلطاً في الداخل السوري وترفض الرحيل من هناك.
ولكن المثير للجدل هو موقف غالبية الدول الأوروبية التي لم تتعلم من دروس التاريخ، ولا دالة لها على أحكام الجغرافية، فتستمر في التذرع بمصالح الشعب الإيراني في حين أن قادته لا يفعلون، وتتخذ مقاربات أكثر وداً من طهران، وتسير في طريقها لإنشاء آلية اقتصادية تغيث الإيرانيين، وتتناسى أنها واقعة في مرمى صواريخ آيات الله الباليستية من جهة، وبراثن استخبارات الحرس الثوري وعملياته الإرهابية على أراضيها من جهة ثانية، ولهذا سيغيب وزراء خارجيتها عن وارسو.
ليس هناك أي سلام في الشرق الأوسط طالما بقيت إيران مصرة على إضمار العداء والتفكير في أطر الهيمنة الفارسية تجاه جيرانها من العرب، ولهذا فإنه من المتوقع أن يخرج وارسو بمقررات ومقدرات جديدة تقول لإيران كفى أربعة عقود من الشر المجاني، والآن.. أعط حساب وكالتك.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة