الصغير أصبح صغيراً ليس لأنه قدره ولكن لأنه رضي بأن يكون كذلك، والكبير لم يولد كبيراً أو يجد طريقاً معبداً بالزهور ولكن لأنه رفض أن يخذل أحلامه وأيقن يقيناً لا يهزّه شك أو تفتّه مصاعب بأنّه من يُحدِّد قدره
الصغير أصبح صغيراً ليس لأنه قدره ولكن لأنه رضي بأن يكون كذلك، والكبير لم يولد كبيراً أو يجد طريقاً معبداً بالزهور ولكن لأنه رفض أن يخذل أحلامه وأيقن يقيناً لا يهزّه شك أو تفتّه مصاعب بأنّه من يُحدِّد قدره، فالقرار الذي يتخذه الإنسان هو ما يصنع مستقبله و يُحدِّد إنْ كان سيصبح تحت الأضواء من ضمن أبطال المسرح أو مجرد جالس في الظلام بين مقاعد المتفرجين الكثيرة.
عندما وقف صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، في كلمته الملهمة بملتقى أجيال المستقبل وذكر بأنّ التنافس يكون إمّا بالكَمِّ أو بالنوعية وبأنّه ما دمنا لا نملك الكم والأعداد الكبيرة من السكان فلا مناص من أن يكون تركيزنا للتفوق في رهان المستقبل على النوعية، وأنّ السبيل لذلك بأن نجعل نسبة «النخبة» هي النسبة الأكبر من الجيل الناشئ ليكون قادراً على منافسة الكبار في مستقبلٍ شديد التعقيد ومختلف التحديات ومتباين الظروف، فما كان سبباً للنجاح في الأمس قد لا يكون كذلك في الغد.
لذا لا بد أن يُحسَن صقل وتهيئة تلك النخبة والذي لن يتم إلا من خلال أمرٍ بعينه أوضحه سموّه بقوله: «رهاننا الآن أن يكون التعليم لدينا هو الرقم واحد في العالم، الوضع لا يحتمل أن نقبل أن نكون الرقم اثنين إطلاقاً».
إنّ العالم من حولنا لا يتوقف لحظة عن التغيّر وتسارع ذلك التغيير لا تهدأ وتيرته بل على العكس من ذلك أصبحت بفعل التقدم التقني أكثر سرعة وتقلّباً، فقد تم خلق معلومات خلال السنتين الماضيتين تفوق كل ما انتجته البشرية طيلة تاريخها، وبحلول عام 2020 سيرتفع حجم هذه المعلومات من 4.4 زيتا بايتس حالياً إلى 44 زيتا بايتس أو 44 تريليون جيجا بايتس، وتشير الدراسات إلى أن كفاءة التعامل مع هذه المعلومات وتحليلها ستساهم في خلق طفرة غير مسبوقة في كل المجالات ذات العلاقة.
تحديات المستقبل كما ذكرها «بو خالد» مختلفة الشكل والتعقيد، ولا سبيل لنا إلا أن نستثمر في التعليم النوعي، فلا مكان للمتساهل ولا موقع للاعتيادي في قادم الأيام.
فعلى سبيل المثال ستنجح الولايات المتحدة الأميركية في تخفيض كُلفة الرعاية الصحية بما يُقارب 300 مليار دولار سنوياً، الأمر الذي دعى الحكومة الأميركية لتستثمر أكثر من 200 مليار دولار في مشاريع المعلومات الضخمة Big Data Projects، قبل أن أنسى أود التذكير إلى أن نسبة المعلومات التي تم تحليلها حتى اليوم لا تتجاوز 0.5% ولكم تخيّل حجم الفائدة لو تم تحليلها بالكامل.
إنّ تحديات المستقبل كما ذكرها «بو خالد» مختلفة الشكل والتعقيد عمّا نواجهه حالياً، وأنّه لا سبيل لنا إلا بأن نستثمر في التعليم النوعي وأن نكون في مقدمة الصف فيه، فلا مكان للمتساهل ولا موقع للاعتيادي في قادم الأيام، وقد رأينا من ملاحظة سلوكيات البشر أنهم أنواع: نوع لا يتحرك إلا مع حركة التيار، بنفس قوته واتجاهه، فهو تابع للأكثرية لا يعدو أن يكون متأثراً بما يجري لا مؤثراً به.
ونوع يحاول التكيّف مع التغير بما يحقق مصلحته لكن تسارعه أقل من تسارع التغيير حوله فلا يتحقق ما يريد من الأفضلية ومسرح النخبة لا يمنح مكاناً لأمثال هؤلاء، ونوع ثالث وهم قِلّة قليلة من تُلزم نفسها بأن تكون في سباق مع الدنيا وأن تكون دوماً على بُعد خطوات من البقية التي لا تتوقف عن التطوير، هذا هو النوع الذي أراده «بو خالد».
لا يكفي أن تكون أسرع نمواً مقارنة بنفسك في السابق أو مقارنة بمن حولك من الأرقام «غير الصعبة» حتى تُرضي نفسك، بل لا بد أن يكون تنافسك مع نخبة النخبة، لذا ذكر سموه أن هدفنا في الإمارات ليس منافسة إيرباص أو بوينغ فتلك مؤسسات رائدة لكنها تكاد تقصر النجاح على رفع أرقام أرباحها وتضخيم حساباتها البنكية.
ولكنّ الهدف هو منافسة كوريا الجنوبية وفنلندا ونيوزلندا وسنغافورة، فالمطلوب تنمية مجتمعات وازدهار اقتصادي ورفع مستويات معيشة وتأسيس أرضية صلبة قادرة على حمل أحلام مستقبل كبير، ومدارُ ذلك لن يكون سوى بالتعليم، فتفوّقك على النخبة يعني بالضرورة تفوّق نظامك التعليمي عليهم.
تفوّق النظام التعليمي وحده لن يكفي أيضاً، وهو ما جعل سموّه يعيد تكراراً جملة لم تقل عبثاً أو محاولةً لرفع المعنويات بل كانت تصريحاً بأنّها المحور المفصلي لنجاح التعليم وهو يقول لعدة مرات: «يا عيالي أنتم رهاننا للمستقبل»، فجامعة هارفارد نفسها لن تنفع طالباً متكاسلاً لا يحمل «حُرقةً» لوطنه أو يشعر بثقل المسؤولية على عاتقه.
فالطموحات العظيمة تحتاج أشخاصاً بنفس العظمة، والتفوّق على الكبار يعني أن لا تنام عندما ينام البقية بل تبقى لتحقيق أحلامك بكل ما أوتيت من قوة وصبر وحماس عندما يكتفى الخاملون برؤية أحلامهم في المنام فقط.
توجُّه سموه لأولئك اليافعين بهذا الحديث المهم للغاية كانت رسالة للجميع بأن نجاحات اليوم لن تعني شيئاً إن لم نُهيئ الجيل القادم ليكمل مسيرة النجاح، فالنجاح الحالي لا معنى له إن لم نحسن التخطيط للمستقبل لضمان أن تبقى الإمارات على مسار الإنجازات.
وكما يقول الهنود الحمر: «مطرٌ لمرّةٍ واحدة لا يكفي لإخراج محصول»، فالاستمرارية هي المطلوبة والنجاح رحلة وليس محطة نصل إليها ثم نتوقف، وليس كافياً أن نبدأ بقوة إن لم نحافظ على ديمومة قوة و سرعة تلك الحركة حتى لا يسبقنا البقية.
إن النجاح رهن العمل الجاد، والتفوق على النخبة يعني أن يكون تخطيطك واجتهادك وحماسك أكبر مما هو موجود لديهم، فالنهايات العظيمة تحتاج مجهودات هائلة وتضحيات كبيرة ومن ظن أن النجاح أمر سهل أو يمكن تحقيقه بمبادرة واحدة فقد أخطأ المسار، فالنجاح تراكم لعمل أجيال «مُثابرة»، وكما قال سموه لن يكون أبداً من باب: «طاح الوسمي وظهر العشب»، من يرى ذلك هم من يتوارون بين مقاعد المتفرجين المظلمة.
*نقلاً عن " البيان"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة