كثر الحديث مؤخرا عن مصالحة مرتقبة بين تركيا وسوريا يريدها الطرفان.
الأول يهدف إلى تعزيز موقع الحزب الحاكم في السباق الرئاسي والبرلماني، والثاني، الذي أرهقت الحرب بلاده، يوقن أن إعادة إعمار سوريا لن يتم دون رضا الولايات المتحدة خصوصًا، والغرب عموما، ناهيك بدعم الحلفاء العرب، وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، التي نشطت دبلوماسيتها لوضع حد للنزيف السوري، وإعادة دمشق للحاضنة العربية.
في هذا الشأن، تقول مصادر دبلوماسية إن النظرة الأمريكية للمصالحة التركية السورية قد تختلف من حيث التفاصيل والمواقف العامة، ولكن في العموم يبدو أن الإدارة الأمريكية قد تحاول العثور على حلول معقولة ومقبولة دوليا لوضع حد للأزمة السورية دون أن تظهر أنها تخلت أو تراجعت.
كانت سوريا انزلقت إلى فوضى منذ أحداث عام 2011، وفقد الشعب السوري استقراره، وكانت هناك مواقف خلافية كبيرة بين سوريا وتركيا، في وقت سعت الولايات المتحدة إلى دعم مناطق حكم ذاتي في الشمال السوري للأكراد، وهو ما أثار حفيظة أنقرة، التي ما برحت القيام بغارات جوية متكررة ضد قوات سوريا الديمقراطية، "قسد"، باعتبارها "قوى إرهابية" من وجهة النظر التركية، وهنا تبرز نقاط الخلاف الأمريكي-التركي حول قضية الأكراد.
في هذا السياق، يبدو أن الإدارة الأمريكية تحاول إيجاد توازن بين العديد من مصالحها وأهدافها المتناقضة.. على رأسها كما ذكرنا دعم واشنطن للأكراد، وبين علاقتها الجيوسياسية مع تركيا، العضو في حلف الناتو، وبين العثور على حلول نهائية للأزمة السورية، وبالتالي العملية السياسية والسلمية في سوريا.
ومع ذلك، فإن الإدارة الأمريكية تعتقد أن تركيا شريك مهم في الشرق الأوسط، وتسعى إلى العمل معها لتحقيق المصالح المشتركة.. وتتعامل معها فيما يخص سوريا بقلق من أجل الأمن الإقليمي والاستقرار.
وتشير المعطيات إلى أن الإدارة الأمريكية لن تذهب بعيدًا في الضغط على تركيا لوقف خطوات المصالحة مع سوريا، وذلك انطلاقا من أن البرلمان التركي لم يصادق حتى الآن على انضمام فنلندا والسويد إلى حلف شمال الأطلسي، وعملية انضمام الدولتين ينظر إليها الرئيس جو بايدن كنصر جيوسياسي كبير في مواجهة روسيا.
ويرى مراقبون أن المصالحة التركية السورية قد تتم برضا أمريكي غير معلن، انطلاقًا من أن الرئيس الأمريكي، جو بايدن، يريد تخفيف وطأة الأزمة في سوريا، وفي الوقت عينه يرغب "بايدن" في ألا يشتبك مع الجمهوريين، الذين بالتأكيد سيوجهون له تهمة "الضعف" في سوريا.
ويتوقع متابعون أن تجد إدارة بايدن نفسها في وضع صعب جدا، حيث إنها تميل إلى رفض التوصل إلى حلول في سوريا حاليا، ولكنها لا تمتلك الكثير من الأوراق، التي يمكن اللجوء إليها، فهي ترغب في احتواء الأزمة السورية وعدم تفاقمها لكنها غير متعجّلة، كما أنها لا تريد أن تشتبك مع حلفائها بسبب "قانون قيصر" -الذي يفرض عقوبات على المتعاونين مع الرئيس السوري- حال تمت المصالحة.
في حين يرى البعض أن للإدارة الأمريكية ستكون لها كلمة الفصل في نجاح مساعي المصالحة التركية السورية، خصوصا أن إنهاء السيطرة الكردية على شمال سوريا، سواء عبر تسليم مناطق الأكرد إلى الحكومة السورية سلميا أو عبر عملية عسكرية يحتاج إلى موافقة الإدارة الأمريكية، لا سيما أن إنهاء السيطرة الكردية يعني خروج الولايات المتحدة وقوات التحالف الدولي من المناطق التي يسيطر عليها الأكراد.
ولا ننسى أن الوجود العسكري الأمريكي في سوريا تبرره واشنطن بمحاربة فلول "داعش" الإرهابي.. فيما يُقدَّر عدد القواعد الأمريكية في سوريا بـ28 موقعا، توجد قرب المعابر الرئيسية بين العراق وسوريا، وعلى طرق المواصلات الرئيسية بين البلدين، وقرب آبار النفط، ومراكز التكرير، إضافةً إلى قاعدتين في "التنف" على مثلث الحدود العراقية السورية الأردنية، والتي قال ترامب سابقا عنها إن "الجيش الأمريكي سيبقى فيها حتى بعد انسحاب الجيش الأمريكي من سوريا".
استنادًا إلى ما تقدم، فإن الإدارة الأمريكية تنظر إلى المصالحة التركية السورية ببراغماتية شديدة، وقد تلجأ إلى حلول تراعي فيها الموازين كافة، سواء المتعلقة بحلفائها أو المنخرطين في إنجاز المصالحة، وبين مصالحها الاستراتيجية في المنطقة والعالم.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة